التغير المناخي أدى لسنوات من الجفاف

يعيش المغرب منذ بضع سنوات تبعات التغير المناخي الذي أدى إلى توالي سنوات الجفاف وتراجع الموارد المائية، إذ تعاني حاليًا عدة مناطق مغربية، خاصة تلك الواقعة بالجنوب أو بوسط البلاد، من نقص حاد في الأمن المائي والإنتاج الفلاحي الذي يشغل 80% من سكان القرى.

بحسب تقارير اقتصادية، فإن الناتج المحلي من المياه سينخفض ب 14% بحلول عام 2050. ويقول خبراء أن الحصة السنوية للمواطن المغربي من المياه مهددة بالتراجع إلى 500 متر مكعب في سنتين، مقابل 750 متر مكعب كأدنى حد مقبول.

وقد أشارت تقارير دولية إلى أن المغرب يعد ثاني أكثر الدول المهددة بالعطش وأن بوادر أزمة نقص المياه ظهرت في المناطق الجنوبية للبلد. ووفق تقرير حديث للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن المغرب يعد حاليًا من بين المناطق التي ستتأثر بالتغيرات المناخية في منطقة الحوض المتوسط وشمال إفريقيا.

 

الجفاف يقضي على التنوع الفلاحي والبيولوجي بنواصر المغربية ويدفع سكانها للهجرة قسرًا

التغير المناخي يهدد قرية نواصر بإقليم شيشاوة

أشار التقرير ذاته إلى أن المعطيات المناخية الموجودة على المستوى الوطني تظهر أن معدل الاحترار يقدر ب 0,33 درجة مئوية في كل عشر سنوات، وهو معدل يفوق المعدل العالمي العام.

جفاف نهر بودلال وحقول نواصر

في قرية نواصر التابعة لإقليم شيشاوة على سبيل المثال، تحولت الحقول الزراعية في ظرف خمس سنوات، وبفعل موجات الحر والجفاف إلى أراضٍ جرداء وجفت السواقي ونهر بودلال الذي كانت تمده أنهار أخرى بالماء.
صورة لنهر بودلال تسير إلى أن التغير المناخي يؤدي إلى التصحر والجفاف

الجفاف يقضي على التنوع الفلاحي والبيولوجي بنواصر المغربية ويدفع سكانها للهجرة قسرًا

وكانت هذه الموارد المائية الموارد الوحيدة المعتمدة لتزويد السكان بالماء وسقي محاصيلهم الزراعية. حسب تصريح حسن آيت القاضي، المهتم بالشأن المحلي والمالك لضيعة فلاحية، فإن توالي سنوات الجفاف وتغير نظام التساقطات المطرية التي كانت منتظمة قبل عشر سنوات وأصبحت منعدمة الآن، قضى على تنوع الموارد المائية، وبالتالي على التنوع الفلاحي.
وقال آيت القاضي لمراسلة “تطبيق خبّر” الميدانية في المغرب هدى لبهالة إلى أن المنطقة كانت قبل هذا تنتج عددًا من المنتجات الفلاحية المتنوعة كالزيتون والخضر، ومنها الطماطم والجزر والبطاطس. وغيرها، وكذلك الفواكه كالتفاح والمشمش والتين والعنب والإجاص، لكن جميع هذه المنتجات اختفت بفعل شح المياه ونضوب مياه السواقي والأنهار، وسط الغياب التام للتساقطات المطرية.
الجفاف يقضي على التنوع الفلاحي والبيولوجي بنواصر المغربية ويدفع سكانها للهجرة قسرًا

جفاف نهر بودلال في قرية نواصر

الفلاحون يسقون مقابل 6 دولارات للساعة الواحدة

وذكر حسن آيت القاضي بأن فئة محدودة جدًا من الفلاحين الذين تقع ضيعاتهم على مقربة من آبار أنشأها بعض السكان يستطيعون السقي لساعات في الأسبوع مقابل مبلغ مالي يصل إلى 6 دولارات للساعة الواحدة.
وبيّن أن هذه المدة التي قد تصل إلى 6 ساعات أسبوعيًا تظل غير كافية لسقي جميع الهكتارات، فيما تكلفتها المرتفعة ليست متاحة إلا للقليل من الفلاحين الذين يحصلون على مساعدات من طرف أبنائهم الذين يشتغلون خارج المنطقة.
الجفاف يقضي على التنوع الفلاحي والبيولوجي بنواصر المغربية ويدفع سكانها للهجرة قسرًا

بعد جفاف النهر وسواقيه، تحفر الأبار ويسقي الفلاحين أرضهم ب 6 دولارات للساعة

وأوضح آيت القاضي أن مقاطعة سيدي بوزيد التي تضم قرية نواصر كانت تنتج خلال موسم الزيتون 90 طنًا يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، لكن إنتاجها هذه السنة عرف تراجعًا ملحوظًا، وكانت الكمية جد محدودة لم تكفِ لسد استهلاك الأسرة الواحدة.
وأضاف أنه على إثر هذا الوضع لم تشتغل المعاصر التقليدية. أما الفلاحون الذين لم يتمكنوا من استئجار الماء، فقد حولوا أشجار الزيتون وأشجار الفاكهة اليابسة بفعل الجفاف إلى حطب يستفيدون منه أو يبيعونه في الأسواق وقطعِ آخر صلة كانت تربطهم بضيعاتهم الفلاحية.

التصحر يقضي على التنوع البيولوجي بالقرية

دفع الجفاف، بحسب ما قال حسن آيت القاضي لمراسلة “تطبيق خبّر”، معظم الفلاحين وحتى الشباب إلى الهجرة قسرًا والنزوح نحو المدن الداخلية أو حتى نحو الخارج إلى الدول الأوروبية للبحث عن بدائل للعيش. وبيّن أن السكان الذين لم يهاجروا بعد لجأوا إلى عرض منازلهم للبيع أو اعتماد مشاريع بديلة كالتجارة والبناء ونقل البضائع.
الجفاف يقضي على التنوع الفلاحي والبيولوجي بنواصر المغربية ويدفع سكانها للهجرة قسرًا

الجفاف المتتالي يقضي على التنوع الفلاحي والبيولوجي في قرية نواصر

وفي الوقت الذي تعتمد فيه الساكنة حاليًا على الآبار لتوفير حاجياتها من المياه الصالحة للشرب والاستخدامات اليومية، قل حسن آيت القاضي، “حتى هذه الآبار غدت مهددة بدورها بالاختفاء الكلي، إذ أصبح الوصول إلى المياه بها يتطلب الآن حفر 200 متر مكعب عوضًا عن 6 أمتار مكعبة، وهو ما يدل على أن القرية على موعد قريب مع أزمة حقيقية ونقص حاد في الأمن المائي”.
لم يؤثر نضوب مياه السواقي والأنهار وارتفاع معدل الجفاف والتصحر على سكان قرية النواصر وعلى عيشهم فقط، بل قضى كذلك على  التنوع البيولوجي.
الجفاف يقضي على التنوع الفلاحي والبيولوجي بنواصر المغربية ويدفع سكانها للهجرة قسرًا

يتسبب جفاف المحاصيل بهجرة الأهالي نحو المدن أو الدول الأوروبية

فقد اختفت معظم النباتات ونفقت أعداد كبيرة من الأسماك والسلاحف التي كانت تعيش بنهر بودلال، كما هاجرت أنواع مختلفة من الطيور إلى وجهات جديدة، وتحولت المناظر الطبيعية التي كانت تشكل المتنفس الوحيد للأهالي إلى مناظر خالية من الحياة، فيما ينذر الوضع بأسوأ منه حاليًا خلال السنوات المقبلة.
يذكر أن المغرب قد وضع برنامجًا وطنيًا للتزويد بمياه الشرب والسقي بالفترة بين 2020 – 2027، إثر المؤشرات المقلقة في خطوات تهدف لاتسقرار الأمن المائي والتصدي لتبعات التغير المناخي.