“السلفية الجهادية” في سوريا.. كيف هو واقعها؟

قدّم المدون السوري الشهير المعروف باسم “مزمجر الشام” قراءة تفصيلية حول ما يسمى بـ”السلفية الجهادية” في سوريا اليوم، مستعرضاً واقعها ومآلاتها والتحديات التي تواجهها.

ويعتبر “مزمجر الشام” أحد أبرز المدونين الذين يحظون بمتابعة المراقبين والخبراء، باعتباره من أبرز العارفين بخبايا وخفايا التنظيمات المختلفة في سوريا.

ويقول “مزمجر الشام” في قراءته أنه “بعد قمع النظام السوري للمظاهرات السلمية و مع بداية الكفاح المسلح في الثورة السورية، ولدت فصائل السلفية الجهادية فكانت كتائب أحرار الشام كأول جماعة مسلحة تنتمي للمدرسة السلفية الجهادية بعد شهور فقط من انطلاق الثورة”.

وأضاف: “رغم أن أحرار الشام ترفض أن يتم صبغها بصبغة السلفية الجهادية وتدّّعي في أدبياتها أنها جماعة مسلمة شعبية، إلا أن الواقع كان مختلف تماماً عن تنظيرات الجماعة في الوثيقة التي نشرتها بعنوان هل أتاك حديث الكتائب”.

ولفت “مزمجر الشام” إلى أنّ “أحرار الشام أول جماعة اصطدمت مع المتظاهرين الرافعين لعلم الثورة، وأول جماعة جلدت  ظهر مواطن بسبب الصلاة في شوارع حلب عبر شريط فيديو، وغيرها الكثير من الشواهد التي تفند تنظيرات الجماعة عن نفسها بوصفها لا تتبنى المنهج السلفي الجهادي”.

وأضاف: “أحرار الشام رغم اختلاف قادتها المؤسسين مع قيادات التيار السلفي الجهادي عموماً والقاعدة خصوصاً في مرحلة “صيدنايا”، ظلت لفترة طويلة رهينة وسجينة لأدبيات التيار الجهادي و تصوراته ورموزه. وبعد نشأة أحرار الشام توالى ظهور الجماعات السلفية الجهادية تباعاً في العام الثاني لانطلاق الثورة، فظهرت جبهة النصرة وجند الأقصى والخضراء وصقور العز والفاتحون وغيرها لتغطي كامل خريطة سوريا”.

وتابع: “خلال الثلاث سنوات الأولى من عمر الثورة تصدرت الفصائل الجهادية المشهد العسكري في سوريا، ومع بروز نجم تنظيم داعش ودخول الكثير من الفصائل في سباق مزاودات مع التيار الجهادي انتقلت عدوى “السلفية الجهادية” لجماعات لا تنتمي أصلاً لهذا التيار. فما عاد مستغرب حينها أن ترى فصائل تتبع للجيش الحر أو المدارس الإسلامية الأخرى أو حتى جماعات شعبية. ما عاد مستغرب أن تراها ترفع شعارات التيار الجهادي وراياته وتسوّق لأدبياته ومنهجه”.

الجولاني مستعدّ  لمبايعة الحزب الشيوعي في سبيل مصلحته الشخصية

وذكر المدوّن السوري الشهير أنّ “الكثير من تلك الفصائل تبنت الخطاب الجهادي أو تسمت باسماء إسلامية على الأقل إما أصابتها حمى المزاودة مع السلفية الجهادية وفصائلها أو إرضاءً للداعم”. وقال: “بعد اندلاع الصراع بين تنظيم داعش ومعظم فصائل الثورة – خصوصاً الجهادية منها – بدأ يخبو نجم التيار الجهادي شيئاً فشيئاً وتعرض لانتكاسة كبيرة كان لها عدة أسباب:

1- المراجعات الفكرية لبعض فصائل التيار الجهادي على خلفية القتال مع تنظيم داعش : حيث خلّفت صدمة القتال مع تنظيم داعش قطيعة مع التيار “السلفي الجهادي” وأعادت بعض تلك الفصائل إلى الثورة وجمهورها، ومن أبرز تلك الفصائل أحرار الشام أول وأكبر جماعة جهادية في الثورة السورية.

2- القتال المرير مع تنظيم داعش: كانت أكثر فصول ذلك القتال دموية هو اقتتال فصائل التيار الجهادي فيما بينها، ورغم أن بعض فصائل التيار امتنع عن قتال تنظيم داعش كجند الاقصى والفجر والخضراء والمثنى، إلا أنّ فصائل سلفية جهادية أخرى خاضت أشرس المعارك مع تنظيم داعش كالنصرة والأحرار في سوريا”. ويضيف “مزمجر الشام”: “هنا لا أعني أن قتال تنظيم داعش كان محصوراً على فصائل التيار الجهادي، فهناك الكثير من الفصائل من خارج التيار قاتلت تنظيم داعش وشاركت في التصدي له، لكن المقصد أن أكثر المعارك دموية كان بين فصائل البيت الواحد (السلفية الجهادية).

 

3- فك ارتباط جبهة النصرة بتنظيم قاعدة الجهاد : حيث كانت النصرة ثاني أكبر جماعة سلفية جهادية في سوريا – اذا استثنينا تنظيم داعش- وشكل خروجها من عباءة القاعدة ضربة قوية للتيار الجهادي وللسلفية الجهادية، حيث كانت الخطوة أشبه بالطلاق البائن مع التيار الجهادي بأكمله. وجاءت فكرة خلع أبو محمد الجولاني لعباءة السلفية الجهادية والقاعدة – في سبيل طموحه الشخصي – بعد عزم مجلس شورى قاعدة الجهاد على عزله وتولية أبو عمر سراقب كأمير لقاعدة الجهاد في سوريا خلفاً له وذلك بتوصية من أعضاء “خلية الأزمة” التي أوفدتها القاعدة إلى سوريا للوقوف على أوضاع التنظيم. إلا أن الجولاني تمكن من قلب الطاولة على القاعدة من خلال خطوة فك الارتباط كضربة استباقية، وساعدته في ذلك بعض الظروف حينها ( بالصدفة طبعاً !! ) كمقتل معظم قادة القاعدة المنافسين له، ومقتل معظم شيوخ القاعدة الموفدين إلى سوريا في ظروف غامضة، وانقطاع التواصل مع الظواهري لفترة طويلة. اذاً ولولا عزم القاعدة على خلعه حينها لم يكن الجولاني ليتخذ تلك الخطوة”.

وأضاف: “أما ما ذكره الجولاني بالأمس حول أن خطوة فك الارتباط بالقاعدة كانت بهدف تغليب مصلحة الثورة فهو مجرد كذب فاضح لا ينطلي على أحد”، وقال “مزمجر الشام”: هذا الرجل (الجولاني) مستعد لمبايعة الحزب الشيوعي في سبيل السلطة و مصلحته الشخصية”.

وأردف: بالعودة للتيار الجهادي .. واليوم وبعد عشر سنوات من عمر الثورة هل مازالت السلفية الجهادية حاضرة في المشهد السوري؟ وما هو وزنها الحقيقي؟ وماهي التحديات التي تواجهها؟ كما ذكرنا سابقاً فإن التيار الجهادي بعد عام 2016 تعرض لانتكاسة كبيرة أفقدته زخمه وقوته وانحسر دوره بشكل كبير، لكنه مازال متواجداً حتى الآن من خلال بعض الجماعات والتنظيمات الصغيرة المتشرذمة ..

وهنا سنفصل فيها:

– تنظيم حراس الدين : فرع قاعدة الجهاد في سوريا وأكبر ممثل للسلفية الجهادية اليوم فيها:

نشأ التنظيم كردة فعل على فك جبهة النصرة ارتباطها بالقاعدة وتأسس على أيدي قيادات الصف الأول للقاعدة في سوريا ومن أوثق الشخصيات التي تراهن عليها قيادة القاعدة في الخارج”.

وتابع “مزمجر الشام”: “التنظيم رغم أن عدد عناصره لم يتجاوز الألف مقاتل في أفضل فتراته إلا أنه شكل تحدياً كبيراً أمام الجولاني الذي رأى فيه تهديداً حقيقياً لسلطته في المناطق المحررة، خصوصاً أن الكثير من عناصر هيئة تحرير الشام مازالوا يتأثرون بالمنهج السلفي الجهادي وخطاباته وأطروحاته. أضف الى ذلك أن بعض قيادات الحراس تملك تاريخاً جهادياً كبيراً لا يقارن بالجولاني، فالعديد منهم خاض التجربة الأفغانية وعلى معرفة شخصية ببن لادن والظواهري، فخشي الجولاني من انشقاقات كبيرة تضرب الهيئة لصالح حراس الدين، وهذا ما حدث بالفعل. لذلك سعى الجولاني منذ تشكيل حراس الدين لمحاصرته والتضييق عليه والعمل على اضعافه وتفكيكه من خلال تجفيف منابع الدعم عنه، ومصادرة سلاح عناصره واعتقال قادتهم ومنع أي فصيل من التعامل معهم”.

وأردف: “ورغم توصيات الظواهري وسيف العدل لفرع القاعدة السوري بعدم الدخول في مواجهة مع الجولاني، إلا أن السياسات العدائية للجولاني أجبرت حراس الدين على الدخول بعدة مواجهات مع هيئة تحرير الشام كان آخرها معركة عرب سعيد قرب إدلب. وقد أدت هذه المواجهات إلى اضعاف “حراس الدين” بشكل كبير وتحجيم دورهم إلا أن التنظيم قادر على إعادة ترتيب صفوفه مجدداً في حال واتته الفرصة لذلك”.

اعتقالات

ومع هذا، فقد قال “مزمجر الشام” أنه بعد العملية التي نفذها حراس الدين ضد قاعدة تل السمن الروسية في الرقة، زادت الضغوط على الحراس من قبل الهيئة وزادت حوادث تصفية واعتقال قادة الحراس وكوادره الأمر الذي يؤكد دور الجولاني في امضاء التوصيات الدولية في القضاء على تنظيم حراس الدين. واليوم هناك أكثر من 10 قيادات من الصف الأول “لتنظيم القاعدة ” في سجون الجولاني، منهم أبو عبدالرحمن المكي وأبو حمزة الدرعاوي وأبو يحيى الجزائري وأبو عمر وأبو ذر المصري وبعضهم عضو في مجلس شورى قاعدة الجهاد”.

ولفت إلى أنه جرى “اعتقال أيضاً الكثير من كوادر حراس الدين كأبي أحمد الليبي وأبو حسين التركي وعبدالله القطري وأبو بصير الليبي وأبو عبدالله السوري ( نجل أبو فراس السوري الناطق الرسمي باسم القاعدة سابقاً ) وغيرهم الكثير ممن لا يسع المجال لذكرهم”.

وقال: “الكثير من هؤلاء المعتقلين يتعرضون للتعذيب والاستجواب في سجون الجولاني بحضور مندوبين لمخابرات دولية ويتم سؤالهم عن طرق التواصل مع القاعدة الأم والفروع، والخلايا الخارجية والخلايا في مناطق النظام وطرق الدعم وهوية الداعمين”.

شاهد أيضاً: محاولات إعادة إحياء محطة قطار الموصل ضحية إرهاب داعش