التعليم عن بعد يواجه أزمة في العالم العربي في زمن كورونا.. ما هي التحديات التي يواجهها الطلاب؟

لا يمكن لأي أحد أن يتصوّر المعاناة التي يواجهها الطلاب في العديد من بلدان العالم العربي، مع التعليم عن بعد. فالواقع صعب خصوصاً في ظلّ انعدام المقومات المطلوبة لتسيير العملية التعليمية للطلاب أثناء تواجدهم في منازلهم.

وفعلياً، فإن الكثير من الطلاب قد لا يملكون الإنترنت المطلوب لإجراء العملية التواصلية ومتابعة دروسهم، كما أن هناك جزءاً كبيراً من الطلاب لا يمتلكون الهواتف الذكية أو أجهزة نظراً لأوضاعهم المعيشية المتردية. كذلك، لا يمكن نسيان واقع البنى التحتية الخاصة بالانترنت في العديد من الدول. ولهذا، فإن كل هذه العوامل وأكثر تضع الطلاب أمام عملية تعليم صعبة، الأمر الذي يهدّدهم بخسارة دراستهم وعدم تلقيهم العلوم المطلوبة.

وفي العديد من المدن حول العالم العربي، قد يتوفر الانترنت، لكن الطلاب في الأرياف قد لا يحظون بهذه الميزة، وإن توفر الانترنت فقد تكون الشبكة ضعيفة. كذلك، فإن الطلاب في الريف قد لا يملكون هواتف ذكية مثل طلاب المدن، الأمر الذي يضعهم أمام خطر عدم التعلم. وفي ضوء هذا المشهد، تنكشف معضلة أكبر وهي “انعدام المساواة” بين الأطفال، وهو الأمر الذي حذرت منه المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة على الدوام، خصوصاً خلال جائحة “كورونا”.

وفي الواقع، فإن الكثير من الدول العربية مثل لبنان ومصر والأردن واليمن لجأت إلى التعليم عن بعد خلال الأزمة الصحية، وقد كشفت المرحلة الماضية والحالية عن الكثير من الصعوبات.

واقع التعليم عن بعد في لبنان

في لبنان الذي يشهد أزمة اقتصادية ومالية صعبة، يعاني الطلاب فيه من أزمات أخرى أساسها عدم توفر الكهرباء بشكل دائم، فضلاً عن تردي خدمة الانترنت. وفي حال نظرنا إلى أرض الواقع، فإن لبنان غير مجهز وليس لديه الأرضية لمواكبة التعليم عن بعد بشكل فعال.

وكثيرة هي الأصوات التي ارتفعت في لبنان إزاء واقع التعليم عن بعد الصعب، في وقت أعلنت الكثير من العائلات استسلامها بسبب عدم قدرتها على توفير هواتف ذكية أو حواسيب لجميع أطفالها، نظراً لتدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع تكلفة شراء هذه المعدات. وعدا عن ذلك، فإن الكهرباء في لبنان تعتبرُ أزمة بحد ذاتها، وهي ضرورية لتشغيل الانترنت، كما أن المولدات الخاصة لمدّ المنازل بالطاقة الكهربائية أيضاً تواجه معضلة توفر مادة المازوت لتشغيلها. ووسط كل ذلك، الطالب هو الضحية.

ورغم أن الانترنت يتوفر في لبنان (علماً أن الشبكة تواجه الكثير من المشاكل)، فإن هذا البلد يواجه ضعفاً في الارضية المطلوبة لمواكبة التعليم عن بُعد.

وكشفت دراسة أممية أجريت في نيسان/أبريل العام الماضي وشملت 10 آلاف عائلة محتاجة، أنّ نصف هذه العائلات فقط يملك تلفازاً في المنزل، في وقت لا تملك فيه أي عائلة تقريبًا أجهزة لوحية أو حواسيب، بل تملك هاتفًا ذكياً واحدا فقط في المنزل. ومع هذا، فإن هذه العائلات يتوجب عليها انفاق ما بين 25 و 50 ألف ليرة لبنانية على خدمات الانترنت لهواتفهم.

وفعلياً، فإن توفير الانترنت للمنازل للحصول على “الواي فاي” باتت يتطلب في لبنان مبلغاً يتراوح بين 60 و 100 ألف ليرة، وذلك بسبب ارتفاع سعر الدولار. أما الهاجس الأكبر فهو مع المستقبل القريب، إذ برزت مخاوف لدى اللبنانيين من إمكانية رفع سعر باقات الانترنت الشهرية للهواتف، ما يعني أن القدرة على توفير الانترنت للتعليم عن بعد ستصبح صعبة جداً.

واقع التعليم عن بعد في مصر

وكان تقرير لشبكة “DW” الألمانية كشف عن مشكلة كبيرة في مصر تستهدف الطلاب بالدرجة الاولى. وفعلياً، فإنه تسود هناك مخاوف من أن يساهم التعليم عن بعد في تكريس التفاوت الطبقي بين السكان. فأبناء الطبقة الغنية يمكنهم توفير التجهيزات المطلوبة والاستفادة من دروس خصوصية في منازلهم، في حين أن أبناء الطبقة الفقيرة قد يحرمون من هذه الأمور، ولا يجدون سوى المدارس العمومية لتلقي العلم فيها.

كذلك، هناك إشكالية أخرى تتعلق بالأطفال الذين يعانون مشكلات في النظر أو السمع، إذ لم يتم بعد توفير حل تقني يتيح لهم الاستفادة من التعليم عن بعد. وإن كانت مشكلة التجهيزات وولوج الإنترنت قائمة في المدن، فهي تزداد حدة في الأرياف، خصوصاً في ظل انعدام وجود شبكة اتصال قوية بالإنترنت.

واقع التعليم عن بعد في الأردن

ومثل لبنان ومصر، فإنّ واقع التعليم عن بعد في الأردن يواجه أزمات كبرى. وفي الواقع، فإن هناك قرى في الأرياف تواجه مشكلة عدم توفر الانترنت، الأمر الذي يحرم الطلاب هناك من التعليم. وعلى سبيل المثال، فإن قرية دير القن تشهد على انعدام توفر امكانات التعليم عن بعد، ناهيك عن الانقطاع المتكرر للكهرباء.

ووسط ذلك، يرى الخبراء أن هناك ضرورة في توفير البنية التحتية اللازمة للتعليم عن بعد، خصوصاً أن الكثير من الطلاب لا يمتلكون أجهزة الكترونية تمكنهم من مواكبة تلك العملية. ومع هذا، يدعو الخبراء إلى توحيد الجهود بين القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية لسد الثغرات في البنى التحتية الخاصة بالتعليم.

واقع التعليم عن بعد في اليمن

وهو البلد الذي مزّقته الحرب، ويعاني من مشكلة كبيرة في التعليم عن بعد. ففي اليمن، فإن البنية التحتية للانترنت تواجه صعوبات كبيرة، وقد يصل الأمر إلى انعدام هذه الخدمة، وكل ذلك يساهم في منع الطلاب من الحصول على معارفهم.

ومع هذا، فإن مناطق عديدة في اليمن محرومة من الانترنت، ناهيك عن أزمة توقف صرف رواتب المعلمين منذ سبتمبر/أيلول 2016. وكل هذه العوامل يمكن أن تساهم في انهيار القطاع التعليمي وترك الملايين من الأطفال من دراسة.

ووفقاً لتقرير أحده منظمات دولية، فإن “الوضع المزري في اليمن، بما في ذلك الصراع المستمر والكوارث الطبيعية، وتفشي وباء كورونا، والكوليرا والحصبة وشلل الأطفال والفقر، أدى إلى خروج أكثر من مليوني طفل من المدرسة، كما أن 5.8 ملايين طفل كانوا مسجلين في المدارس قبل جائحة كورونا هم الآن عرضة لخطر التسرب.

طلاب الدول الأكثر فقرا فقدوا 4 شهور من التعليم

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2020، كشف تقرير أممي أثر جائحة “كورونا” على التعليم في العالم، وأوضح أن الأطفال في البلدان الأكثر فقرا فقدوا ما يقرب من 4 أشهر من التعليم المدرسي منذ بداية الجائحة، مقارنة بخسارة 6 أسابيع من التعليم في الدول مرتفعة الدخل.

ويبحث التقرير الصادر عن البنك الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، في الاستجابات الوطنية للجائحة في سياق التعليم، من بينها خسارة أيام التعليم، ودعم التعلّم عن بُعد للطلاب وأولياء الأمور وخطط إعادة فتح المدرسة والبروتوكولات الصحية والتمويل.

ووجد التقرير أن الأطفال في الدول منخفضة الدخل وذات الدخل المتوسط الأدنى هم الأقل احتمالا للوصول للتعلم عن بُعد، والأقل عرضة للمتابعة إذا فقدوا التعلّم، والأكثر عرضة للتأخير في إعادة فتح مدارسهم، والأكثر احتمالا للالتحاق بالمدارس بموارد غير كافية لضمان عملية تعليمية آمنة.

ويرى روبرت جينكينز، مدير قسم التعليم في اليونيسف أن الجائحة أثّرت على تعلّم الأطفال في جميع أنحاء العالم، لكنّ تأثيرها متباين، ويقول: “في الدول منخفضة الدخل وذات الدخل المتوسط الأدنى، كان الضرر أكبر مع محدودية الوصول للتعلم عن بُعد، وزيادة مخاطر خفض الميزانية وتأخير الخطط في إعادة الفتح، مما أحبط أي فرصة لعودة أطفال المدارس للحياة الطبيعية”.