اللمسات الأخيرة لعملية ترميم المومياوات الملكية بعد 20 شهراً من الدراسة والاعداد لنقلها

إلى جانب المتحف المصري، بميدان التحرير بالقاهرة، كانت ساحة كبيرة، لا يتوقف فيها الصخب، ولا تهدأ بها الحركة. وبين الجموع كان شاب مصري يراقب ذلك كله ويشرف على أعمال تجهيز عربات نقل المومياوات الملكية، من المتحف المصري، إلى المتحف القومي للحضارة المصرية. وسبق له أيضا أن عمل على ترميم وصيانة تلك المومياوات لشهور طويلة، وإذ يودع المتحف المصري 22 مومياء ملكية، إلى رحلتها الأخيرة، فإن مصطفى إسماعيل سيستكمل معها تلك الرحلة، فهو مدير مخزن المومياوات ورئيس معمل صيانتها وحفظها بالمتحف القومي للحضارة المصرية.

"أخبار الآن" داخل معمل صيانة المومياوات الملكية قبل موكب نقلها للمتحف الكبير

اللمسات الأخيرة لعملية نقل المومياوات الملكية، ما هي إلا عقدة في سلسلة طويلة، كان الدكتور مصطفى شاهدا عليها. أسندت إليه مهمة معاينة المومياوات ودراسة حالة كل واحدة منها على حدة، ومعرفة نقاط الضعف والقوة لكل واحدة منها، وكيف سيقوم بصيانتها وترميمها، وكيف سيعدها لعملية النقل، والعرض داخل المتحف، وكان ذلك في عام 2017،  واستغرقت تلك الدراسة ووضع الخطة عاما و8 أشهر: “هذه الفترة كانت الأصعب على الإطلاق، كل ما يحدث بعدها أسهل بالنسبة لي، إن أنت قمت بدراسة جيدة ووضعت خطة محكمة فكل الأمور ستكون أسهل”.

"أخبار الآن" داخل معمل صيانة المومياوات الملكية قبل موكب نقلها للمتحف الكبير

كان الشاب  ذو الـ35 عاما، يقول تلك الكلمات وهو يتجول بين المركبات التي ستحمل المومياوات الملكية الخاصة بملوك الفراعنة “أعيد تجهيزها 5 مرات، لتكون ملائمة للمومياوات، وتم تجربة محاكاة لعملية النقل 19 مرة، وفي كل مرة كان الشاب يدون الملاحظات ويدرس أي تغيير، ويضع كل الاحتمالات، لتكون عملية النقل الحقيقة في أفضل أشكالها: “لدينا 22 مومياء ملكية، لكل واحدة حالتها الخاصة، وطبيعتها التي تختلف عن الأخرى، وبالتالي فوضع خطة للأمر لم يكن بالأمر السهل”.

"أخبار الآن" داخل معمل صيانة المومياوات الملكية قبل موكب نقلها للمتحف الكبير

بعد صيانة وترميم المومياوات الملكية يأتي دور الكبسولات والترطيب وضخ النيتروجين

المومياوات الملكية الآن داخل المتحف المصري، تم وضعها في كبسولات، تم ضخ النيتروجين فيها، بدرجة حرارة معينة، ورطوبة محددة، ودرجة ترطيب تختلف من مومياء لأخرى، بحسب المحتوى المائي لها، وذلك بعد صيانتها وترميمها، ووضع مواد طبيعية تحفظها لفترات طويلة، ثم وضعت داخل أسرة بأحجام مختلفة، تناسب وضع وحجم كل مومياء، ثم وضعت داخل صناديق، قبل ترصيصها: “وعملية الترصيص، تعني أنني أغلقت الصندوق، ولا يتم فتحه إلا بالمتحف القومي للحضارة، بوجود اللجنة المختصة”.

"أخبار الآن" داخل معمل صيانة المومياوات الملكية قبل موكب نقلها للمتحف الكبير

“صندوق داخل صندوق” لوقاية المومياوات الملكية من “المطبات”

كل مومياء من هذه المومياوات الملكية  في صندوق خاص بها، وهذه الصناديق ستوضع في صناديق أخرى داخل العربات، يتم التحكم في عوامل الاهتزاز الأفقي والرأسي لها، بما يضمن أن تكون مستوى الصدمات صفر: “إذا لدينا صندوق داخل صندوق، محكم التجهيز، حتى أنه إذا كان هناك مطب أو اهتزاز فإن ذلك لا يؤثر على المومياء” وهذه المرحلة يعتبرها الشاب صعبة، لكنها لا تقارن بما كان يصنع من ترميم لأجساد ملوك الفراعنة، فقد كان الفريق المختص بالترميم هذه المرة، مصري الجنسية بشكل كامل ولأول مرة.

"أخبار الآن" داخل معمل صيانة المومياوات الملكية قبل موكب نقلها للمتحف الكبير

 

رمسيس السادس “وجه جديد” من المومياوات الملكية يعرض لأول مرة

سبق لزائري المتحف المصري أن رأوا بعض تلك المومياوات قديما، لكن بعضها سيعرض لأول مرة، فقد كانت عبارة عن قطع تتجاوز في عددها المائة، مثل الملك رمسيس السادس، وهو الملك الأقرب إلى مصطفى، فقد كانت رسالة الدكتوراة الخاصة به عن ذلك الملك، وسيتم عرضه للجمهور لأول مرة في التاريخ، ضمن ملوك آخرين: “وهذا شعور عظيم، ولذلك كنت أقضي كثيرا من الوقت داخل المتحف للعمل، ولا أشعر بالتعب، بالعكس كان الفخر سيد الموقف، وأنا أتعامل مع عظمة الأجداد وأجساد ملوكهم”.

"أخبار الآن" داخل معمل صيانة المومياوات الملكية قبل موكب نقلها للمتحف الكبير

رحلة الصعود من ترميم الخزف والفخار إلي المومياوات الملكية

حين التحق مصطفى بكلية الآثار، وانضم إلى قسم الترميم، عمل في كل أشكال الترميم، الأخشاب والفخار والخزف ووصولا للمومياوات، ورافق بعثات أجنبية أثناء عملها، وكان يدون كل ما يتعلم، فذلك الشغف الذي لديه بعالم الأجداد، بدأ معه منذ طفولته، حين كان يقرأ التاريخ، ويزور الأماكن الأثرية، لكن لم يخطر على باله أن يكون المسؤول عن ترميم ملوك الفراعنة فيما بعد، وحين كان يجلس بالمتحف المصري، ينسيه العمل والتفاصيل التي تتكشف أمامه الوقت، فكان يسهر لساعات طويلة داخل المكان: “ولأن زوجتي تعمل في الآثار أيضا، فقد كانت متحمسة بشكل كبير، وتشجعني على استكمال عملي على أكمل وجه”. حتى أن منزله تحول إلى مكان يجرب فيه محاكاة الترميم، أو الدراسة على نماذج تحاكي المومياوات.

"أخبار الآن" داخل معمل صيانة المومياوات الملكية قبل موكب نقلها للمتحف الكبير

“رمسيس الثاني، رمسيس الثالث، رمسيس الرابع، رمسيس الخامس، رمسيس السادس، رمسيس التاسع، تحتمس الثاني، تحتمس الأول، تحتمس الثالث، تحتمس الرابع، سقنن رع، حتشبسوت، أمنحتب الأول، أمنحتب الثاني، أمنحتب الثالث، أحمس نفرتاري، ميريت آمون، سبتاح، مرنبتاح، الملكة تي، سيتي الأول وسيتي الثاني”.. كل هذه الأسماء لملوك سبق لمصطفى أن قام بترميمها، وينتظر يوم السبت المقبل، الـثالث من إبريل الجاري، أن يتم نقلها، وفق الخطة التي وضعها رفقة زملائه والعاملين معه في ذلك العمل.

"أخبار الآن" داخل معمل صيانة المومياوات الملكية قبل موكب نقلها للمتحف الكبير

أخصائي ترميم في كل مركبة بصحبة المومياوات الملكية أثناء نقلها

يتوقع مصطفى أن تكون عملية نقل المومياوات إلى المتحف القومي للحضارة بالفسطاط، أن تتم في نحو 40 دقيقة، وسيكون إلى جوار كل سائق مركبة تحمل أحد أجساد ملوك الفراعنة، أخصائي ترميم مومياوات، سيكون دوره توجيه السائق، ونصحه بالسير ما بين 10 كيلو مترات إلى 15 كيلو مترا في الساعة. ولدى وصول المركبات إلى المتحف القومي للحضارة، سيتم إنزالها إلى سيارات أخرى لتنقل إلى مخزن المومياوات.

"أخبار الآن" داخل معمل صيانة المومياوات الملكية قبل موكب نقلها للمتحف الكبير

في المخزن الذي ستنقل إليه المومياوات، عمل مصطفى على مدار 7 أشهر، على تجهيز المكان، حتى إذا ما فتح الكبسولة المحيطة لكل مومياء لا تتأثر بالعوامل المحيطة بها، وبالتالي كان عليه تجهيز المخزن بدرجة حرارة معينة ورطوبة وعامل ترطيب، باستخدام النيتروجين: “لأن كل مومياء لها حالة خاصة، وإذا فتحت الكبسولة في بيئة غير مناسبة للمومياء ستتأثر بشكل كبير، وستوضع المومياوات في حضانة بالمخزن”.

"أخبار الآن" داخل معمل صيانة المومياوات الملكية قبل موكب نقلها للمتحف الكبير

بعد ذلك سيجري تجهيز فتارين العرض، والتي تحتاج هي الأخرى إلى عوامل تحفظ للمومياء طبيعتها كي لا تتعرض للتلف، ثم ستعرض للجماهير التي ستزور المكان لرؤية تلك المومياوات الملكية، وسيكون مصطفى حاضرا هناك، متذكرا الوقت الذي أمضاه في دراسة المومياوات والعمل على صيانتها وترميمها وتجهيزها للنقل، وسيحكي لأولاده الثلاثة عن تلك الأيام التي يعتقد أنها الأهم في حياته: “وبالتأكيد لم أكن أعمل لوحدي، كان هناك المئات، وسأظل أفتخر بتلك الفترة من حياتي، وستظل اللحظات التي كنت ألامس فيها أجساد ملوك الفراعنة الأقرب إلى قلبي”.

"أخبار الآن" داخل معمل صيانة المومياوات الملكية قبل موكب نقلها للمتحف الكبير

(خاص – عبده محمد من القاهرة – مصر)