أطلق مجموعة من الشباب المتطوع، الجمعة الماضي، أكبر حملة لتهيئة وتنظيف قصبة وهران التاريخية بمشاركة عشرات من المواطنين والمهتمين بالتراث الإنساني والمتطوعين وجمعيات مدنية نشطة في المدينة، والاتحادية الوطنية للمجتمع المدني.
 
صفت حملة التنظيف هذه بأنها الأكبر في تاريخ قصبة وهران التاريخية، حيث حمل الشباب المتطوع على عاتقهم تنظيف هذا المعلم الأثري الذي يعاني الإهمال وانتشار النفايات والأعشاب الضارة.

 

 


فقد لبى الشباب لهبة شعبية تطوعية على مواقع التواصل الاجتماعي، ليكون يوم الجمعة موعدًا لالتقاء المتطوعين من شباب وشابات، وحتى كبار السن الذين شاركو بقوة في هذه المبادرة، وغادروا وسط مدينة وهران مشيًا على الأقدام حتى القصبة لتنظيفها.
وحسب ماصرح به اسماعيل بن يوب، صاحب المبادرة، لمراسل “تطبيق خبّر” الميداني في الجزائر عبد المؤمن لعرابي، فإن الفكرة راودت الشاب المحب لتاريخ ومعالم المدينة الأثرية منذ مدة ليست قصيرة، بعد تجواله في المعالم الأثرية المنسية، من بينها قصبة وهران الأندلسية.
 
وتمتد جذور قصبة وهران الأندلسية الواقعة بحي سيدي الهواري لسنة 902 للميلاد، من قبل بحارة وتجار أندلسيين كانت لهم تجارة واسعة في منطقة الشمال الأفريقي.
 
وكان هؤلاء قد وصلوا بعد أن أرسلهم الخليفة عبد الرحمن الداخل إلى قبيلة مغراوة للدخول تحت راية الأندلس، وبمناسبة هذه البيعة تم تشييد المكان. ومن هنا، بدأ التفكير في إطلاق حملة لاستعادة تاريخ المكان.
‎300 شاب يشاركون في أكبر حملة لتنظيف قصبة وهران التاريخية مطالبين بتصنيفها معلمًا أثريًا

‎300 شاب يشاركون في أكبر حملة لتنظيف قصبة وهران التاريخية مطالبين بتصنيفها معلمًا أثريًا

بعد مدة، تكونت مجموعة قوامها خمسة شبان جامعيين، وعدوا أنفسهم بالبحث في تاريخ المواقع الأثرية في وهران، ومحاولة إظهارها للعالم، وإطلاق عديد المبادرات بشأنها، أسموها “أرسام وهران”.
 
وبدأت هذه المجموعة في البحث في تاريخ المدينة بصفة عامة، وكثفت جهودها البحثية، كما عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء ونفض الغبار عن قصبة وهران الأندلسية تحديدًا، التي كانت في السنوات القليلة الماضية مجهولة لدى الكثير من سكان وهران.
بدأت الحملة بسلسلة مشاهد مصورة، وفيديوهات تعريفية وإرشادية حول المعلم، وكتابة لافتات مطالبة السلطات الوصية ووزارة الثقافة بالالتفات لهذه المعالم الأثرية المنسية، بعد أن فقدت الكثير من معالمها حين سكنتها الكثير من العائلات المعوزة.
‎300 شاب يشاركون في أكبر حملة لتنظيف قصبة وهران التاريخية مطالبين بتصنيفها معلمًا أثريًا

يعود بناء قصبة وهران إلى 902 ميلادية

 

فقد قامت هذه العائلات المعودة ببناء أكواخ قصديرية فوضوية في المكان، وقد تم لاحقًا ترحيلهم وإسكانهم سنة 2013.
تواصلت جهود مجموعة “أرسام وهران”، إذ قاموا بشراكة مع شبكة البيئة والمواطنة المعروفة بأعضائها النشطين، هذه الشراكة نتجت عنها الدعوة لأكبر عملية تنظيف في تاريخ قصبة وهران.
عمل الشباب لعدة أيام في التحضير لهذه الحملة، إذ أسسوا لخارطة عمل معينة، فعملوا على تحضير التصاريح الرسمية من مديرية الثقافة بوهران، والتسويق للمبادرة إعلاميًا وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، محددين يوم الجمعة زمن الانطلاق.
 
لقيت هذه النداءات أصداء واسعة، إذ أحصت هذه الحملة مشاركة أكثر من 300 شخص قدموا من مختلف مناطق وهران.
 
ولم يقتصر الحضور على الشباب المتطوع، بل شمل فنانين وكوميديين من أبناء المدينة، من بينهم تشيكو بوحسون، والأستاذ شلابي رشيد والفنان القدير بن شراب عمر.
‎300 شاب يشاركون في أكبر حملة لتنظيف قصبة وهران التاريخية مطالبين بتصنيفها معلمًا أثريًا

متطوعون من كل الأعمار وفنانون من وهران شاركوا في الحملة

وقال عمر، وهو أحد الكهول المشاركين في المبادرة، لمراسل “تطبيق خبّر” إن “هذه الحملة هي بداية جيدة للاهتمام بتاريخ المنطقة والمعالم الأثرية، حيث تمثل القصبة قلب وهران، ولو لم يقم الشباب بهذا النوع من الأعمال فلن يتم الاهتمام بها أبدا”.
 
أما رشيد، وهو أحد المشاركين، فقال “إن البنايات العشوائية شوهت المكان لكنهم عازمون على إخراجه بمظهره التاريخي الجميل”.
يهدف الشباب من خلال هذه الحملة إلى لفت الأنظار لهذا الصرح التاريخي وتسليط الضوء على هكذا معالم، مطالبين السلطات الوصية بتصنيفه، ومن ثم ترميمه ومنحه الحماية والحقوق التي تحظى بها المعالم التاريخية، ما يمكنه أن يصبح رمزًا من رموز المدينة وقلعة سياحية بامتياز.
 
عاصرت قصبة وهران العديد من الحضارات والحقب التاريخية، أهمها المرينية والزيانية والأندلسية وحتى الاحتلال الاسباني والفرنسي.
وتمتد “كاستيو فييخو”، كما لقبها الإسبان، من حي رأس العين إلى أعالي جبل مرجاجو، ومن أرض سيدي علي إلى ما يعرف بالقصبة العثمانية.