عاد باعة الكتب القديمة والمستعملة إلى نصب طاولاتهم أمام ساحة البريد المركزي بالجزائر العاصمة بعدما تعذر عليهم ذلك طيلة الأشهر الأولى لانتشار وباء كورونا المستجد.
 

وفيما يحاول هؤلاء استرداد زبائنهم، يجد بعضهم صعوبة في مواصلة هذه المهنة التي استمر بها لأكثر من عشرين سنة بسبب العزوف عن الكتاب وظروف المهنة.

 


ساحة البريد المركزي التي تتوسط مدينة الجزائر، واحدة من أهم مراكز بيع الكتب القديمة والمستعملة في الجزائر، إذ أنها تعتبر ممراً للكثير من العابرين أو العمال الذين يعملون في الأنحاء.
 
كما أن قربها من الجامعة المركزية يجعلها مقصد الكثير من الطلبة الذي يجدون ضالتهم في كتب قديمة ونادرة باللغتين العربية والفرنسية، وبأسعار منخفضة لا تجد لها نظيراً في المكتبات.
رضا هو واحد من أقدم تجار الكتب القديمة في ساحة البريد المركزي، إذ يضع طاولته هناك منذ أكثر من عشرين سنة.
‎باعة الكتب القديمة يعودون إلى ساحة البريد المركزي على استحياء

‎باعة الكتب القديمة يعودون إلى ساحة البريد المركزي على استحياء

صرّح رضا لمراسل “تطبيق خبّر” الميداني في الجزائر، عبد المؤمن لعرابي، أنه بدأ هذه المهنة سنة 2000، حين بدأ في عرض بعض كتبه القديمة في ذات الساحة على قطعة قماشية، ليبيعها ويشتري بثمنها كتبا جديد.
 
أضاف أنه حينها تقدمت إليه سيدة وقدمت إليه بعض كتبها القديمة ليبيعها، وتواصلت العملية مع عدة أشخاص حتى أصبح يملك مجموعة كبيرة من الكتب القديمة التي أراد مالكوها بيعها أو التصدق بها.
 
أوضح رضا أنه في تلك الفترة كانت الكتب نادرة عكس ما هو الحال عليه الآن، بالإضافة إلى أن العناوين التي تأتيهم أغلبها قديمة ونادرة، وغير متوفرة في المكتبات.
يقف أمام ساحة البريد المركزي 13 بائعاً يضعون الكتب على طاولات خشبية، تمتد خبرتهم إلى عشرين سنة خلت.
يقتني هؤلاء الباعة كتبهم من المكتبات القديمة التي تؤثر بيع كتبها جزافاً، مثل مكتبات الكنائس والمراكز الثقافية الأجنبية، ومن يرثون عن آبائهم مجموعات كبيرة من الكتب القديمة، إذ لا توجد أماكن أخرى لبيع الكتب القديمة، يقول أحد الباعة.
يمثل هؤلاء الباعة حلقة وصل بين زبائن الكتب القديمة والمنخفضة التكلفة وبين من يريدون التخلص من كتب قرأوها أو مكتبات قديمة.
‎باعة الكتب القديمة يعودون إلى ساحة البريد المركزي على استحياء

يمكن أن تجد كل أنواع الكتب بأسعار بخسة

وبعد سنوات من العمل بدون تصريح ومطاردات من قبل الشرطة، تحصّل رضا وأصدقاؤه الباعة على تصاريح رسمية من قبل بلدية الجزائر الوسطى لوضع طاولاتهم.
يهدف رضا وزملاؤه إلى خلق جو من الألفة والثقة في هذه الساحة وإعطاء قيمة للكتاب الورقي في وقت اكتسحت فيه التكنولوجيا الحياة الثقافية، بينما يقيم الكثير من القراء القدامى من أجيال السبعينات والثمانينات علاقة قوية مع الكتب القديمة.
 
وقد يستمر النقاش مع الباعة حول كتاب معين من قبل المسنين وأساتذة الجامعات لساعات، حسب ما صرح به لمراسل تطبيق خبّر.
تجد في طاولة عمي خالد كتباً عن معركة بريطانيا باللغة الفرنسية، ورياض الصالحين، وكتاب خريف الغضب لمحمد حسنين هيكل وغيرها من الكتب والروايات بأسعار منخفضة، إذ أن أغلاها لا يتجاوز 4 دولارات.
معظم زبائنهم من كبار السن وطلبة الجامعة المركزية الذين يقتنون الكتب رخيصة الثمن، بالإضافة إلى عابري السبيل وبعض العمال الذين يعملون في الجوار.
 وفي زيارتنا لهذه الطاولات، سألنا بعض الزبائن حول شغفهم بهذا النوع من الكتب.
 
قالت مايا، وهي طالبة جامعية، إنها تقتني الروايات الفرنسية قديمة الطبع لأنها تريد ألا تدع هواتف الاندرويد تنسيها متعة القراءة،.
أما صديقتها ناريمان، فقالت إنها تحاول تحسين لغتها الفرنسية باقتناء هذه الروايات بأقل الأثمان، إذ أنها تدرس في السنة الجامعية الأولى ضمن تخصص اللغة الفرنسية.
تأثر هؤلاء الباعة بسبب أزمة كورونا حسب ما صرّح به عمي خالد (وهو ما يطلق على أحد الباعة) لمراسل “تطبيق خبّر”.
 
‎باعة الكتب القديمة يعودون إلى ساحة البريد المركزي على استحياء

يطالب باعة الكتب القديمة والمستعملة بالسماح لهم بأكشاك تحمي بضاعتهم من التلف وقت المطر

أوضح عمي خالد “أن تسعة أشهر من الغلق جعلت الكثير من القراء يتعودون القراءة الإلكترونية ويعزفون عن المطالعة الحقيقية، بالإضافة إلى الكثير من المشاكل التي تواجه هذا النوع من البيع”.
 
وأضاف عمي خالد أن من بين أبرز مشاكلهم كباعة، أنهم يضعون كتبهم على طاولات معرضة للأمطار والرياح، مشيراً إلى أنهم يطالبون بمنحهم بعض الأكشاك التي يمكنها أن تحفظ كتبهم.
من بين النقاط التي تؤرق هؤلاء الباعة صعوبة إرجاع الكتب إلى البيوت ليلاً، فهم لا يملكون أين يضعون هذه الكتب الكثيرة بالقرب من ساحة البريد المركزي.
 
لذلك يقوم البعض منهم بتحمل عناء إيصالها وجلبها يومياً من وإلى المنزل، في حين يضعها البعض الآخر في المقاهي المجاورة.
وبالرغم من ندرة أماكن بيع الكتب القديمة في العاصمة، فإن هذه التجارة تواجه صعوبات قد تؤدي بها إلى الزوال.