أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (نهاد الجريري )

اتهامات متبادلة بين هيئة تحرير الشام ومقاتلي إدلب بالتخاذل أمام زحف النظام السوري الأخير

عطّون للمقاتلين: نحتاج إلى التوبة من ذنب عدم السمع والطاعة للأمير، والقائد العسكري وحده من يقرر الانسحاب “تحت القصف الشديد”

 

منذ الأسبوع الأخير من ديسمبر الماضي، استحوذ النظام السوري على 45 نقطة بين بلدة وقرية ومزرعة ما يعادل ١٧٪ من مساحة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام؛ دخل جرجناز وبات على أبواب معرة النعمان، ثاني أكبر مدن المحافظة وذات الموقع الاستراتيجي على طريق M5 الواصل بين حلب وحماة. أكثر من ٣٠٠ ألف سوري نزحوا إلى الداخل.

السوريون الذين لم يجدوا بُدّاً من البقاء في مناطق  هيئة تحرير الشام يتهمون الجولاني بأنه “سلّم” هذه المناطق للنظام، وهؤلاء يلقون باللوم على المقاتلين الذين “تراخوا” أمام القصف الروسي.

فما الذي يحدث في إدلب؟  حالة انعدام الثقة التي تحكم العلاقة بين هيئة تحرير الشام والسوريين في إدلب تعمّقت بشكل غير مسبوق.  لم يعد السوريون يثقون بالجولاني ومشروعه “الجهادي الوطني”، أو بقيادته واستراتيجيته العسكرية.  والجولاني يطبق نسخة من حكم النظام السوري بالإمعان في إفقار الناس وملاحقة المعارضين، حتى إن أحد أجهزته الأمنية الشديدة صار يُعرف بالفرع ٧٠٠ على شاكلة فرع المخابرات الجوية.

وأحداث الأيام الأخيرة خير شاهد على هذه العلاقة المتنافرة التي تكشف ظهر أهل إدلب للقصف الروسي وضربات النظام وحتى خطط تركيا.

هتش: التعبئة العامة

دعت هيئة تحرير الشام إلى النفير العام في حملة أسمتها “انفروا خفافاً وثقالاً” بعد أقل من شهرين على حملة مشابهة عنوانها “جاهد بنفسك.”

في ٢٥ ديسمبر الماضي، ألقى الجولاني كلمة مرئية حدد فيها معالم المرحلة المقبلة في إدلب ومحيطها. قال إن القتال الآن مع روسيا وليس النظام الذي “ولّى من غير رجعة،” وإن روسيا تريد إعادة مجد الاتحاد السوفييتي الذي يرتبط في أدبيات الجهاديين بالجهاد الأفغاني لما له من حظوة عندهم على اختلاف مجموعاتهم.

وحمّل الجولاني السوريين في تلك المنطقة عبء أنهم يقاتلون “نيابة عن أمة الإسلام برمتها.” لم يتطرق إلى الامتعاض الشعبي من سوء إدارته وإنما دعا إلى النفير وقال: “إن أسباب النصر والهزيمة تكمن بداخلنا .. من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، وهو قادر على حمل السلاح فلينهض إلى سلاحه ويلتحق بصفوف المجاهدين.”

بعد ثلاثة أيام، في ٢٨ ديسمبر ٢٠١٩، ظهر رئيس المجلس الشرعي في الهيئة، عبدالرحيم عطون بلباسه العسكري وسلاحه يخطب في مقاتلين عن “أسباب النصر والهزيمة،” مستلهماً من خطبة الجولاني. ذراع إعلامية تابعة للهيئة نشرت خطبة عطون على أجزاء.

الفكرة الرئيسة مما قاله عطون هي أن المقاتلين ينسحبون من مواقعهم بلا تنسيق مع القيادة العليا، مرتكبين بذلك واحدة من “الموبقات” أو الخطايا. يقول: “لو كان في القلب من الإيمان وزاد التقوى … لو صبر (المقاتل) على التدريب لما انسحب من المعركة  … إذا قام الأمير تحته (أي الأمير العسكري) : أمير مجموعة أو سرية بتقدير الأمر وحده فقد  عصى وإذا الجندي قدّر لوحده وانسحب من دون مشورة أحد فقد عصى وهذه كبيرة التولي يوم الزحف ولا ينفع معها تأويل؛ لا ينفع أن يقول ‘يوجد قصف شديد’. نعلم (يوجد قصف) ولكن هذه هي المعركة.”

ويضيف عطّون إلى هذا “التراجع” أمام القصف “الشديد” مردّه إلى “التكاسل” في التدشيم والتحصين.

وفي الجزء المعنون “أمراض القلوب”، اعتبر عطون  أن المقاتلين في إدلب اليوم  هم “خط موصول مع صحابة الرسول صلّى الله عليه وسلّم.”

بعد خمسة أيام، في ٢ يناير ٢٠٢٠، أصدر  المجلس الأعلى للإفتاء التابع لوزارة العدل فيما يُسمى حكومة الإنقاذ التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، فتوى رقم (٤)  بعنوان: “فتوى في وجوب النفير العام لدفع صيال الاحتلال الروسي وأحلافه.” وجاء فيه “إن الجهاد كان ولمّا يزل في أرض الشام فرض عين،” داعياً إلى حمل السلاح والتبرع بالأموال.

وفي نفس اليوم، أطلق مجلس الشورى في إدلب حملة “انفروا خفافاً وثقالاً”. رئيس المجلس، د. بسام صهيوني أعلن التعبئة العامة، ودعا الجماعات المقاتلة إلى نبذ خلافاتها “في سبيل الذود عن الأرض والعرض.”

ومن كلام صهيوني مع صحيفة إباء التابعة للهيئة، تظهر مشكلة أخرى في تجنيد المقاتلين وهي عدم الرغبة في القتال مع مجموعات معينة. يقول: “للمنتسب الحرية في اختيار الفصيل الذي يريد … ‘لا نريد القتال مع هذا الفصيل’ هكذا يبرر البعض عدم خروجه أو لحاقه بمثل هذه الحملات.”

معارضو هتش: إدلب لا ينقصها الرجال

على الطرف الآخر، سكان إدلب ومقاتلون يتهمون قيادات هيئة تحرير الشام بإفقار المقاتلين وعدم الجدية في التدشيم.

الصوت الأبرز هنا هو أبو العبد أشداء الذي كان قيادياً في الهيئة قبل أن ينشر شهادته المصورة “حتى لا تغرق السفينة،” ينتقد فيها الفساد المالي بين قيادات الهيئة وعلى رأسهم الجولاني. يقول: “الهيئة بما جمعته من خيرات المحرر (إدلب ومحيطها) والمائة مليون دولار التي وصلتها أول تشكيلها، قد تكون من أغنى الكيانات التي مرّت على تاريخ الحركات الإسلامية منذ قرن من الزمن … وكان الأصل أنه طالما تمّ الاستحواذ على موارد المحرر ومعابره وشرطته وقضائه، أن تتكفل أيضاً بكل احتياجات ثغور المحرر.”

مناصرو أشداء يروون عنه أنه قبل شهرين من بدء الحملة الروسية على حماة في رمضان الماضي، أعلم أبو الفتح الفرغلي، أحد شرعيي الهيئة، حضوراً من بينهم أشداء بأن الحملة قادمة وأن الجبهة هناك ضعيفة. اقترح أشداء تأمين مقاتلين للرباط في  ٢٠ نقطة جديدة على أن تتكفل الهيئة بمصاريفهم والبالغة ٣٠٠٠ دولار لكل نقطة. وينقلون أن الفرغلي فرح بالاقتراح و”نقل ذلك إلى المسؤول” ولكن “المسؤول” رفض دفع المبلغ اللازم. ويضيفون: “جاءت الحملة وسقطت المناطق هناك سريعاً في الجنابرة وتل عثمان وكفرنبودة وقلعة المضيق وما حولها.”

في نفس الوقت، ينقل المناصرون أن رجلاً مثل مظهر الويس، عضو المجلس الأعلى للإفتاء، يتقاضى من وزارة العدل ٤٥٠ دولار شهرياً، وراتباً إضافياً من جهة أخرى يفتي لها مقداره ٥٠٠ دولار شهرياً.  أما المقاتل فيحصل على ٥٠ دولار شهرياً مع سلة إغاثة. ما يضطره إلى الانسحاب أياماً من الشهر للعمل وتأمين رزق عائلته.

مصدر في إدلب يفضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية يقول إن المعارك الأخيرة أوقعت عدداً كبيراً من القتلى والجرحى في صفوف المقاتلين، وأن نسبة كبيرة ممن لم يُصب انضمّ إلى الجبهة الوطنية للتحرير “بسبب قلة الرواتب أولاً وبسبب سياسات الهيئة مع المدنيين ثانياً من خلال الضرائب والأتاوات وقطع الشجر في الأحراش وبيعه حطب، وبسبب مدخول الهيئة من المعابر.”

واضح أن الرغبة في القتال موجودة، لكن قيادة هيئة تحرير الشام تمنع ذلك. يقول معارضو الجولاني على التيلغرام إن الهيئة  تمنع أي فصيل من أي عمل عسكري “حتى الإغارة ممنوعة” إلا بإذن من قيادة الهيئة وأنه “عندما ضغطت الفصائل الإسلامية سُمح لها بعملية نوعية موسعة في الساحل فقط.”

عندما تحدث أشداء عن “فساد” الهيئة، اعتُقل وعُزل وحُكم عليه بالسجن عامين.  احتجاجاً على هذا، انسحب من الهيئة جزء من مقاتلي كتلة حلب المدينة التي أسسها وقادها. مصادر في إدلب قالت إن الجولاني استبدل هؤلاء بمقاتلين “مهاجرين” أغلبهم من الحزب التركستاني.

وواصلت أمنيات الهيئة ملاحقة المعارضين  ومنهم أبو حمزة الكردي، الذي فقد عينه في إحدى المعارك وهو خطيب كان انتقد الفرغلي. ومنهم أبو شعيب طلحة المسير وهو مصري كان شرعياً فُصل بسبب “عدم الالتزام المتكرر بسياسة الجماعة؛” بالإضافة إلى عناد جعبار أبو عمّار، وهو قائد عسكري من كللي الخنساء، دعا قبل أيام إلى “ثورة” ضد الجولاني تفادياً لفرض مزيد من الضرائب حتى “على الهواء الذي نتنفسه.”

إذاً، كيف يوفّق هؤلاء المعارضون بين ما يفعله الجولاني من دعوات النفير وبين ما يعرفونه عنه من سوء الإدارة ومنع القتال؟

الدكتورة علا الشريف، وهي من أبرز معارضي الهيئة في إدلب، تعتبر أن حملات النفير “لا يقصد منها حشد المقاتلين، بل ذر الرماد في العيون وإظهار الهيئة نفسها بمظهر الغيور على الجهاد وتأكيد مزاعمها بأن سقوط المناطق أو تسليمها حدث بسبب نقص المقاتلين. وتضيف: “إدلب لا ينقصها الرجال … فيها ما يكفي من الرجال والسلاح، ولكن الرجال يرسلهم العملاء إلى محارق، ويُحبس عنهم السلاح في المغائر.”

ويضيف آخر على حسابه التليغرام: “فإلى متى سيستمر الجولاني بتدمير الساحة؟”

أقرا ايضا: 

في إدلب، من سيكون التالي من الموالين للظواهري في عمليات الاغتيال المرتبطة بالجولاني؟