أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (غيث حدادين – ترجمات)

في قلب حي فاخر في العاصمة الروسية موسكو يقع مجمع “سيتي اوف كابيتالز” (مدينة العواصم)، وهو ناطحة سحاب تتكون من برجين كانت تعد في السابق الأطول في أوروبا قبل أن تفقد هذا التاج في عام 2012 أمام ناطحة “شراد” في لندن.

ويستأجر تلك المكاتب شركات عدة مثل “دياغو” و”مجموعة المشروبات متعددة الجنسيات” و”مجموعة الأزياء الإيطالية” وأهم البنوك الروسية، وتضم الأبراج المجاورة وزارات حكومية وفنادق خمس نجوم وأثرى رجال الأعمال في روسيا.

إلا أن ما لم يتم الكشف عنه سابقاً بحسب ما ذكر موقع صحيفة “فاينانشال تايمز” هو أن المجمع يضم أيضاً ما لا يقل عن 18 شقة فاخرة اشترتها عائلة ممتدة من رئيس النظام السوري بشار الأسد، لإبقاء عشرات الملايين من الدولارات خارج سوريا مع اندلاع الحرب الأهلية في البلاد.

أفراد "عائلة مخلوف" يشترون ناطحات سحاب في موسكو لتهريب أموالهم خارج سوريا

وقالت الصحيفة إن بعض أفراد عائلة مخلوف قاموا، بما في ذلك العديد من أبناء عمومة الأسد، وبعض أقاربهم، بشراء ما لا يقل عن 20 شقة بقيمة 40 مليون دولار في موسكو على مدى السنوات الست الماضية باستخدام سلسلة معقدة من الشركات والقروض، ما يوضح دور روسيا على أنها حارس نقدي للنظام السوري. كما أنه يكشف الدور الذي لعبه “مدراء أموال الأسد” القائمين على مساعدة النظام في نقل الأموال إلى خارج نطاق العقوبات الغربية.

واوضحت وثائق تسجيل الممتلكات أنه بين عامي 2013 وحزيران (يونيو) من العام الحالي، قامت الأسرة وشركاؤها – الذين يخضع الكثير منهم لعقوبات أوروبية أو أمريكية بسبب دورهم في الصراع السوري – بشراء الشقق الفاخرة في مجمع (سيتي اوف كابيتالز). وفي معظم الحالات استخدموا هيكل قروض يضم شركات لبنانية خارجية تمتلك الآن العقارات رسمياً، وفقًا للوثائق التي حصلت عليها مجموعة “غلوبال ويتنس” لمكافحة الفساد.

وكانت موسكو حليفاً ثابتاً لعائلة الأسد منذ أن بدأ حكمهم منذ ما يقرب من 50 عاماً في أيام الاتحاد السوفيتي. لكن الرئيس فلاديمير بوتين أقام علاقات قوية مع دمشق منذ عام 2015، عندما ألقى الكرملين دعمه العسكري خلف نظام الأسد.

أفراد "عائلة مخلوف" يشترون ناطحات سحاب في موسكو لتهريب أموالهم خارج سوريا

وقبل تدخل روسيا وإيران، فقد الأسد السيطرة على ثلثي البلاد، وبمساعدة حلفائه يسيطر الآن على معظم سوريا مرة أخرى بعد استعادة السيطرة على الأراضي من المعارضة السورية. ولكن بتكلفة باهظة أدى النزاع إلى نزوح أكثر من 12 مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة، وقتل حوالي 500 ألف شخص، وفقاً للمركز السوري لأبحاث السياسات، وذلك على رغم توقف إحصاء الضحايا في عام 2016.

ونقلت الصحيفة عن إيزوبيل كوشيو من “غلوبال ويتنس” قوله: “تعد صفقات العقارات دليلاً نادراً على الطريقة التي ساعدت بها روسيا الأفراد المفروض عليهم عقوبات والذين ساعدوا نظام الأسد القاتل واستفادوا منه، في نقل أصولهم من دمشق والتهرب من الأنظمة الدولية. والسماح لهم باللجوء إلى موسكو والاستمتاع بأنماط الحياة الفاخرة أثناء احتراق سوريا”.

وذكرت الصحيفة أن صفقات العقارات في موسكو تكشف عن إحدى الآليات التي جمعت من خلالها الأسرة الحاكمة في سوريا ثروتها وسعت للحفاظ عليها، على رغم العقوبات المالية من حظر السفر إلى تجميد الأصول والتي فرضت عليها رداً على القمع الوحشي للاحتجاجات منذ حوالي تسع سنوات. كما سلطت هذه الصفقات الضوء أيضاً على دور روسيا كملاذ آمن لأشخاص من النظام وأموالهم.

وقالت مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، لينا الخطيب، لصحيفة “فاينانشيال تايمز”: “لقد ساعدت روسيا منذ البداية نظام الأسد في خرق العقوبات”. وأضافت: “ترى نفسها الآن كضامن للدولة السورية، وبالتالي تفعل كل ما في وسعها، سواء عسكرياً أو سياسياً أو اقتصادياً، للحفاظ على الدولة السورية مع الحفاظ على ولائها لموسكو أيضاً”.

على رغم صغر حجمها إلا أن عمليات الشراء تشير إلى تنامي العلاقات التجارية بين روسيا وسوريا التي نشأت على خلفية تحالفها العسكري. وأصرت روسيا على أن شركاتها ستكون لديها فرصة للاستفادة من الموارد الطبيعية في سوريا، بما في ذلك الفوسفات والنفط والغاز وإعادة البناء في نهاية المطاف. كما باعت سوريا أسلحة بقيمة مليارات الدولارات، بحسب الصحيفة.

وتشير عقارات مخلوف في موسكو إلى أن روسيا تستفيد أيضاً من رغبة نخبة دمشق في وضع ثروتها في الخارج. وأن عمليات الشراء مستمرة حتى بعد إعادة الأسد السيطرة على عدد من المناطق.

وقالت الصحيفة إن من بين 20 شقة تم شراء 13 شقة مباشرة أو من قبل شركات يسيطر عليها حافظ مخلوف، وهو الرئيس السابق لقوة أمنية رئيسية ولاعب رئيسي في حملة 2011 ضد المتظاهرين المسالمين، بينما تم شراء شقتين من قبل الزوجة وشقيقتها – زوجة الأخ الأكبر رامي مخلوف، الذي يعتبر منذ فترة طويلة أقوى رجل أعمال في سوريا. وتم شراء ثلاث عقارات إضافية في ناطحات السحاب في موسكو مباشرة من قبل الأشقاء الثلاثة الآخرين من عائلة مخلوف.

ويتم استخدام ما لا يقل عن أربعة من الممتلكات كأمكنة إقامة للعائلة، بما في ذلك شقة مملوكة بشكل مشترك من قبل الأخوين التوأم إياد وإيهاب مخلوف.

ولم يستجب أي من الأخوة الخمسة من مخلوف أو زوجة رامي أو زوجة أخيهما أو ممثلين عن الشركات الخارجية المشاركة في عمليات الشراء لطلبات تعليق من “فاينانشال تايمز”. كما لم تستجب شركة قانونية مقرها بروكسل والتي مثلت أفراد الأسرة لطلبات التعليق. وقال محام آخر كان يتصرف من قبل لصالح حافظ وإياد مخلوف إنه لم يعد يعمل لصالحهما.

وأشارت “فاينانشال تايمز” إلى أن بعد عائلة الأسد تعد عائلة مخلوف الأكثر نفوذاً في سوريا، وقد عززت مواردهم قوة النظام. وفقا لمديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “تشاتام هاوس”، لينا الخطيب، فإن عائلة مخلوف “لعبت دورا حاسما في الحفاظ على النظام السوري واقفا على قدميه”.

ورامي مخلوف، ابن خال الرئيس الأسد وصديق الطفولة، كان منذ فترة طويلة يصنف برجل الأعمال السوري الأكثر ثراءً جزئياً، من خلال سيطرته على واحدة من أكثر شركات سوريا ربحية، وهي شبكة “سيريتل” للهاتف المحمول، وينظر إليه رجال الأعمال السوريون على أنه “مصرفي عائلة الأسد”.

وعلى رغم أنه لم يحظَ باهتمام كبير، إلا أن ابنيه محمد وعلي تلقوا انتقادات مؤخراً بسبب التباهي بأنماط حياتهم الخاصة عبر الإنترنت.

وفي العام 2008 تم وضع مخلوف الأكبر سناً تحت العقوبات، واتهمته برقيات دبلوماسية مسربة منذ ذلك الوقت باستخدام صلاته لكسب ميزة غير عادلة لأنه جمع إمبراطورية تجارية واسعة، بما في ذلك أكبر شبكة اتصالات محمولة في سوريا. في المقابل، تم تحويل بعض الأموال إلى القصر الرئاسي، وفقًا للدبلوماسيين ورجال الأعمال السوريين والمحللين.

واتهمت العقوبات الغربية العديد من أفراد عائلة مخلوف – بما في ذلك جميع الإخوة الأربعة – ورجال أعمال آخرين، بالعمل كواجهات لأفراد عائلة الأسد.

ويقول محلل سوري في أوروبا طلب عدم الكشف عن هويته: “إنهم جميعاً مديرو صناديق للأسد. يمكنهم كسب أموالهم الخاصة، لكنهم موجودون بسبب الأسد وعليهم رعاية ثروتهم”.

وقالت الصحيفة إن العلاقة بين عائلتي الأسد ومخلوف واقعة تحت الضغط. فمخلوف هم عشيرة بارزة من الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الأسد أيضاً، وكانت تاريخياً أكثر شهرة من الأسد. وزواج بين والد بشار الأسد، حافظ، 2000، وأنيسة مخلوف، شكلت تحالفا استراتيجيا ذكيا.

وكانت أنيسة مخلوف، التي توفيت في عام 2016، هي الركيزة الأساسية بين العائلتين، ويقول الأشخاص الذين لديهم معرفة بالدائرة الداخلية للأسد إن هناك توترات بين العشائر، بحسب ما نقلت الصحيفة.

وأضافت الصحيفة أنه يبدو أن احتكاكات الأسد مخلوف قد اشتدت، وصعد التجار الجدد من خلال اقتصاد الحرب في سوريا لتحدي رامي. وقال رجال الأعمال والمحللون إن النظام أضعف قبضة رامي على شركة “سيريتل” واستولى على مؤسسة “البستان” القوية التي يزعم أنها كانت تستخدم لتمويل الميليشيات الموالية للحكومة فضلاً عن الأنشطة الخيرية.

وأشار المحللون إلى أن عائلة مخلوف قد ترغب في أن تتوقف ثرواتهم خارج سوريا لإبعادها عن أيدي الأسد. إذ أن “لا أحد يشعر بالأمان في دمشق، باستثناء الرئيس”، كما يقول محلل سوري آخر يسافر إلى البلاد بشكل متكرر.

واستمرت عائلة مخلوف في الاستفادة من اقتصاد الحرب في سوريا والسفر إلى روسيا. ولم يخف علي، ابن رامي، قضاء بعض الوقت في موسكو، حيث يظهر أحد مقاطع الفيديو الخاصة به لعام 2018 مجمع برج مدينة موسكو حيث اشترت العائلة العقارات.

لكن ليس كل آل مخلوف يتباهون بثروتهم. ولم يُعرف سوى القليل عن ثروة حافظ مخلوف.

بدا حافظ مخلوف بالظهور عندما برز كضابط صغير في الأجهزة المنية السورية خلال وجود النظام السوري في لبنان، والذي انتهى في العام 2005، كما يقول مسؤول مخابرات سابق من إحدى دول الشرق الوسط.

وبحلول عام 2011، كان الرجل الذي يوصف بأنه له “تأثير شديد” يقدم المشورة للرئيس بشار الأسد ويترأس وحدة أمنية تسمى “الفرع 40”. وتقول مصادر مخابرات في الشرق الأوسط إن حافظ لعب دوراً في الاستجابة الوحشية للاحتجاجات الأولية التي أشعلت الانتفاضة الجماهيرية في جميع أنحاء سوريا.

تم وضعه على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي في عام 2011 لتورطه في “العنف ضد المتظاهرين”. وفي وقت لاحق، تم تجميد حساب مصرفي سويسري لحافظ من قبل السلطات في سويسرا، ما أعاد له حوالي 3 ملايين يورو.

وعلى رغم أنه طُرد من منصبه في عام 2014 ، إلا أن شخصين مطلعين على النظام أخبروا “فاينانشال تايمز” بأن حافظ يعيش الآن بين موسكو ودمشق، ما يشير إلى أنه بعيد عن الطرد. يقول مسؤول الاستخبارات السابق: “لا أحد يتقاعد في سوريا”.

وبدأت استثمارات مخلوف في عام 2013 ، حيث كان سيطرة نظام الأسد على السلطة في هشة، عندما اشترت رزان عثمان، زوجة رامي مخلوف، وشقيقتها نداء شققاً في الطابقين 58 و 53 من مبنى “مدينة العواصم” في موسكو.

وفي مارس 2015، اشترى حافظ شقة في الطابق 60. وفي سبتمبر 2015 ، عندما بدأت الطائرات الروسية في قصف الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، اتبعت شقيقته كيندا حذوها وذلك عبر شراء ممتلكات في الطابق العشرين.

وجاء الجزء الأكبر من المشتريات بعد عام من تدخل موسكو العسكري في سوريا. وفي 16 سبتمبر 2016، قامت ثلاث شركات روسية مسجلة يسيطر عليها حافظ – أرتميس وبيلونا وخيستيا – بشراء 11 شقة أخرى، وتظهر وثائق الشركة، ما يمثل 2112 متر مربع من الممتلكات بين الطابقين 61 و65 من المبنى المؤلف من 73 طابقًا.

وباستخدام الشقق كضمان، تم تقديم القروض للشركات الثلاث من قبل نايل (ش.م.ل)، وهي كيان لبناني يسيطر عليه هيثم عباس وحسن شريف. ولم تتمكن صحيفة “فاينانشال تايمز” من الوصول إليهم للتعليق. وهيثم وحسن هما شقيقان لمحمد عباس وعمار شريف، رجال أعمال سوريون مدرجون في قوائم عقوبات الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة بسبب دعمهم للنظام.

وبعد مرور ثمانية عشر شهراً على عمليات الشراء، انتقلت السيطرة على آرتيميس وبيلونا وخيستيا – والشقق المملوكة لهم – من حافظ إلى بريانا (ش.م.ل)، وهي كيان لبناني آخر له نفس المديرين والعنوان المسجل مثل “نيلام” (ش.م.ل). وبهذه الخطوة نأى حافظ قانونيا عن علاقته بهذه المشتريات.

ومنذ يونيو 2017 ، تم شراء شقتين أخريين من قبل “بيلونا” Bellona و”آرتيميس” Artemis. واشترى إياد – عقاران إضافيان وشقيقه التوأم إيهاب.

والمكتب الذي قام بتسجيل شركتي بريانا ونيلام هو أيضا مكتب محاماة. وقال مساعد في الشركة أن المكتب لم يعد يعمل مع بريانا. ورفض أحد العاملين في المكتب تقديم مزيد من المعلومات حول الشركات أو تقديم طلب تعليق إلى مديريها. كما رفض المراجع القائم في الشركتين في بيروت تقديم معلومات أو تمرير طلبات التعليقات.

وتبلغ قيمة الشقق البالغ عددها 19 شقة في ناطحات السحاب في مدينة موسكو وأماكن وقوف السيارات ذات الصلة التي اشترتها العائلة أو الشركات المرتبطة بها، ما لا يقل عن 40 مليون دولار ، وفقًا لتقديرات مقدمة من أربعة وكلاء عقاريين محليين.

بالإضافة إلى ذلك، في سبتمبر 2015، اشترى حافظ شقة من ثلاث غرف نوم على بعد مسافة قصيرة بالسيارة من ناطحة السحاب في أحد أحياء موسكو المرموقة.

وعندما زارت “فاينانشيال تايمز” هذا العقار، قال موظف في المبنى إن مخلوف كان هناك مؤخراً ولكن “لن يعود قريباً”.

 

للمزيد

ما هو مصير رامي مخلوف وأنشطته في سوريا؟