أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (الإندبندنت)

هي المدينة المنكوبة بكلّ المقاييس.. إنّها الرقة “عروس الفرات” التي تحوّلت إلى مدينة أشباحٍ تربَص الموت بها في زمن الحرب القاتلة. إنّها البشاعة التي لا يمكنُ لأحدٍ وصفها، حينما تشمّ رائحة الجثث في مدينةٍ كانت تنبضُ في الحياة.

بين الركام والدمار، تصلُ إلى الخنادق التي ترى فيها الكثير من الجثث المكدّسة. إنّها المقابر الجماعية التي بات عددها كبيراً في المدينة. هناك، تتعدد الروايات من بلاد الحرب، وآخرها قصة الفريق الذي اكتشف مقبرةً جماعية جديدة بعدَ إنتهاء المعارك في مدينة الرقة.

الجثث كثيرة

ككل مرّة، تبدأ عملية رفع الجثث. يعمدُ حفارو القبور إلى رفع الجسم المغطى برفقٍ من الخندق، تماماً كما فعلوا مئات المرّات من ذي قبل الأمرُ بات مألوفاً، لكنّ الكآبة باتت تسيطر عليهم. ورغم ذلك، فإنّ إدراك أنواع الجثث ولمن تعود، أضحى أمراً سهلاً. يقول مساعد الطب الشرعي عبد عارف الأحمد الذي كانَ واقفاً خلال سحب الجثة من الخندق: “المقاتل يُعرف من ملابسه، وهذه الجثة ليست لمُحارِب”. حتماً، فإنّ الفحص لا يدوم طويلاً. في أقل من دقيقتين، تمكّن الأحمد من تحديد أن المتوفاة كانت امرأة في أواخر العشرينات من عمرها. على الأرجح أحضرت من المستشفى، وسبب الوفاة غير معروف.

في الظروف العادية، يكون استخراج الجثث بداية لإجراء التحقيق وليس نهايته. لكن هنا، في أكبر مقبرة جماعية في الرقة، هناك الكثير من الجثث وقليل من الوقت.

يعتبر الأحمد وفريقه من المسؤولين الأوائل عن جمع رفات الموتى، التي ما زال الكثير منها موجوداً تحت أنقاض المباني المدمرة أو المدفونين في مقابر جماعية.

إن أحمد وفريقه من المستجيبين الأوائل هم المسؤولون عن جمع رفات الموتى ، وكثير منهم لا يزالون مختبئين تحت أنقاض المباني المدمرة أو المدفونين في مقابر جماعية، وقد اكتشف منها 9.

فظائع عاصمة “الخلافة”

في طياتها، تحمل هذه القبور لغزاً كبيراً. إلاّ أن ما بات مؤكداَ هو أنّ كل من دُفنَ هنا في هذه مقبرة البانورما، قُتلَ في معركة الرقة الأخيرة عام التي استمرَّت 4 أشهر وانتهت في تشرين الأول 2017، وقد أدت إلى تحريرها بالكامل من تنظيم “داعش” بعد معارك دامية. يكشف هذا المكان فظائع جديدة من الأيام الأخيرة للمنطقة، حيث تشكلت الخنادق والقبور لمسافات كبيرة.

لقد كشفت صور الأقمار الصناعية أن تنظيم “داعش” الإرهابي بدأ بحفر الخنادق العملاقة في شباط 2017، وقد تم إعداد عدد من المقابر الأخرى بهذه الطريقة. ومع حلول شهر حزيران، أصبحت المدينة محاصرة بالكامل.

يقول الأحمد: “لقد حوصر هؤلاء جميعاً، ومنعوا من الخروج من المدينة. لقد ماتوا تحت القصف، ولم يكن لديهم خيار آخر سوى الموت هنا.

ومع تراكم الخسائر في الأرواح، لم يعد بإمكانهم دفن الموتى في أي مكان. ولذلك، فقد استخدموا أي بقعة أرضية يمكنهم العثور عليها. فعلياً، أصبحت مقبرة البانوراما المكان الرئيسي للدفن في الرقة للمدنييين والمقاتلين على حدّ سواء.

إلى ذلك، فإنّ المسؤولين يقدرون أن تحو 1500 شخصٍ دفنوا هنا، و80% من الجثث التي تمّ سحبها تعود لمدنيين، معظمهم من النساء والأطفال، وحوالى 20% منهم لمقاتلي “داعش”.

المأساة الأكبر.. “أجنّة” مدفونة وقتلى من الأطفال

حتى منتصف النهار، تمكّن فريق الأحمد من سحب 5 جثث من الأرض، وكل واحدة منها تكشف قصة مأساوية أخرى لتلك الأشهر الأخيرة. ويقول: “أخرجنا في وقت سابق 3 أطفال: الأول عمره 6 أشهر، والثاني عمره يومان، والثالث عمره سنتان. جميعهم قتلوا بسبب القصف والإنفجارات”. كذلك، يشير الأحمد إلى أن “فريقا عثر أيضاً على عددٍ من الأجنّة المدفونة في المقبرة، وهناك شكوك في أن تكون هذه الأجنة بسبب حالات الإجهاض التي حصلت بسبب قصف المدينة”. ويضيف: “هذه هي المعاملة التي تعرض لها أهالي الرقة، والتي لم يعانها أي شخص آخر”.

وقدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” عدد القتلى المدنيين خلال معارك “تحرير الرقة” بأكثر من 2323 مدنيًا، بينهم 543 طفلًا، و346 امرأة بالغة، في الفترة بين تشرين الثاني 2016 وتشرين الأول 2017. ووثق التقرير المنشور في كانون الأول من العام الماضي، وقوع 99 مجزرة خلال العمليات، واعتقال ما لا يقل عن 1896 شخصاً، بينهم 33 امرأة و28 طفلًا. وقبل المقبرة هذه، فقد تمّ اكتشاف العديد من المقابر وأبرزها: مقبرة “الجامع العتيق”، والتي تم الانتهاء من سحب الجثث منها، في أيلول الماضي، إضافة إلى مقابر: حديقة الأطفال، الحديقة البيضة، حديقة الجامع القديم، حديقة بناء الجميلي، التاج، السلحبية الغربية، الفخيخة، معمل القرميد، وبعض البيوت المدنية في حي البدو، ومقبرة الرشيد.

مأساةٌ جديدة في الرقة.. مقبرة لأجنة الأطفال تروي أبشع القصص
مأساةٌ جديدة في الرقة.. مقبرة لأجنة الأطفال تروي أبشع القصص

مصدر الصور: ذا إندبندنت

للمزيد:

واشنطن تلاحق شبكة تدعم النظام السوري وحزب الله