أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة – DW

بعد تعرض نساء وفتيات إيزيديات للسبي والاغتصاب والتعذيب على يد "داعش"، تصدى أخصائي نفسي ألماني، ذو أصول إيزيدية، لمهمة علاجهن وإعادة تأهيلهن. من يكون ذلك الرجل؟ وكيف أدى مهمته؟ وما الحمل الذي ينهض به الآن بشمال العراق؟

في نهاية شهر شباط/فبراير من عام 2016 انعقد الاجتماع السنوي لـ"قمة جنيف الثامنة لحقوق الإنسان والديمقراطية". حضر القمة ائتلاف يضم أكثر من عشرين منظمة غير حكومية دولية. وتنعقد القمة سنوياً عشية الجلسة السنوية الرئيسية لـ"مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة". من ضمن برنامج القمة تسلم البروفيسور جان إلهان كيزلهان مع النائبة العراقية الإيزيدية، فيان الدخيل، "جائزة حقوق المرأة". استحق كيزلهان الجائزة لدوره البارز والكبير في إنقاذ ومعالجة ضحايا تنظيم "داعش" من الإيزيديات وغيرهن في سوريا والعراق.

مشوار علمي حافل
لم يكن التكريم ذلك الوحيد الذي حظي به كيزلهان؛ ففي نفس العام قلده رئيس وزراء ولاية بادن-فورتمبيرغ، فيلفرد كريتشمن، "وسام الاستحقاق"، وهو أعلى وسام تمنحه الولاية. كما كرمته "اللجنة اليهودية الأمريكية"، والتي تصنفها صحيفة نيويورك تايمز على أنها عميدة المنظمات اليهودية في أمريكا، بجائزة نظراً لشجاعته في الدفاع عن الديمقراطية وانخراطه بدعم ضحايا "داعش" من الإيزيديين.

رأى جان إلهان كيزلهان النور في عام 1966 في عائلة إيزيدية-كردية في تركيا. وهاجر عام 1973 مع عائلته إلى ألمانيا. درس كيزلهان "علم النفس والاستشراق وعلم الاجتماع" في جامعة بوخوم وفي جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الأمريكية.

وحصل عام 1999 على شهادة الدكتوراه في علم النفس. ومن ثم حصل على دكتوراه ثانية عام 2014 في "الدراسات الإيرانية الحديثة والدراسات الإسلامية". درّس في العديد من الجامعات الألمانية ويترأس منذ سنوات قسم "العمل الاجتماعي للمرضى النفسيين والمدمنين" في جامعة Duale Hochschule Baden-Württemberg.

إقرأ:  منظمة الصحة العالمية: حالة إنتحار كل 40 ثانية في العالم

قدم كيزلهان استشاراته للعديد من المعاهد والمنظمات وأجرى الكثير من الأبحاث الميدانية. كما نشر العشرات من الكتب والدراسات في مواضيع العلاج النفسي العابر للثقافات، وعلم الصدمة النفسية، واضطرابات ما بعد الصدمة، والاكتئاب، وأمراض الإدمان والاندماج والاضطرابات النفسية وإعادة التأهيل النفسي لضحايا الحروب وتأثيرات الهجرة النفسية وعلم النفس الاجتماعي والأنثروبولوجيا وغيرها من الميادين. وتركزت أبحاثه على المهاجرين في ألمانيا كالإيزيديين والأكراد والمسلمين. كما ألف العديد من الأبحاث والمنشورات السياسية التي تتناول تركيا والشرق الأوسط والأكراد.

معالجة الغريب…والقريب
تلقى كيزلهان في خريف عام 2014 اتصالاً من حكومة ولاية بادن-فورتمبورغ التي عرضت عليه الإشراف على "برنامج خاص لجلب محتاجي الحماية من الأطفال والنساء من شمال العراق". وعن مبررات اختياره بعينه يقول كيزلهان في تصريح خاص بـ"مهاجر نيوز": "سبق لي وعلى مدار عشرين سنة وعالجت ضحايا حروب ونزاعات من راوندا والبلقان وباكستان والشيشان ونيجيريا وإيران وسوريا وأفغانستان وأنغولا وغيرها".

استقبلت الولاية بموجب البرنامج 1100 ضحية من ضحايا "داعش" من الذين يعانون من صدمات نفسية بالغة، أغلبهم نساء وأطفال منتمين إلى أقلية الإيزيديين الدينية. واضطلع كيزلهان بدور كبير في البرنامج واختيار من يستحق الإحضار إلى ألمانيا. وقد سمح له إتقانه للغة الكردية بلهجتها الكرمانجية التواصل مع الضحايا.

"نتائج طيبة تحتاج متابعة"

وعن النتائج المتحققة يقول كيزلهان: "بعد سنتين بدأت النساء بالاستقرار والأطفال بالذهاب للمدارس. وأنهت الكثير منهن تعليم اللغة الألمانية ويبحثن الآن عن عمل أو فرصة للتدريب المهني. غير أنهن ما زلن تحت تأثير الصدمة ويجب الاستمرار بمعالجتهن. المتقدمات منهن بالسن يعانين من الصدمة أكثر من غيرهن ومن شعور بالعار اثر اغتصابهن".

وتشير إحصائية للمديرية العامة لشؤون الإيزيديين في وزارة أوقاف إقليم كردستان العراق إن 3325 إيزيدياً مازالوا مختطفين بيد تنظيم "داعش" وتم تحرير3092 شخصاً حتى الآن. واعتبرت منظمة الأمم المتحدة أن جرائم "داعش" بحق الإيزيديين ترقى لتكون إبادة جماعية.

تعرضت الفتيات الهاربات من نير "داعش" للنكران والعزل من مجتمعهن، حتى أصدر بابا شيخ، وهو أعلى قائد ديني إيزيدي، "أمر ديني" مرحبا بالهاربات: "إن هؤلاء الناجيات ما زلن إيزيديات طاهرات، ولا يجوز لأحد الطعن في إيمانهن بسبب تعرضهن لأمر خارج عن سيطرتهن.. ومن ثم فإننا ندعو الجميع إلى التعاون مع هؤلاء الضحايا ودعمهن حتى يستأنفن حياتهن الطبيعية ويعاودن الاندماج في المجتمع". وقد لعب كيزلهان دوراً في حث "بابا شيخ" على إصدار ذلك"الأمر الديني".

"عمل في سبيل السلام"

وتقول وزيرة الشؤون العلمية المحلية بولاية بادن-فورتمبورغ الألمانية، تيريزيا باور، إن الرعاية النفسية للأشخاص الذين يعانون من صدمات نفسية تندرج ضمن سبل مكافحة أسباب اللجوء. وذكرت باور أن التبادل العلمي مع المعالجين النفسيين المستقبليين في العراق سيفيد متخصصين في ألمانيا أيضاً، موضحة أن الجانب الألماني بحاجة إلى فهم ثقافي أفضل لمعالجة اللاجئين المصدومين نفسياً بصورة مناسبة.

والجدير ذكره أنه هناك حاجة ماسة في العراق لدعم على يد متخصصين في العلاج النفسي، حيث يوجد في مدينة دهوك وحدها 24 مخيماً للاجئين، بالإضافة إلى ثلاثة آخرين تحت الإنشاء. ويعيش في تلك المخيمات نحو نصف مليون شخص. وعن الهدف النهائي لإنشاء المعهد يرى كيزلهان أن "إعادة الاستقرار النفسي للإنسان في هذا الجزء من العالم هو جزء مهم من عمل المجتمع المدني والتربية القائمة على التسامح. والعلاج النفسي هو بالضرورة عمل في سبيل السلام".

إقرأ أيضا: اكتشف "السموم البيضاء" التي نستهلكها يوميا