أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (راغب شحادة)

 “من لم يمت “بالقصف” مات بغيره، تعددت الأسباب والموت واحد” هذا هو حال الطفولة في سوريا التي قاربت سنواتها العجاف أن تصير7، وطيلة هذه المدة لم يخلو المشهد الملتهب هناك، من صور لضحايا ليس لهم غاية سوى أن يفرحوا باستقبال صبيحة العيد، ليلبسوا ثيابهم التي خبأوها تحت وسائدهم، أن يلعبوا بأرجوحة لربما لا تتسع لهم جميعا، ولربما لا هذا ولا ذاك، المهم فقط أن يقال لهم، إن يوم الغد هو عيد، حينها تزدان قلوبهم بشرائط حمراء وقناديل ملونة، وترتسم على وجوههم ألوان الفرح، وابتسامات لا يطفئها ليل الانتظار.

وهاهم الآن ما بين غريق على شواطئ الرهبة والنزوح، أو حريق لفحت وجهه الغض نيران القنابل، أو مستلب بين أيدي جلادين تمرسوا قتل الحياة.

هذا ليس تنبؤًا بما يمكن أن يحدث لعالم البراءة في زمن الجريمة، هذه هي الحقيقة على أرض مزقها صراع لم يكن للطفولة ناقة فيه ولاجمل.

إقرأ أيضا:
بعد 3 سنوات على ضرب الغوطة بالكيماوي.. الأطفال الناجون..مشوهون

أهالي الغوطة يروون قصصهم في ذكرى مجزرة الكيماوي

فدماء حمزة الخطيب لمّا تجف بعد، وما زالت ملامح وجهه ترتسم على جدران المعتقل الرطب المظلم، ففي ال29 من أبريل / نيسان 2011 اعتقل “الطفل” ذو ال13 عاماً، على حاجز قرب مساكن صيدا في حوران إبان خروجه مع أهالي بلدته “الجيزة” في مظاهرة لفك الحصار عن مدينة درعا، وبعد مدة قاربت الأسبوعين قضاها تحت التعذيب، قام أمن النظام بتسليم جثته إلى ذويه، وقد بدت آثار التنكيل الوحشي على جسده، ليكون بذلك الأول في باكورة الشهداء من الأطفال الذين قضوا على طريق التحرر من نظام القمع.

تلاه كثيرون ولعل أبرزهم ممن أجبروا على خوض المجهول الطفل “إيلان” ذي الـ3 أعوام والذي هزت صورته ضمير الإنسانية، بعد أن خرج برفقة أبيه على متن قارب صغير هربا من جحيم الحرب في بلدهم سورية، لتنتهي به الرحلة غريقا في الثاني من سبتمبر / أيلول 2015 أمام السواحل التركية، وما زال برود جسد إيلان ينغص على البحر لياليه رغم شدة قسوته.

 ثالثهم عمران ذو الأعوام الخمسة، والذي نجا من موت الجسد كي يتلقفه موت الروح، بعد أن انتُشل من تحت ركام منزله المهدم في حلب قبل بضعة أيام، أطفال يلخصون حجم المأساة بالصور، وأقرانهم الذين يشاركونهم هذا الجحيم يعدّون ساعات الحياة، بدل أن يعدوا نجوم أمسية تعد بغد أجمل، أصبح أحدهم يتحدث بمنطق يكسوه الشيب، فيعرف تقلّب أسعار” المحروقات”، وأي جبهة هي الأكثر اشتعالاً، كم من الشهداء ارتقى وكم من البيوت هوى، وكم صفحة من تاريح وطنه ضاع.

فبحسب إحصائية صادرة عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن مالايقل عن 21 ألف طفل في سوريا قتلوا، 19 ألف منهم على يد قوات النظام، والنسبة الباقية توزعت بتفاوت ما بين المليشيات والتنظيمات الإرهابية، إضافة الى قوات التحالف الدولي.

إقرأ كذلك: أهالي الغوطة يروون قصصهم في ذكرى مجزرة الكيماوي

مأساة من العصي وصفها، وإحصاء ضحاياها، فالطفولة في سوريا تراوح بين شتى صنوف العذاب، ما بين قتل عمد، أو ناتج عن قصف عشوائي لا يميز بين المدنيين وسواهم، أو إعاقة وفقدان للأطراف، المرض كذلك، نقص الغذاء والدواء، فقدان المأوى، والتسرب من المدارس أو تعطل العملية التعليمية بسبب انعدام الأمن، جميعها عوامل تعد بالمزيد من الضحايا الأطفال، الذين بلغت نسبتهم الثلث في عديد من دفعوا ثمن تمترس النظام، والحرب التي شنها الأسد على شعبه للبقاء في سدة الحكم.

فما هو الفصل الأخير في هذه الرواية السوداوية، ما لونه، ما طبيعته، ماذا بعد، فكلما طوى الزمن والنسيان صفحة منها، نُكئ الجرح وتجدَد النزف في الصفحة التي تليها، ولكن على هيئة أكثر دموية وأشد تنكيلا، وطالت ظلمة الحال التي لا تخشى على أعين أطفال سورية من العمى، أو تشفق عليهم من الوحشة التي نهشت أمنياتهم بكسرة فرح أو فسحة كرامة بين البشر.