أخبار الآن | دير الزور – سوريا (ياسمين مراد)

لدرجة كبيرة وصل اليأس إلى قلب الطفلة سجى ذات الأعوام العشر، حتى قالت بعفوية وبراءة الأطفال "خذوا عيني و أعيدوا لنا الكهرباء". ربما لا تعلم سجى أن النتيجة ستكون ذاتها بغياب البصر من عينيها أو الكهرباء معاً ولاسيما ليلاً، فمرض "العشى الليلي" الذي أصاب شقيقها والعشرات من أبناء دير الزور المحاصرة من النظام وتنظيم داعش معاً، بات يهددها كما المئات من أبناء مدينة دير الزور بالتغلغل إلى حدقات أعينهم. 

أبناء حيي الجورة والقصور في دير الزور اللذان يسيطر عليهما النظام والمحاصرون من تنظيم داعش، ينقصهم الغذاء الكافي لمكافحة هذا المرض والحد من انتشاره، وهو الذي يسببه نقص "الفيتامين A " الذي يتواجد في الخضروات والسمك والغذائيات التي تحتوي على مادة "الكاروتين" . 

ويحاصر داعش هذين الحيين مانعاً عنهما دخول المواد الغذائية والتموينية وحتى المساعدات ما سبب انتشار هذا المرض بشكل كبير، كل ذلك بالإضافة لغياب الدواء والرعاية الصحية وانقطاع شبه تام للكهرباء والمياه عن هذين الحيين منذ حصار داعش لهما حتى باتا بحكم المنكوبين.

أم محمد التي أصابها المرض أيضاً قالت بحرقة: "مالنا بعيوننا إذا كنا لا نرى فيها"، وتابعت حديثها بطريقتها البسيطة كما أغلب أبناء المنطقة الشرقية من سوريا : أنهض ليلاً لأبحث عن طريقي كعمياء لقضاء الحاجة، أتعثر دائما فلا ضوء كهرباء يرشدني إلى طريقي، وما تبقى من بصر في عيني ذهب به ذلك المرض الذي لم نكن نعرفه من قبل. 

وأضافت ساخرة من الحال التي وصلت إليه : جيد أنني لست مضطرة للبحث عن حذائي البلاستيكي وسط الظلمة، فقد أحرقته تحت الموقدة التي بت أطهو عليها الطعام، فلا وقود ولا غاز ولا حطب لدينا لنعد ما تيسر لنا من طعام، ولا حتى أحتاج للبحث عن صنبور المياه فالماء مقطوعة أيضاً منذ بدأ الحصار.

حال أهالي حيي الجورة والقصور تلخصه كلمات سجى وأم محمد المقتضبة، فلا غذاء ولا دواء ولا ماء ولا كهرباء ولا حتى وقود، يغيب كل شيء عن الحيين بسبب حصار داعش؛ والشيء الوحيد الذي يقدمه التنظيم لهم، هو رشقات من قذائف الهاون بين الفينة والأخرى، ما يزيد من ضحاياهم ويعمق من جراحهم.

ويساعد نظام الأسد، تنظيم داعش، في الإمعان بحصار أهالي الحيين، فالمساعدات الإنسانية التي تصل دير الزور جواً والمقدمة من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، تتسلمها "منظمة الهلال الأحمر"، وتتحكم بتوزيعها قوات النظام التي تحرم الأهالي منها، حيث تقوم بتوزيعها على القطعات العسكرية وعناصرها الموالية أو ما يعرفون بـ "الشبيحة"، وتبيع ما تبقى منها في الأسواق السوداء.

الجدير بالذكر أن حيي الجورة والقصور في دير الزور يخضعان لحصار التنظيم منذ بداية العام 2015 حيث تمنع قوات النظام خروج الأهالي منهما، فيما يمنع التنظيم وصول المساعدت إليهما، ويبقى الخاسر الوحيد في تلك المعادلة هم الأهالي الذين أضناهم المرض والجوع في بلد أطعمت خيرات أراضيها ومراعيها أغلب المحافظات السورية.

يشار إلى أنه قبل نحو عام ونصف، أقدم داعش على قطع التيار الكهربائي عن مطار دير الزور العسكري وحي هرابش، الخاضعين للنظام، لمدة خمسة أيام. ويأخذ المطار والحيّ تغذيتهما من حقل التيم للكهرباء ومحطة العمران اللذين يسيطر عليهما التنظيم". فرد النظام بقصف محطة كهرباء الدوير في ريف البوكمال، ما تسبب بقطع الكهرباء عن البوكمال والميادين. ثم قطع التنظيم الكهرباء من حقل التيم عن محطتي الإذاعة والقصور فانقطعت الكهرباء عن مناطق سيطرة النظام. ليبادر الأخير بعدها إلى قطع الكهرباء التي تصل إلى محافظة دير الزور عن طريق خط التوتر 400 من محطة جندر في حمص والمحطات التي تغذي الخط. وبذلك، لم يعد التيار الكهربائي يصل إلى أيّ مكان في محافظة دير الزور بمدينتها وريفها.