أخبار الآن | حمص – سوريا – (مالك أبو خير)

حاول أخوها كثيراً أن يمنعها من الذهاب إلى المدرسة خوفاً عليها من القذائف التي كانت تنهال على أغلب مناطق البلدة، فقد كان الحصار في بدايته على مدينة "القصير" السورية التابعة لحمص حيث بدأت المظاهرات تنطلق بقوة، إلا أنها كانت تخاطر بنفسها كل يوم للذهاب إلى المدرسة.

كانت معروفة في قريتها بأنها أم حقيقة لأغلب الأطفال الذين تعلمهم، كان واضحاً تعلق الأطفال ومحبتهم لها، إلا أن المدرسة أغلقت أبوابها مع اشتداد القصف واضطر الكثير من الأطفال للجلوس في منازلهم والتوقف عن التعليم.

لكن "نهاد" لم تستسلم للوضع، وبدأت تبحث عن مكان آمن بعيد عن مناطق القصف تستطيع تعليم الأطفال من خلاله، وبدأت مشوار بحث طويل، إلى أن استطاعت عبر أحد الأهالي الذي قدم لها منزلاً متواضعاً بعيداً نوعا ما عن القصف.

وعندما وجدت المكان عملت لوحدها طويلاً ليصبح جاهزاً لاستقبال الأطفال حيث جهزت المقاعد واللوح حتى أنها خصصت أحد الغرف الداخلية في المنزل كمكان يلعب به الأطفال في أوقات الراحة.

حاول أقرباؤها كثيراً منعها من الاستمرار في هذا المشروع، فالمكان الجديد بعيد عن منزلها حوالي 2 كم متر تقطعها كل يوم تحت القذائف التي قد تتسب في مقتلها، إلا أنها كانت ترفض وتخاطر كل يوم بحياتها في سبيل تأمين المكان ليصبح جاهزاً لتعليم الأطفال بأقرب وقت.

كانت والدتها أكثر من يحاول منعها في البداية بعد أن فقدت ابنها الأول، وبدأ القلق ينتابها من فقدان ابنتها ايضاً، وكانت كل يوم تحاول منعها إلا أن نهاد كانت تصر على إكمال مشروعها ولو أدى ذلك لمقتلها وكانت تقول دوماً: "لن يبقى الأطفال بلا تعليم".

وبأقل من شهر واحد أصبح المكان جاهزاً وبدأت تستقبل الطلاب وباشرت في تقديم التعليم لهم، لم يأتِ في البداية سوى خمسة أطفال فقط، لكن خلال أسابيع وصل عدد طلابها إلى 40 طالباً، قدمت لهم كل ما تستطيع من جهد وعمل وكانت في بعض الأوقات تقوم بإعداد الطعام لهم عندما يكون القصف كثيفاً في المدينة ولا تسمح لهم بالخروج حتى تتأكد أن الطريق آمن لهم للعودة إلى منازلهم.

أواخر كانون الثاني عام 2013 اختلط الفرح والحزن معاً، فمع إشراق شمس نهار جديد وقدوم نهاد إلى المدرسة محملةً بالهدايا والألعاب إلى المدرسة أملاً منها بزرع الفرحة بين الأطفال الذين يعانون من أجواء الحرب والقصف سقطت قذيفة بجانبها على الطريق أدت إلى مقتلها على الفور وبقيت جثتها على الطريق وحولها الألعاب حتى وصل إليها السكان وقاموا بدفنها، وتوقفت إثر هذه الحادثة آخر مدرسة عن العمل في منطقتها مع استشهادها.

طوال أسابيع عملت "نهاد" بجهد تطوعي ودون أي مقابل مادي، كان هدفها فقط تقديم التعليم للأطفال وعدم بقائهم دون تعليم.

لا زال الطلاب الذين هاجروا إلى دول الجوار أو إلى أوروبا يتذكرون نهاد المصري، بل لا زال أغلب سكان مدينة القصير يتذكرونها ومنهم من يبكي حين يتحدث عنها.

نهاد المصري معلمة سورية رحلت بصمت دون أي ضجيج، لكنها تركت خلفها جيلاً من الأطفال يتحدث عنها وعن جمال أخلاقها وإخلاصها.