أخبار الآن | الرقة – سوريا (قيس الأحمد)
رغم كثرة القصص التي تروى عن مدينة الرقة الواقعة تحت حكم داعش إلا أن هناك المزيد منها لم يذكر بعد. إما بسبب الخوف أو لعدم قدرة الأهالي من الخروج منها بسبب القرار الذي سنّه داعش ألا وهو منعهم من مغادرة المدينة، لاتخاذهم دروعا بشرية كما ذكر معظم المدنيين هناك.
"أم حسين" سيدة من الرقة أصيبت بأزمة قلبية حادة، اضطرتها للسفر للخضوع لعمل جراحي غير ممكن إجراؤه في الرقة، وذلك لعدم توافر المستلزمات الطبية والأجهزة إضافة لقلة الكوادر وخروج معظم المشافي عن الخدمة.
السيدة "أم حسين" أرادت أن تروي لأخبار الآن جزءا من معاناة سكان هذه المدينة اليومية فقالت: "أبلغ من العمر 73 عام، ولم يبق لي في هذه الدنيا أيام أكثر من التي مضت، لكن الحياة هبه من الله أمرنا أن نحافظ عليها، وأنا امرأة مؤمنة لذلك استجبت لرغبة أبنائي في تلقي العلاج وإجراء العمل الجراحي".
وتتابع: بكرم من الله لدي سبعة أبناء ذكور وإناث .جميعهم متزوجون ولديهم عائلات ولكل منهم ظرفه الخاص. البعض مطلوب لداعش بتهمة الحراك ضده مما اضطره للسفر خارج البلاد والآخر مطلوب للنظام بسبب مشاركته بالثورة ضد الطاغية، فلا يستطيع الوصول للمناطق الخاضعة لسيطرته، ولم يبق لي سوى فتاة واحدة وزوجها، حسما أمورهم لمرافقتي في رحلة العلاج.
بداية كنا بحاجة لإذن سفر حتى نستطيع مغادرة "أراضي الولاية" كما يسمونها، ولكن الأمر لم يكن بهذه السهولة. حيث فوجئنا بعدم قدرتي على اصطحاب أكثر من مرافق رغم شرحنا لوضعي الصحي وإثبات حالتي الحرجة، إلا أن أصحاب القرار لم يستعطفهم مرضي وقلة حيلتي .فاضطررت للاختيار بين ابنتي التي هي أدرى بتعاملها معي ومراعاة صحتي وزوجها الرجل القادر على تحمل مشاق الطريق وتدبّر أمور المشافي والأطباء. فاخترته لمرافقتي متوكلة على الله، تاركة سبعة أبناء منحتهم صحتي وعافيتي وادخرتهم للزمن، إلا أن داعش والنظام حرموهم من ردّ هذا الدين لي في أواخر عمري.
تكمل "أم حسين" قصتها ودموعها لا تتوقف أثناء سردها فتقول: "بداية كان علي التوجه لمدينة القامشلي، بسبب انقطاع الطرق المؤدية لدمشق، وهناك كنا بحاجة لكفيل حتى نستطيع دخول المدينة.
لم نترك باباً إلا وطرقناه ليكفلنا، وبقينا على هذه الحال ثلاثة أيام حتى هيّأ لنا الله عائلة استقبلتنا. بعد ذلك توجهنا لدمشق متحملين الكثير من الأعباء الجسدية والمادية.
هناك كانت المشافي والأطباء أشبه بالتجار، فلكل واحد منهم تسعيرته التي ربطها بالدولار. فتكلفة العمل الجراحي اليوم تختلف عن السابق وستختلف عن الغد نظرا لارتفاع الدولار. بقينا خمسة أيام نحاول أخذ موعد مع طبيب جيد وبسعر مقبول. فبعد استيلاء داعش على منزلنا ومحالنا التجارية في الرقة لم يعد لدينا قدرة مادية على مجارات الغلاء الذي وجدناه في العاصمة.
تتابع "أم حسين" قصتها لتشرح لنا عن كم الألم والمعاناة التي تحملتها في ظل غياب الأبناء فتقول: "خرجت من غرفة العمليات لا رغبة لي إلا برؤية أبنائي حولي، لكن لا مجال لذلك إلا بعد شهر، حيث عليّ البقاء في دمشق لمراقبة حالتي الصحية بعد العمل الجراحي، مما اضطر زوج ابنتي لاستئجار منزلا لنا هناك.
بعد أسبوع من مغادرة المشفى كان لدي مراجعة للاطمئنان على حالتي الصحية، فذهبت بصحبة زوج ابنتي إلى هناك. حيث استوقفنا حاجز للنظام طلب منّا هوياتنا. وعند قراءة البيانات علموا أننا من الرقة أو كما أرادوا تسميتنا "من جماعة داعش" فكانت هذه التهمة التي أرسلت بزوج ابنتي إلى السجن على الرغم من توسلاتي لهم، أقسمت بكل مقدس أنه لا علاقة له بداعش غير أننا مضطرون للعيش في تلك المدينة مجبرين ولكن كل تبريراتي لم تأت بنتيجة معهم، وبات زوج ابنتي معتقلاَ في سجونهم.
لم أستطع تحمّل كل ذلك فعزمت العودة للرقة. فأنا غريبة في هذه المدينة ولا عون لي إلا الله. عدت قبل استقرار وضعي الصحي تاركة ورائي زوج ابنتي معتقلا في سجون النظام حتى يومنا هذا متسببة في حرمان ابنتي وأطفالها من معيلهم الوحيد.
تختتم "أم حسين" حديثها لأخبار الآن قائلة: "ذنبي أني من مدينة تخلى الجميع عنها وعن أهلها، متهميهم بالإرهاب ولا يعلم بمعاناتهم سوى الله".
اقرأ ايضا: