أخبار الآن | طرطوس – سوريا (سمارة علي)

مدينتا طرطوس وجبلة الساحليتان هما من الغالبية المؤيدة للنظام وخزانه البشري، الذي ما فتئ يمده بالمقاتلين الذين يعرفون باسم "الشبيحة". المدينتان لم تشهدا شيئا من أهوال الحرب باستثناء حالات التشييع شبه اليومية لأبنائها الذين يقضون في صفوف قوات الأسد في مناطق سورية مختلفة، أو حالات السرقة والقتل الفردية، والتي لا تمت لما يجري بصلة، فقد آمن أبناء المدينتين أن يد الحرب لن تطال حصنهم الحصين، لتأتي تفجيرات طرطوس – جبلة التي لم يسقط فيها قتلى وجرحى فحسب، بل سقطت أيضا فكرة الحصن الحصين، إنه كما يقول الناشطون بمثابة "توازن للرعب".

تفجيرات طرطوس وجبلة

لم يكن صباح الإثنين الماضي كغيره من الأيام، إذ ضربت سبعة تفجيرات متتالية مدينتي طرطوس وجبلة، لتعيش المدينتان ولأول مرة ما تعيشه معظم المدن والمناطق السورية يوميا. صوت الانفجارات ومشاهد الدم والأشلاء أدخلت المدينتين وما بينهما من مناطق مماثلة بحالة رعب وهلع غير مسبوقتين.

ولأن مدينة طرطوس عرفت ببعدها عن لهيب الحرب كونها تلك المدينة الساحلية التي تتخذها روسيا قاعدة لها، ولأن مناطق المعارضة تبعد كثيرا عنها، فقد لجأ إليها بعض النازحين السوريين من المدن الأخرى طمعا بالأمان الذي بات عملة نادرة في بلد يعيش حربا ضروسا لا هوادة فيها. هؤلاء النازحين الذين يشكل الحلبيون غالبيتهم، متفاوتون ماديا، فمنهم من استطاع استئجار بيت ومنهم من لم يستطع، فسكنوا في مراكز للإيواء وفي المخيمات.

"داعش" أعلن مسؤوليته عن هذه التفجيرات، وتبناها في بيان نشره على مواقعه الإعلامية، لكن ذلك لم يشفع لأبناء البلد الذين أتوا مدينة طرطوس لاجئين، ورغم محاولات النظام المتكررة عبر وسائل إعلامه لإظهار أن المسبب الأوحد لهجرة الناس ونزوحهم ومعاناتهم هو "داعش"، فإن ما جرى بحق اللاجئين في مدينة طرطوس كفيل بأن يدحض كل ادعاءات النظام وتزويره للحقائق.

تداعيات التفجيرات

بدأت أولى ردات الفعل لتفجيرات طرطوس مباشرة، حيث أقدم مسلحون موالون للنظام على اقتحام مخيم "الكرنك" الذي أقيم في منطقة "عمريت" جنوب مدينة طرطوس ويقطنه نازحون غالبيتهم من مدينتي حلب وإدلب، وأحرق المسلحون معظم الخيم وانهالوا بالضرب والشتم على النازحين، في انتقام لا يمكن وصفه إلا بالطائفي، كما يرى البعض من أهالي المخيم.

بسبب سياسة التنسيق بين النظام وداعش .. مخاوف الأقليات في السويداء و"السّلمية"

"محمد" أحد قاطني مخيم الكرنك، يقول: "حاصروا المخيم واقتحموه من كل الجهات وبدأوا بإطلاق النار، وأحرقوا خيامنا وروعوا أطفالنا، ناهيك عن الاعتقالات التي طالت كثيرا من الشباب، وعن الضرب والشتائم."

هذه الأعمال العدائية في عقر دار النظام بحق النازحين ستدفع النازحين لإعادة التفكير بمكان آخر يحترم الإنسان. "سامي" نازح من مدينة إدلب، يقول: "لن أبقى هنا، ليت أبناء بلدي كانوا كالفرنسيين الذين ضربتهم التفجيرات منذ فترة ورغم ذلك لم يتصرفوا كهؤلاء المجرمين، بل لم يوجهوا أصابع الاتهام إليهم، وتركيا لم تفعل شيئا لمليونين ونصف لاجئ على أراضيها رغم التفجيرات التي حصلت فيها".

لم يقتصر الأمر على مخيم الكرنك، بل طال الحقد والانتقام كل النازحين في المدينة، وأفادت الأنباء أن أحد عناصر الميليشيات الموالية قام بقتل سبعة مدنيين نازحين في "حي الرادار" إثر سماعه خبر مقتل أخيه في التفجيرات. وفي محاولة لتبرير هذه الانتهاكات بحق النازحين تناقلت الشبكات الإعلامية التابعة للنظام خبرا مفاده أن منفذ تفجيرات طرطوس هو نازح من إدلب، كما أحرقت الميلشيات الموالية للنظام عشرات المساكن المتنقلة "الكولبات" والمحال التجارية التي تعود ملكيتها للنازحين، وهذه الهجمات كانت كلها على أساس طائفي.

مثقفون ورجال دين: حماية الأسد للأقليات لم تعد مقنعة للسوريين

تقول "فاطمة" من إدلب وهي طالبة في جامعة طرطوس: "هذه الأفعال كان باستطاعة النظام منع وقوعها، لكنه لم يفعل بل كانت برعاية أمنه وعناصره".

وفي ذات السياق، شن الأمن العسكري التابع لقوات النظام حملة مداهمة لمركز إيواء للنازحين في الصالة الرياضية واعتقلوا عددا من الشبان.

بين مطرقة النظام وسندان النزوح يعيش السوريون الذين فضلوا دفء حضن الوطن عن صقيع الغربة، فإذا بهم يجدون حضن الوطن جحيما يقتات على أجسادهم المتعبة.