أخبار الآن | الرقة – سوريا (عزام الحاج)
يذكر تقرير أصدرته "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" بعنوان "التعذيب ومراكز الاحتجاز لدى داعش: القاع الأسود" أن داعش الذي يسيطر على مساحات واسعة من سورية يدير 38 سجناً ومركز اعتقال، أمكن تحديد مواقعها ضمن المناطق الخاضعة لسيطرته في محافظات الرقة ودير الزور وحلب السورية؛ إلّا أن تقديرات الشبكة تشير إلى احتمال أن يكون عدد مراكز الاحتجاز التي أنشأها داعش منذ إعلان احتلاله على جزء من الأراضي السورية، بتاريخ 9 نيسان من العام 2013، قد يصل إلى 58 مركزاً.
إن إقرار الشبكة السورية لحقوق الإنسان باحتمال أن يكون عدد مراكز الاحتجاز الداعشية أكثر من ذاك المذكور في تقريرها إنما يتماشى مع حقيقة أن داعش، ومنذ بدء عمليات التحالف الدولي ضده في 23 أيلول 2014، قد وزع المعتقلين لديه على مراكز احتجاز جديدة وأقل حجماً وأكثر توزعاً من الناحية الجغرافية، بالإضافة إلى استحداث سجون ومراكز اعتقال جديدة ونوعية كان آخرها سجن من نوع جديد أنشأه داخل مقبرة "تل البيعة" بالقرب من مدينة الرقة.
سجن "تل البيعة"
و"تل البيعة"، الذي يقع على مسافة حوالي 2 كم شرق مدينة الرقة، هو تل أثري أصلاً تحوَّل خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى مقبرة بعد أن امتلأت المقبرة القديمة الواقعة في وسط مدينة الرقة بقبور الموتى. وإلى هذا المقبرة سارت واحدة من أكبر مظاهرات الثورة السورية في طورها السلمي وأطولها مدةً وامتداداً في 16 آذار 2012، مظاهرة تشييع أول شهيد للثورة في مدينة الرقة، الشاب "علي البابنسي".
أما السجن الذي أقامه داعش بين قبور موتى المدينة فهو سجن فريد في شكله وفي تخصصه وفي نوعية نزلائه. فالسجن هو عبارة عن أقفاص حديدية تتسع لشخص واحد فقط، ويختص بحبس النساء حصراً ممن يرتكبن مخالفات في اللباس الشرعي حسب فهم وعرف داعش، مثل إظهار العينين أو الكفين. لكنه، ونظراً لرؤيته في المرأة وفهمه للمجتمع المحلي في الرقة، يسمح بحضور شخص من أهل المحتجزة كمحرم على أن يبقى خارج القفص وبالقرب منه. وهكذا يستطيع هذا الشخص الإشراف على ومراقبة حبس ابنته أو زوجته أو أمه في قفصها الحديدي وتلبية احتياجاتها ومؤانستها في الليل، كما يحمي عناصر داعش من أي ادعاءات بالتحرش قد توجه إلى عناصره المشرفين والمشرفات على هذا السجن-القفص.
عقوبات نسائية
مبدئياً، يفرض داعش عقوبة الحبس لمدة ثلاثة أيام في القفص-الزنزانة هذا على نساء يرتكبن مخالفات في اللباس، كأن تلبس خماراً شفيفاً أو تظهر عينيها أو كفيها؛ لكنه شرع في تدعيم هذا النوع من العقوبات وهذا الشكل من السجن بخلط أنواع العقوبات والمعاقبات في هذه الأقفاص. حيث بدأ أنصاره وأعضاؤه في إشاعة أن هذه الأقفاص مخصصة "للزانيات"، وبهذا فإن داعش يضاعف خوف الناس عموماً، والنساء خاصة، من مغبة مخالفة رؤية داعش في أي شأن من الشؤون، كما يجعل المرأة المخالفة أسيرة سجنين. إذ وعلاوة على سجنها لثلاثة أيام لمخالفة بسيطة في اللباس الشرعي، فإنها تتحول في رأي البعض ممن انطلت عليهم إشاعات داعش وممن لم يعرف السبب الحقيقي لسجنها إلى زانية ما يدفع هؤلاء إلى تحويلها إلى هدف لألسنتهم وممارساتهم التي ستصب في محصلة الأمر في مصلحة داعش في فرض المزيد من القيود على المرأة والحد من حركتها ونشاطها.
لا نقول جديداً عندما نقول إن المرأة السورية في مناطق سيطرة داعش هي الطرف الأكثر تضرراً من ممارساته الموغلة في الهمجية والتوحش والخوف من المختلف وإنها الضحية المفضلة لكل المستبدين مهما تنوعت إيديولوجياتهم، لكن المرأة في سورية عموماً، والمرأة في الرقة ريفاً ومدينة بوجه التحديد، جزء نشط وعامل من المجتمع، تعتمد عليها الأسرة في تسيير شؤونها وفي زيادة وتنويع مصادر دخلها، ولا يمكن أن تكون مجرد آلة للإنجاب وطباخة مجوزة بين أربعة جدران.