أخبار الآن | منبج – سوريا – (خاص)

 

تعد مدينة منبج إحدى أكبر وأهم المراكز في محافظة حلب، وكبرى مدن ريفها الشرقي، وتشكل صلة الوصل بينها وبين الرقة، وهي حاضرة في الوجدان السوري والعربي بصفتها مسقط رأس اثنين من أبرز شعراء العربية، البحتري وعمر أبو ريشة، إلا أنها اليوم بعد احتلال تنظيم داعش لها وتغييبها عن العالم، باتت وكأنها مدينة خارج الزمن.

تضم مدينة منبج حالياً حوالي 300 ألف نسمة من سكانها والنازحين إليها، أما منطقة منبج كاملة فتضم قرابة مليون إنسان حسب تقديرات غير رسمية.

ويرزح هؤلاء جميعاً تحت وطأة حكم تنظيم داعش الذي استولى على المنطقة بداية العام 2013 بعدما حررها أبناؤها من سلطة نظام الأسد، ليقوم التنظيم بالاستيلاء عليها بعد معارك مع الجيش الحر والثوار الذين استقبلوهم بداية كمهاجرين وأمنوهم.

وتتميز منبج عن سواها من المناطق الخاضعة للتنظيم بأنها تمردت على إرهابيي داعش وحكمهم، فعمد أهلها إلى إضراب مفتوح يوم الأحد 18 أيار/مايو 2014 احتجاجاً على ممارسات التنظيم، واعتقل المئات ممن رفضوا الاستجابة لأوامر التنظيم بافتتاح محلاتهم وأعدم عدد من المضربين، فيما لا يزال عدد كبير منهم معتقلاً حتى الآن, إلا أن الحراك الشعبي ضد التنظيم ما زال مستمراً, من مظاهرات وكتابة الشعارات المنددة والفاضحة لجرائم التنظيم وممارساته .

المدينة المُعتقلة

قليلة هي الأخبار التي تصل من منبج أو يستطيع الناشطون تسريبها بسبب تشديد القبضة الأمنية ومراقبة "حسبة" داعش لأنفاس الناس وأبسط تحركاتهم، إلا أن المقاتل السابق في الجيش الحر والذي دافع عن مدينته منبج ضد داعش، عبد الباسط عليان، نقل لأخبار الآن نبض المدينة وما استجد من معاناة أهلها.

فعلى صعيد العملية التعليمية يقول عبد الباسط إن التنظيم فرض على السكان جميعاً اتباع دورات شرعية لتعليم منهجه، وقد بدأت هذه الدورات في ريف مسكنة منذ ستة أشهر، وهي شاملة لجميع الذكور وملزمة، واﻵن بدأت في مدينة منبج، وقد بُلّغ أهالي القرى كذلك، لكن بسبب قلة عدد الشرعيين لم تبدأ الدورات في الريف. أما المدارس فهي مغلقة للعام الثالث على التوالي، وفي بداية العام الدراسي الحالي ألزموا جميع المعلمين والمعلمات بتوقيع أوراق استتابة والخضوع لدورات شرعية من أجل افتتاح المدارس, وعندما افتتحوا المدارس على شكل تجمعات, بدمج كل 10 مدارس بمدرسة, من قرية "العوسجلي " حتى قرية " الزكية" خط طوله 30كم جنوب منبج, افتتحت ست مدارس فقط, وكان إقبال الطلاب يكاد يكون معدوماً بنسبة لا تتجاوز 5 %, بالإضافة إلى أن المنهاج لم يكن جاهزاً.

وكذلك فقد أغلق التنظيم جامعة ابن خلدون التي تتضمن عدداً من الفروع العلمية، بالإضافة إلى منع طلبة الجامعات الأخرى من الخروج من مناطق سيطرته لمتابعة دراستهم.

سجن كبير

يقول عبد الباسط إن المدينة بأسرها تحولت إلى سجن كبير واصفاً الحياة اﻻجتماعية بأنها سيئة وتزداد سوءاً يوماً بعد يوم, فاﻹنسان معرّض للتفتيش في أي لحظة لدرجة أنك ﻻتستطيع حمل هاتفك الجوال لأنه معرض هو اﻵخر للتفتيش, فعناصر "الحسبة" يفتشون الصور والفيديو والفيسبوك ومحادثات الوتس أب وغيرها، فضلاً عن أن الرجل يفضّل إرسال زوجته للتسوّق خوفاً من اعتراضه من قبل عناصر "الحسبة" وإلصاق أي تهمة به.

  وفي منبج كغيرها من مناطق احتلال داعش كل من هو خارج المدينة تصادر أملاكه ومنزله, مهما كان توجهه السياسي، ويعاني الناس من حملات المداهمات التي يقوم بها عناصر التنظيم لأي بيت يشتبهون به وتفتيشه بحثاً عن السلاح أو أجهزة الاتصال أو الكمبيوترات, بل وحتى بحثاً عن المدخنين, وقد توفيت المواطنة هـ . ح في حي طريق حلب بسكتة قلبية بسبب مداهمتهم لبيتها.

 كل هذه الأسباب وغيرها كثير تجعل السكان يعيشون حالة من اﻻختناق ويحاولون الهرب والنزوح, لكن التنظيم يمنع مغادرة الأفراد والعائلات، الذين صار يحتمي بهم حيث أخفى التنظيم معظم مقراته وسجونه بعد تشكل التحالف الدولي ضده, فأصبحت مقراته ضمن الأحياء السكنية أو في الملاجئ، وتحولت الساحات العامة والمستديرات لمذابح بشرية تقام فيها حفلات الإعدام بشكل أسبوعي تقريباً لإرهاب المواطنين.

نهب الموارد

وعن مصادر التنظيم الاقتصادية والمالية يضيف المقاتل السابق في الجيش الحر عبد الباسط عليان إن تنظيم داعش استولى بقوة السلاح على مستودعات الأعلاف والمطاحن ومستودعات القمح أواخر العام 2013، وبعد انسحاب مقاتلي الجيش الحر من المدينة إثر معارك طاحنة مع التنظيم الذي حاصر وقصف المدينة بالمدفعية والهاون وأرسل المفخخات إليها لمدة عشرين يوماً, استولى التنظيم على مقرات الجيش الحر وجميع الممتلكات الخاصة التي تعود لعناصره من منازل وعقارات ومتاجر وغيرها، بالإضافة إلى استيلائه على الممتلكات العامة المتمثلة بأملاك الأوقاف والكهرباء والبلدية والصحة والتربية والمصارف.. كما فرضت الضرائب الباهضة على الصاغة وجميع المحلات التجارية الخاصة, ورُفعت إيجارات مئات المحلات التجارية التي تعود ملكيتها للأوقاف من مبلغ خمسة آلاف ليرة سنوياً – قبل الثورة – إلى مبالغ تتراوح بين 25000 وحتى 200000 ليرة سورية شهرياً، كما حوّل التنظيم الساحات العامة وبعض الحدائق وسط المدينة إلى أسواق بعد أن أزال الأشجار وبنى الأكشاك الخشبية فيها وعهّدها لمستثمرين.

وعلى الرغم من هذا الحصار الخانق ومحاولات الترهيب، لم تنكسر شوكة الإنسان في منبج، فظل متمرداً على الواقع الذي صنعه التنظيم، وما زال متأهباً للخلاص والعودة إلى زمن الحرية الذي كانت منبج من أوائل الملتحقين به والذي ترى فيه حياتها وانعتاقها الموعود.