أخبار الآن | حماة – سوريا (نجوى بارودي)

لا شيء في حماة لم تمسه موجة الغلاء لتتحول إلى نار مسعورة تحرق المواطن السوري أينما اتجه في بلده. "مصائب قوم عند قوم فوائد"، ربما تكون تلك العبارة هي الأفضل لتلخيص ما يجري في سوق العقارات بشكل عام والإيجارات بشكل خاص في محافظة حماة، حيث يعيش هذا السوق حالة هستيرية وصفها الخبراء بالجنونية.

فأزمة السكن التي عصفت بالمواطن السوري عامة والحموي خاصة، أسوأ الأزمات التي تعرض لها بعد قصفه ببراميل النظام وما نتج عنها من تشرد في أنحاء المحافظة.

تقارير لمنظمات إنسانية وشهود عيان أكدوا أن آلاف المنازل سقطت على رؤوس أصحابها في ريف حماة، فاضطر أصحابها أو من بقي معهم للنزوح إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام لتمتعها بالأمان نوعاً ما مقارنة بالمناطق الثائرة .

العقارات والإيجارات والنازحين

يقول صاحب أحد المكاتب العقارية في حي الباشورة بحماة: "أدت زيادة أعداد السكان في محافظة حماة إلى زيادة الطلب على الإيجار الذي تضاعف خلال الخمس سنوات الماضية أكثر من عشرة أضعاف، فعدد المنازل التي تهدمت كلياً أو جزئياً جراء القصف تقدر بنحو نصف مليون منزل، مما خلق حاجة ملحة وماسة للبحث عن بديل، فارتفعت الأسعار بسبب بعض أصحاب المكاتب المنتفعين الذين جعلوا حركة تجارة العقارات تصل إلى أرقام فلكية في حين دخل المواطن السوري ثابت وأغلب المحتاجين هم من النازحين الذين خرجوا من منازلهم لا ثياب تسترهم ولا مال".

يتساءل "أبو عبد الله" النازح من "مورك": "كيف سندفع أجرة شهرية لمنزل "إن قبلوا بإيجارنا" حوالي 100 ألف ل. س ونحن دون عمل، في بداية نزوحي استأجرت وعائلتي منزلا لمدة ثلاثة أشهر، ولكننا صرفنا كل ما بقي في الجيب لننتقل إلى مدرسة تابعة إحدى الجوامع وأنا أقطن الآن في أحد صفوفه لا أثاث أو تدفئة ولكن أفضل بكثير من التشرد في الشوارع".

يقول أيضاً "أبو عمر" صاحب أحد المكاتب العقارية في حي "جورة حوا": "إذا ما اشتدت هستيريا العقارات على قاطني حماة فإنها اشتدت أضعافا مضاعفة على النازحين إليها من المحافظات الأخرى، فكيف لنازح لا يقوى على قوت يومه أن يتكفل بتسديد أجرة منزل بما يقارب 200 دولارا شهرياً لمنزل أقرب لأن يصلح لتربية الحيوانات لا لسكن البشر".

غلاء وموافقات أمنية

في دولة أمنية كسورية، لا يمكن لشخص أن يقوم بأي شيء دون موافقة أمنية مسبقة من قبل جهات المخابرات، حيث أصدرت وزارة الداخلية قرارا نصّه يؤكد أن أي مواطن سيستأجر أو يبيع أو يملك عقار يجب عليه الحصول على الموافقة الأمنية، وذلك يعقد من الأمور كثيرا وخاصة أن أغلب المستأجرين هم نازحون من المناطق المعارضة للنظام، حيث يتم التدقيق في السجل الأمني للمستأجر فإن كان هناك ما يشوب ولاءه للأسد فإن عقد الإيجار لن يتم ولأن غالبية سماسرة العقارات من الشبيحة بات منزلا للسكن هو حلم بعيد المنال.

قرارات كهذه وضعت القيد على رقاب المواطنين وفتحت باب رزق جديد على مصراعيه للرشاوى والسرقة لمتنفذي النظام، إضافة إلى الاستفادة المطلقة لضباط الأمن المكلفين بمتابعة هذا الموضوع.

يتحدث "أبو اسماعيل" وهو أيضاً من السماسرة في العقارات في "حي الصابونية": "الكثير من المالكين أغلقوا منازلهم بسبب تلك الموافقات الأمنية لأنها قد تدخلهم في متاهات الأسئلة وفروع المخابرات خاصة إن كان المستأجر نازحاً، لذلك فضلوا إغلاقها من أن يتعرض للمساءلات لأن الموافقات باتت كعصا فوق المؤجر والمستأجر".

ويؤكد المواطنون في حماة أن من قدموا من إيران أو شبيحة النظام يحتلون حماة، حيث يقومون بشراء المنازل أو حتى الاستيلاء عليها، وقد استخدموا طرقاً ملتوية عديدة مثل إصدار محكمة الإرهاب قراراً بالحجز على الأملاك المنقولة وغير المنقولة لكل المعارضين البارزين في حماة إضافة إلى تحويل حياة الساكنين من "الطائفة السنية" إلى جحيم في حال كان جيرانهم من العلويين، إلى أن يصل صاحب المنزل إلى مرحلة الهروب والبيع بأبخس الأثمان.

حماة ضمت في سابق عهدها جميع الطوائف والأديان في أحيائه، لكن يؤكد قاطنيها الآن أو من تبقى منهم أن ارتفاع العقارات والإيجارات في حماة ما هو إلا محاولة قذرة من النظام لتحويل المدينة إلى بؤر علوية استيطانية.