أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (سونيا العلي)

لم يعد في سوريا أي مكان للفرح، فقد أصبحت الأم السورية غارقة في أحزانها نتيجة الحرب التي لا تزال تعصف بالبلاد، حتى لا يكاد يخلو بيت من شهيد أو جريح أو معتقل، فبينما يحتفل العالم بعيد الأم تمر هذه المناسبة على إدلب حاملة معها الألم والذكريات ما بين أمهات لم يعد لهن إلا الدموع والحسرة لغياب أبنائهن،وأبناء لم يعد لهم سوى تراب القبور للمعايدة.

دموع الثكالى

"أم عامر" من معرة النعمان، تفضل أن تقضي هذه المناسبة على قبر ولدها الذي استشهد في ميادين القتال، وتشعر بالسكينة والاطمئنان تدخل إلى قلبها بوضع الورود على قبره، فهو من كان يحتفي بها في هذه المناسبة ويقدم لها هدية رمزية وهي اليوم تفتقد وجوده ومشاعره وتقول: "لقد كان ولدي عامر كل حياتي وبعد موته لم يعد للحياة معنى بالنسبة لي ولا أجد طريقاً للسعادة في أي مناسبة سوى زيارته والجلوس إلى جانب قبره لأستعيد في ذاكرتي طفولته وضحكاته وأولى خطواته وأتضرع إلى الله أن يرحم مثواه وأن يمنحني الصبر والسلوى لمتابعة حياتي من بعده".

والأمر الأكثر صعوبة هو أن يكون أحد الأبناء مغيباً في سجون النظام ولا تدري الأم عنه شيئاً، فلا هو  في عداد الأموات فتدعي له بالرحمة وتستقر نفسها ولا هو ضمن الأحياء، عندها تنقلب فرحة العيد إلى غصة وحنين، وتلقي المناسبة بظلال من الحزن على آلاف الأمهات اللواتي لا يدرين شيئاً عن أبنائهن.

السيدة "حليمة أم جابر" من قرية "بابيلا" التابعة لمعرة النعمان، كان ابنها في طريقه إلى مدينة حلب لمتابعة دراسته في الجامعة عندما تم اعتقاله على أحد الحواجز الأسدية المنتشرة على الطريق، ومنذ ذلك اليوم انقطعت أخباره ولا تدري عنه شيئاً رغم محاولات العائلة للسؤال عنه لم تعرف إليه طريقاً أو مصيراً، والأم منذ ذلك اليوم كثيرة البكاء تقول بهذه المناسبة: "إنه العيد الأول الذي يمر وولدي بعيد عني، لم يعد في بيتنا مكان للفرح منذ أن غاب واختفى، أحياناً أتحلى بالصبر وأتأمل أن يعود، لو أني أراه فهذه أكبر هدية يمكنني أن أحصل عليها في عمري كله".

أطفال حرموا من حنان الأم

يبدو يوم "عيد الأم" حزيناً عند الأولاد الذين خطف الموت أمهاتهم وحرمهم من حنان الأم وخاصة الأطفال منهم الذين لا يزالون بحاجة إلى رعاية الأم واهتمامها حيث توقظ هذه المناسبة في نفوسهم ذكريات مؤلمة ويشعرون بالحرمان من الحياة الطبيعية والعيش في جو الأسرة السعيدة فالأم يشكل غيابها فراغاً لا يعوض ويترك في النفس أسى عميقاً قد لا تمحوه الأيام لأن الله أرسلها ليفيض قلبها على أبنائها بالسعادة والأمن والسلام.

الطفلة "شهامة الدرويش" فقدت أمها إثر تعرضها لشظية من صاروخ طائرة حربية وهي أكبر إخوتها الثلاثة تبلغ من العمر 12 عاما، تقول: "في عيد الأم أطلب الرحمة لأمي المتوفاة وأحاول تمضيته كأي يوم من أيام السنة ولكنني لا أستطيع أن أصبر نفسي ليمر دون بكاء، لأن مكانة أمي في قلبي كبيرة وعزيزة، لذا قررنا أنا وأخوتي الثلاثة أن نذهب لزيارة قبرها في هذه المناسبة لنضع الورود على القبر هدية لها وتعبيراً عن حبنا واشتياقنا".

المرشدة النفسية "سوزان عابدين" 30 عاما، تقول: "عيد الأم مناسبة إنسانية متميزة والاحتفال به يحمل مذاقاً خاصاً يشترك به كل الناس تقديراً وامتناناً لدور الأم في الحياة، ولكن تصاعد الأعمال العسكرية في سوريا فرّق بين الأم وأبنائها ولم يعد طابع الفرح هو الطاغي على هذه المناسبة عند أغلب العائلات السورية لذلك على المجتمع ألا  ينسى الأيتام المحرومين من فرحة هذا اليوم ويقدم لهم ما يفرحهم وينسيهم حزنهم لأن فقدان الأم يكون أكثر إرهاقاً  للأطفال ويسبب لهم معاناة نفسية مستمرة واضطرابات وحزن".

غياب مظاهر العيد

معظم الأمهات يعتري القلق قلوبهن أن يصبحن ثكلى أو يمر العمر ويمضي دون رؤية أبنائهن بسبب النزوح وهجرة معظم الشباب إلى خارج البلاد، أما العائلات التي تكون أوفر حظاً وتستطيع أن تجتمع في هذه المناسبة دون دموع أو ألم يكون الفقر وتردي الأوضاع المادية سبباً في غياب مظاهر العيد والهدايا واقتصار العيد على اجتماع الأسرة في منزل الأبوين. الأم السورية التي كانت رمزاً للتفاني والعطاء والقوة تقف اليوم وقد أثقلها الحزن والأسى لفراق أولادها حتى لم يعد في حياتها مكاناً للسعادة والاحتفال بالمناسبات حتى في يوم عيدها، ولابد بأن الفرح الحقيقي0 سيكون عندما يمن الله على الثورة السورية بالنصر وينتهي حكم النظام الأسدي الذي دمر الوطن وفرق الأحبة.