أخبار الآن | حماة – سوريا (نجوى بارودي)

أقدم مواطن سوري قاطن في محافظة حماة على شنق نفسه في غياب زوجته وأولاده، وكان السبب الرئيس هو الفقر، حادثة لم تكن بجديدة في تلك المحافظة والتي لقبت منذ زمن بأم الفقير، بل صار الانتحار هو نتيجة حتمية لأناس أرهقتهم رؤية أطفالهم الجياع.

سوريا تحت خط الفقر

من يبحث عن الفقر في سورية يجده بسهولة، فمن بين كل ثلاثة مواطنين نجد فقيراً بامتياز، ومن بين كل فقيرين هناك شخص يعيش تحت خط الفقر بجدارة. ولا نستطيع تجاهل قيام الحكومة التشبيحية للمساهمة في رفع معدلات الفقر، من خلال قصف السوري بشتى الطرق معنوياً وجسدياً ومادياً وتشريده وتهجيره سواء في الداخل السوري أم خارجه.

أكاذيب مارسها النظام السوري لأكثر من أربعين عاماً بشعاراته الرنانة من تحسين المستوى المعيشي بوصفه هدفاً للحكومات ويقع في مقدمة الأولويات، ومكافحة ارتفاع الأسعار مقدما طوال تلك السنوات التي خلت  للأمم المتحدة والمنظمات المعنية أرقاما مضللة وغير دقيقة لواقع الفقر في سورية .

ربما لا يدرك غالبية الشعب السوري المصطلحات التي تتغنى بها الوزارات المعنية في النظام كالفجوة بين معدل الإنفاق والاستهلاك والتضخم وازدياد الانحدار نحو الفقر والفقر المدقع، لكن ما يدركه أن الفقر قد تغلغل كثيراً في حياتنا، وأن عملية مكافحته بات حلماً صعب المنال في بلد يرى سكانه الدم أكثر من رؤيتهم للمياه.

بين الفقراء وشبيحة النظام الأثرياء

"عبد الجبار" أحد سكان "حي الشريعة" والذي كان يعتبر قاطنيه من أغنياء المحافظة، يقول: "ربما لم يهدم متجري والذي أبيع فيه الأدوات الصحية باعتباره في وسط السوق، وربما لم أخسر منزلي ولكنني أعاني من ضائقة مالية كارثية، فبسبب انعدام حركة البيع والشراء لم نجن مالاً قد يسد رمقنا منذ أن بدأ النظام السوري بحربه على شعبه، أحاول أن أغير من طبيعة متجري ولكنني أدرك أنني لو بعت خبزاً لن يتحسن الوضع".

ويقسم "عبد الله" أنه وأطفاله يأكلون الخبز والماء: "منذ أشهر ما من دخل قد يسمح لي بشراء حتى البطاطا والتي حلّقت أسعارها حتى صارت حلما، قمت ببيع أثاث منزلي لشراء الحطب للتدفئة والخبز لنأكل" .

ويقول "سمير"، ماجستير في الاقتصاد: "حوّلت الحرب في سورية معظم سكان محافظة حماة إلى فقراء، تبدو المحال شبه خالية حتى في أوقات الذروة، فتهديم البنى التحتية للاقتصاد الزراعي وخروج 80% من المنشآت الصناعية عن العمل، وموجات التسريح التعسفي التي قامت بها حكومة بشار الأسد للعاملين في المناطق الثائرة بتهمة تأييد الثورة لم تبق على مواطن في محافظة حماة لم يشكو الفقر والحاجة".

أما "أسعد" فيرى أن: "ما نعيشه في محافظة حماة صراعات متعددة على رأسها النظام السوري الذي أوصلنا إلى دون خط الفقر بممارساته الوحشية على أرضنا، نحن نرزح تحت بطشه وقصفه وتحت أعباء لا حصر لها، فرغيف الخبز نكاد نحصل عليه بشق الأنفس.

أنا لا أبالغ إن قلت أنه إذا مرض طفل من أطفالي قد يكون الطامة الكبرى، فزيارة الطبيب وشراء الدواء بآلاف الليرات نعجز عن توفيرها حتى لو حاولنا شد الأحزمة على البطون لسنوات، ربما لا أبالغ أنني ولأيام لا أتناول حتى الخبز كي أبقي لعائلتي شيئاً يسد رمقهم، لقد دمرّ النظام حياتنا".

ثمة تقارير تقول أن 18 مليون سوري يعيشون الآن تحت خط الفقر في سورية، مليون ونصف منهم في محافظة حماة وحدها والتي يبلغ عدد سكانها 2 مليون، لافتة إلى أن سورية قد تواجه احتمال المجاعة لأول مرة في التاريخ الحديث، وبنظرة سريعة ندرك أن نصف المليون المتبقي في حماة والذي ازداد ثرائه بعكس البقية هم من العائلات الموالية للنظام والشبيحة ولجان الدفاع الوطني والذين أكلوا الأخر واليابس من خيرات المحافظة.