أخبار الآن | درعا – سوريا (سارة الحوراني)
تعتبر مناطق المواجهة بين قوات الأسد وحلفائها من جهة، وبين فصائل المعارضة السورية من جهة أخرى بمحافظة درعا جنوب سوريا، من أخطر المناطق العيش فيها، وخاصة بأنها لا تكاد تخلو من الاشتباكات والقصف اليومي بمختلف أنواع الأسلحة.
النزوح من منزل لآخر
"أم نادر" سيدة في الخمسين من عمرها، تعيش مع زوجها وابنتها الشابة في حي طريق السد، والذي يعتبر من أكثر المناطق استهدافاً بالأسلحة الثقيلة من حاويات وبراميل متفجرة وصواريخ "أرض-أرض" نوع "فيل" وراجمات الصواريخ والمدفعية المختلفة تقول لمراسلة أخبار الآن: "لا يمكن لأحد أن يتخيل بأننا نعيش على بعد عشرات الأمتار من قوات الأسد، نمارس حياتنا اليومية قدر المستطاع، على الرغم من الخطر الكبير الذي يتمثل في محاولات التسلل من قوات الأسد، حيث نشعر بأنها تترصد حتى أنفاسنا ونبضات قلوبنا، ولكننا ندرك أيضا بأن شبابنا المتواجدين في نقاطهم ليل نهار قادرين على التصدي لها وردها منهزمة وتكبيدها الخسائر في العدد والعتاد".
وعن سبب عيشها في هذه المنطقة الخطرة توضح ذلك قائلة: "تنقلت من منزل لآخر في الأحياء المحررة، حيث كان منزلي في درعا البلد والذي تعرض لقصف بالصواريخ؛ ونتيجة لذلك انتقلت لمنزل أقارب لنا في طريق السد لكننا استهدفنا بحاوية متفجرة خلال معركة عاصفة الجنوب في العام الماضي ونجونا بأعجوبة، فقد تم إخراجي من تحت الأنقاض فكسرت يدي وأصبت برأسي، وبعد ذلك انتقلت إلى هذا المنزل الذي يمنحنا الأمان نوعا ما من سلاح الطيران سواء الحربي أو المروحي نظراً لقربنا من نقاط تمركز قواتهم".
لا مهرب من الموت
"أبو أحمد" يعيش في درعا البلد في القسم الخاضع لفصائل المعارضة السورية من حي المنشية، والذي شهد في الآونة الأخيرة محاولات عنيفة من قبل قوات الأسد للسيطرة عليه وعلى معبر "درعا–الرمثا القديم"، يبين لأخبار الآن عن أسباب تواجده في هذا المكان وكيفية الحياة فيه: "تنقلت في عدة بلدات من ريف درعا بحثا عن الأمان لعائلتي وبعيداً عن آلة القتل الأسدية، والتي فتكت بولدي وأصبت أيضا جراء غارة جوية بالصواريخ الفراغية على البلدة التي نزحت إليها في ريف درعا الشرقي، ومن ثم عدت إلى منزلنا فلا مهرب من الموت، حيث بتنا نعرف أماكن انتشار القناصة والرشاشات الثقيلة، بالإضافة إلى الشوارع الخطرة وتشكل السواتر الترابية درعا لحمايتنا أثناء تنقلنا لتأمين حاجياتنا وذهاب أولادي إلى المدرسة، مشيراً إلى أنه أثناء المعارك يذهب مع أسرته إلى مزرعة العائلة القريبة من مدينة درعا حيث نصب خيمة وجهزها بمستلزمات النزوح".
أسعار خيالية للمنازل المستأجرة
شهدت عملية استئجار المنازل في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة في محافظة درعا ارتفاعا خيالية في الأسعار، حيث وصل إيجار منزل في إحدى بلدات ريف درعا الشرقي إلى أكثر من مائة دولارا أمريكيا، ما دفع بالعديد من الهاربين من المدن والبلدات المنكوبة إلى نصب خيامهم في العراء أو الاستقرار في المزارع، وحتى في الأبنية غير منتهية البناء، يقول "أبو خليل" من بلدة النعيمة في ريف درعا الشرقي والتي أعلنت بلدة منكوبة لأخبار الآن: "على الرغم من حالة الخوف والرعب الشديدين بسبب القصف المستمر من قبل قوات الأسد وخاصة الطيران الحربي والمروحي والقذائف العنقودية والمدفعية، إلا أنني باقي مع أفراد أسرتي في البلدة المنكوبة لعدم وجود مكان أمن نلجأ إليه؛ بسبب غلاء المعيشة واستغلال بعض الأشخاص من ذوي النفوس الضعيفة الذين يملكون المنازل في المناطق الأكثر أمنا الظروف التي نمر بها، حيث يقومون بطلب مبالغ مالية كبيرة ثمناً لاستئجار المنزل، ونظراً للظروف المعيشية والاقتصادية السيئة التي نعيشها وانعدام فرص العمل فإننا لا نملك المال الكافي للعيش في المناطق الآمنة نوعاً ما ولنبقى في خطوط الموت".
غارد "إياد الزرزور" منزله الكائن في بلدة النعيمة ثلاث مرات، متنقلاً من بلدة لأخرى برفقة أسرته هرباً من محاولات الاقتحام المتكررة التي تشنها قوات الأسد على البلدة والمتزامنة مع القصف العنيف، يقول: "عدنا إلى البلدة المنكوبة بعد رحلة لنزوح متعبة ومرهقة، لعدم تمكنا من مواصلة دفع إيجار المنزل الذي أخذ يرتفع يوماً إثر يوم من قبل أصحابه الحقيقيين، وبالرغم من الخطورة في العيش بمكان يشهد يومياً حالة حرب حقيقة من قصف عنيف واشتباكات متواصلة، إلا أننا نواصل العيش نظراً لانعدام الحلول والبدائل، مبينا بأن العائلات التي بقيت في بلدة "نعيمة" تعاني من نقص كبير في معظم الاحتياجات وخاصة الغذائية والتي غالبا ما يتم توزيعها على الأهالي ذات نوعية سيئة وكمياتها قليلة مقارنة بالاحتياجات الأساسية للأسرة السورية.
يشكل النزوح الداخلي رحلة شاقة ومتعبة للأهالي وخاصة في الآونة الأخيرة، فبات على رب الأسرة تأمين مبلغ يزيد عن 200 دولارا شهرياً لأسرته لتعيش بشكل جيد، بالمقابل تفتقر معظم الهيئات والمنظمات المسؤولة للإدارة السليمة والإمكانيات المالية لمساعدة النازحين من المناطق الساخنة، والتي شهدت في الآونة الأخيرة نزوح أكثر من مائة ألف شخص من مدنهم وقراهم هربا من آلة الموت العسكرية، خاصة سلاح الجو الحربي الروسي وسيطرة قوات الأسد وحلفائها على مدينة الشيخ مسكين وبلدة عتمان بريف درعا.