أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (مها رباح)

بهمة ونشاط يتابع "أبو علي" عمله كل يوم في مصفاته البدائية لتكرير النفط في قريته "معردبسه" شرق مدينة سراقب. يقول أبو علي 60 عاما: "بخبرات بسيطة ومعدات متواضعة بنيت هذه المصفاة البدائية تلبية لحاجة الناس الملحة بعد أن انقطع المازوت ومعظم المحروقات المهمة لدينا، وأصبح وجودها نادرا وأسعارها مرتفعة"، ويبين أبو علي أن هذه المصافي منتشرة في جميع المناطق المحررة وخاصة شرق سوريا في ريف الحسكة ودير الزور حيث يقدر عددها  بـ 3300 محطة تكرير في جميع أنحاء سوريا المحررة.

ويضيف أنها تنتشر في ريف إدلب بمعدل مصفاة أو ثلاث في كل قرية أو مدينة، وعن كيفية عمل تلك المصافي يقول: "نستخدم أوان كبيرة كالخزانات حيث نملؤها بالنفط الخام، ونعرض هذه الأواني لحرارة مرتفعة جدا، ثم بعد حوالي نصف ساعة يتحول البنزين الموجود في النفط الخام بشكل تلقائي إلى مادة غازية تخرج من الخزان عن طريق أنبوب خاص به متصل بأعلى الخزان ويمر في حوض ماء بارد، حيث تؤدي هذه العملية إلى تكاثف الغاز ويتحول إلى سائل البنزين حيث يتم الحصول عليه في نهاية الأنبوب، ثم يليه "الكاز" وبعدها "المازوت" وذلك بحسب تبخر كل مادة."

مصادر النفط الخام والمخاطر

يوضح أبو علي أنهم يحصلون على النفط الخام من مناطق شرق سوريا والتي يسيطر عليها داعش كريف الرقة ودير الزور والحسكة، ويقول بأنها تصل إليهم بأسعار لا يستهان بها.

ورغم الفائدة التي تحققها هذه المصافي لكثير من سكان المناطق المحررة في ظل نقص المحروقات وغلاء أسعارها، إلا أنها لا تخلو من بعض الأخطار والمشاكل.

"محمد" من قرية "البارة" شمال كفرنبل 4 كم يقول: "في أوائل شهر شباط الحالي 2016 حدث انفجار ضخم في قريتنا ظننا أنه صوت انفجار صاروخ من طائرة حربية، لكن تبين فيما بعد أنها مصفاة تقليدية انفجرت وأدى ذلك الانفجار لمقتل عامل كان يعمل هناك".

يقول "منير" صاحب المصفاة: "لا أعرف سبب الانفجار بالضبط لأني لم أكن حاضرا وقتها و لكن يبدو أنه حصل خطأ ما أثناء التكرير" ويشير منير إلى أن العمل بهذه المصفاة يحتاج  إلى دقه عالية وحذر شديد أيضا في ما يتعلق باستخدامها في البيوت.

"لمياء" شابة في مقتبل حياتها من كفرنبل تعرضت لحادثة مشابهه ولنفس الأسباب تقريبا، تقول والدتها: "انفجر برميل المازوت بجانب بيت ابنتي بينما كانت تحاول تسخين المازوت الذي بداخله كي تملأ إناء منه لتشغيل المدفأة حيث كانت هذه المادة تتجمد بسبب التكرير البدائي السيئ بواسطة إشعال النار تحته، ولكن البرميل انفجر وأدى إلى إصابة ابنتي بجروح خطيرة خضعت على إثرها لإجراء عدة عمليات جراحية إضافة إلى احتراق أثاث بيتها بالكامل"، تقول "أم لمياء" أن ابنتها اضطرت لشراء هذا النوع من المازوت لأنه أرخص ثمنا.

مشكلات صحية وأرباح مالية

هاتان الحادثتان ليست الوحيدتان في ريف إدلب، بل تكررت حوادث عديدة مأساوية مشابهة لها خلال السنوات الثلاث الأخيرة من عمر الثورة، هذا عدا عن الأضرار الصحية التي يسببها استنشاق هذه المواد المكررة في البيوت والمصافي.

الدكتور "أحمد" 55 عاما، من كفرنبل يقول: "إن هذه الروائح الكريهة والسموم والدخان المنبعث من المحارق المستخدمه للتكرير البدائي تضر بجهاز الإنسان التنفسي وتسبب أحيانا سرطانات وتشوهات للأجنّة في بطون أمهاتهم، إلا إذا كانت هذه المحارق بعيدة عن التجمعات السكنية فهي تكون بذلك أقل ضررا وأخف على المواطنين".

من ناحية أخرى يقول "أبو علي" وأمثاله ممن يعملون بهذه المهنة أن هذا العمل يوفر لهم تجارة مربحة تعود عليهم بالمال الوفير وتؤمن لهم عيشا كريما في ظل الظروف المادية الحالية الصعبة، حيث يوضح أنه يستطيع الحصول على "150 دولار" كربح إذا حصل على خمسة براميل مقطرة فكيف إذا حصل على 20 برميلا مقطرا في محطته الصغيرة، حسب قوله.

"نادر" تاجر محروقات 60 عاما، يقول: "الإقبال على شراء المحروقات المكررة بطرق بدائية من قبل المواطنين أكثر بكثير وخاصة مادة المازوت للتدفئة لكونها أرخص ثمنا من المحروقات المكررة نظاميا حيث تراوح سعر ليتر المازوت النظامي ما بين 300-275 ل. س بينما المكرر بدائيا يتراوح سعره ما بين 150 – 200 ل. س خلال هذا الشتاء"، ويضيف بأنه يتم الحصول على المحروقات المكررة نظاميا من منطقة تدعى "أبو دالي" تقع شرق "معرة النعمان" ويبين أن تلك المحروقات يستوردها البعض من مدينة حماة.

مصافي تكرير النفط البدائية في ريف إدلب بين الضرر والفائدة