أخبار الآن | أورفا – تركيا (لجين أحمد)

تزخر مكتبة القهر السورية بآلاف القصص المأساوية التي تزداد كل يوم، ومن تلك المآسي المتوالدة هي "عمالة الأطفال" في دول اللجوء، إذ تعد من أخطر المشكلات التي تواجه الأسرة السورية اللاجئة في تركيا، فهي تهدد مستقبل جيل بأكمله؛ إذ أصبح جميع أفراد الأسرة دون استثناء وبغض النظر عن العمر والجنس يضطرون للعمل من أجل تأمين احتياجاتهم من مأكل ومشرب ناهيك عن الإيجار المرتفع للبيوت وفواتير الماء والكهرباء التي باتت تثقل كاهل الأسرة السورية.

مسؤوليات مبكرة وجيل مهدد

في ولاية "شانلي أورفا" جنوب تركيا، يتوزع اللاجئون السوريون في غالبيتهم من المناطق الشرقية في سوريا "الرقة ودير الزور" بسكل خاص، إذ يعمل معظم الأطفال السوريون هنا في أعمال شاقة؛ أعمال تتنافى وأعمارهم وبأجر بخس تبدأ من ساعات النهار الأولى وتنتهي بحلول المساء المتأخر، وقت يسلب راحتهم الجسدية والفكرية فهم يعملون في جميع المجالات "أفران وورشات الحدادة والنجارة أو بيع الدخان والعلكة في الأزقة أو بين السيارات" معرضين أنفسهم للمخاطر.

أثناء دخولي أحد المطاعم التقيت الطفل السوري "فايز" 13 عاما، يعمل في المطعم في قلي السمك، وعندما سألته عن ساعات العمل أجابني أنه يعمل من الساعة التاسعة صباحا حتى التاسعة مساء وبأجر يومي 30 ليرة تركية في اليوم، أي ما يعادل 10 دولارات.

وعن صعوبة العمل يقول أنه يعاني من عدم توافق طوله والمقلاة، وأن أصابعه تتعرض لحرارة الزيت باستمرار حيث أنه وصل لمرحلة عدم الإحساس باللمس بأطراف أصابعه.

أما الأجرة ومدى كفايتها، فيرد ضاحكا بأنه بالكاد تكفي لشراء الدخان والمواصلات ولا يزيد إلا القليل.

"أحمد" 15 عاما و"وليد" 12 عاما، يعملان في تلميع الأحذية، وقد بدت آثار الطلاء على وجهيهما وهما يقومان بالتجوال في الطرقات يعرضون على الناس تلميع أحذيتهم مقابل بضع قروش لا تكفيهم قوت يومهم، وعندما صادفتهما كانا يعرضان على أحد أصحاب محلات الوجبات السريعة تلميع حذائه مقابل وجبة غذائية فوافق صاحب المحل بعد عدة محاولات عرض وطلب منهما.

آثار جسدية ونفسية

وفي "ساحة المدفع" التقيت "سيدرة" ذات التسعة أعوام وهي تضع أمامها ميزانا لقياس الأوزان وكانت تتوسل الناس أن يقوموا بقياس أوزانهم مقابل بضعة قروش، اقتربت منها وسألتها أنه من في عمرك هو الآن في المدرسة فأجابت: "أنا لم أذهب إلى المدرسة يوما ولا أعرف ما هي المدرسة؟". وعن عملها في هذا العمر تقول: "أنا آتي إلى الساحة مع بزوغ الشمس وأضع الميزان وأبدأ عملي من أجل إعانة والدي الذي يقوم بجمع النفايات من الحاويات مثل قطع البلاستيك والكرتون وغيرها".

المرشد النفسي "عليّ" يعمل في إحدى المنظمات المختصّة بالدعم النفسي للأطفال أطلعنا على مخاطر عمالة الأطفال في مجتمع اللجوء: "تنقسم الآثار إلى مشكلات صحيّة ونفسيّة؛ تتمثل المخاطر الصحيّة بإصابات العمل والشعور بالإجهاد السريع والتي تترك مجتمعةَ آثار صحيّة سلبيّة على الطفل تظهر التقدّم بالعمر، كما أنّ عمل الأطفال في سنّ مبكرة يؤثر سلباَ على المناحي النفسيّة للطفل فعوضا عن أن يكون له مقعد في المدرسة تجده في العمل وهذا من شأنه أن يضعف ذكائه ويؤثر على التوافق الشخصي والاجتماعي". ويضيف: لكن المشكلات الأكبر هي تعرض الأطفال للتحرش الجسدي وانعدام القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب، كما يتملّكه إحساس العبوديّة نتيجة ما يلقاه من عنف متواصل في عمله".

"أيد صغيرة وعبء ثقيل"، أزمة دفعت أطفال بعمر الورود للنزول إلى سوق العمل لإعانة أسرهم ناسين أن مقاعد الدراسة هي التي كانت يجب أن تنتظر قدومهم.

ولا تنحصر مشكلة عمالة الأطفال في التسرب المدرسي فحسب، بل في الاستغلال الاقتصادي أو التعرض للإصابات في العمل أو العنف الجسدي والمعنوي، فالمدرسة باتت الهم الأخير الذي يفكر فيه الطفل السوري الذي لم يعد يدرك خطورة تأثير العمل على حياته المستقبلية ما يتطلب من كل المؤسسات المحلية والدولية ذات الشأن التحرك نحو الحد من هذه الظاهرة الخطيرة.