أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)

أُقيم في دمشق مؤخراً وتحديداً في دار الأوبرا احتفالاً بحضور "أسماء الأسد" لتكريم المتفوقين بالأولمبياد العلمي السوري الحاصل في الشهر الجاري.

تضمن التكريم خطاباً تحدثت فيه عن فخرها بشباب سورية وثقتها الدائمة بالشباب الذي سيصنع مستقبل البلد، وشكرتهم على تحديهم الكبير وتفوقهم رغم كل مايجري.

أصبح من المعروف أن عائلة الأسد لا تأبه بكل ما يجري للشعب السوري من تهجير وتشريد وتدمير وهم المسببين له، ولكن ما لم يكن متوقعا أن تقوم "أسماء الأسد" بمثل هكذا استعراضات خطابية حول حب الوطن وتثمين جهد الشباب وضرورة العمل من أجل سورية، وغير ذلك فإن الفصل والتحيز بين الناس وتفضيل المتفوقين على المحرومين من التعليم ليس إلاّ تفكيراً مجرماً وظالماً بحق الأطفال السوريين الذين حرمتهم حرب الأسد هذه أقل حقوقهم وأهمها وهي التعليم.

وين كنا .. ووين صرنا

تبدأ خطابها بهذه الجملة وتنهيها بها محاولةً أن ترصد كم التطور والتقدم الذي بلغه شباب سورية اليوم وهم يقاومون الحرب على حدّ تعبيرها، مبجلة هذا التعب الذي قدمه المدرسون والمعلمون والتعب الذي تعبه الطلاب على أنفسهم. فلم يعد هناك إمكانية للمقاربة بين سورية الآن وسورية من قبل، معتبرةً أن هذا تقدم عظيم يجب شكر الطلاب عليه وحثهم على المتابعة.

ولكن بعيداً عن التبجيلات، ألاّ تبدو هذه السيدة مفصولة عن الواقع وغائبة عن كل ما يجري في البلد. فالسائل اليوم لسؤال "وين كنا ووين صرنا!" سيجد مفارقات كبيرة من شأنها أن تجعله يترك هذا البلد المدمر والذي تستمر العصابة الأمنية بتدميره. وتابعت مقاربتها الناقصة في شرحها لمعادل التفوق في الحرب متناسية القصف المستمر الذي يذهب ضحيته الأطفال كل يوم، والتجويع الذي أزهق روح أكثر من أربعين شخصاً جلهم من الأطفال في بلدة "مضايا" مؤخراً، وأن التفوق الحقيقي في الحرب بالنسبة للسوريين أصبح في قدرتهم البقاء على قيد الحياة لا تفوقهم في المواد العلمية المدرسيّة.   

ماذا قال الشارع؟

في محاولة لرصد انطباعات الشارع السوري حول الأولمبياد العلمي السوري وما إذا كان أبناء الشعب قد شاركوا فيه، أما أنه بقي حكراً على أبناء المسؤولين والضباط ومن لهم نفوذ، التقت مراسلة أخبار الآن في دمشق مع بعض الناس حول ذلك.

يقول "أحمد" 17 عاما، بأنه حصل في السنة الفائتة على درجة ممتاز في مادة الرياضيات ولم يتم استدعائه للتقدم إلى الأولمبياد، غير أنه كان يتمنى ذلك إلاّ أن مثل تلك النشاطات تبقى حكراً على الواصلين والمدعومين على حدّ تعبيره.

"لمى" 30 عاما، مدرّسة مادة الفيزياء في إحدى الثانويات في دمشق تقول بأنه لم يصلهم هذا العام أي قرار باختيار الطلاب المتفوقين للمشاركة بالأولمبياد العلمي.

أما الأستاذ "عمر" مدير مدرسة ثانوية في دير الزور يعمل مدرس رياضيات في دمشق، فيقول بأن إقامة مثل هذا الأولمبياد هو ظلم لكل طلاب سورية المتفوقين، ففي هذا الوقت لم يعد هناك جو ملائم للدراسة والتركيز، فالكثير من الطلاب فقدوا بيوتهم ومدراسهم والبعض الأخر اضطر للرحيل وترك البلد. ومن لا زال لديه هذه النعمة فهو مترف بكل تأكيد ولن يمنعه شيء من التفوق. لذلك هذا الأولمبياد حكراً على المترفين من أبناء البلد.

"أبو جمال" مدرّس سابق لمادة الكيمياء يصف كل ما قالته أسماء الأسد بالمهزلة، حيث لم يعد خافياً على أحد كيف تتم عملية اختيار الطلاب وإيصالهم للتكريم. هناك الكثير من الطلاب المتفوقين في سورية من المُجديّن يدرسون على ضوء الشمع ويذهبون لمدارسهم في البرد هؤلاء يستحقون التكريم أكثر من غيرهم.

عن أيّ تعليم نتحدث؟  

يعتبر قطاع التعليم من أكثر القطاعات تضررا في سورية اليوم، بعد أن أصبحت أكثر من نصف المدارس في عدة محافظات مدمرة وغير صالحة للتدريس، إضافة  لذلك هناك ما يتجاوز 2 مليون طالب سوري لم يعودوا قادرين على الالتحاق بالمدارس حسب منظمة "أنقذوا الأطفال" لأن أغلبهم اضطر لترك بيته وترك المدراس، وأخرين فقدوا بيوتهم وعائلاتهم، وكُثر منعتهم الظروف من التعليم. والكثير من الأطفال الذين ولدوا خارج سورية في أماكن فقيرة كأطفال المخيمات الذين لا تتوافر لديهم أقل الحقوق. هذا إضافةً لوفاة ما يقارب 18 ألف طفل سوري خلال قصف زوج السيدة "أسماء" للمدن السورية حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهناك الكثير من الأطفال الذين ولدوا في مخيمات اللجوء ولم ينعموا بحياة هادئة بعد. كل هذا حصل خلال خمسة سنوات أحرق فيها الأسد أحلام الكبار والصغار وتأتي اليوم زوجته لتقول بأنها فخورة.

في أيّ دولة نعيش؟

السؤال الأهم عند الجميع ما مصيرنا لو بقينا في سورية وتحت سيطرة النظام، فنحن بأيّ دولة نعيش؟. تقول السيدة "لينا" أخصائية نفسية: "فرص النجاح عند الأطفال في وقت الأزمات والحروب ممكنة ولكن تتطلب دعم وتشجيع من الأهل والمجتمع، وإلاّ سيفقد الطفل كل ما تعلمه وكل مهاراته، وبالنسبة للشباب الفائزين فهم بالتأكيد ليسوا من العائلات المتضررة ولا ممن تعرضوا للتهجير والتجويع حتماً. وقد خصت أسماء الأسد هؤلاء بتكريمها في الأولمبياد العلمي في الوقت الذي لم يعد عند النظام أمر يحفل به".

وتتابع "عبير" مديرة إحدى الثانويات سابقاً في حلب: "من الصعب التكهن بهذا الرقم الذي تحدثت عنه أسماء الأسد خلال خطابها، حيث اعتبرت أن إنجازها يتمحور حول ازدياد أعداد الطلاب المتفوقين في سورية، من أقل من مائة طالب في عام 2006 إلى أربعة وستين ألف طالب هذا العام. فهذه أرقام خيالية لا يمكن تصديقها. ففي ظل التهجير والموت والنزوح تضائل عدد الطلاب وعدد المدارس".

حافظ بشار الأسد من المتفوقين

من المثير للسخرية أن الابن البكر لبشار الأسد من بين الشباب المتفوقين والمكرميّن في الأولمبياد، كيف لا وهو ابن الحاكم وهذه المسابقة مقامة على شرف والدته، وكيف لها ألاّ تفخر بأبنائها المتفوقين وتصفهم بأمل الوطن ونوره بعد العتمة.

أشار الناشط الإعلامي "أحمد فواز" إلى ضرورة تتبع حركات وانطباعات الشباب المكرميّن خلال خطاب أسماء الأسد، فمن المؤكد أنهم يشعرون بالملل خلال وقوفهم مصلوبين هكذا وقد وضعت على رؤوسهم الأكاليل لتمنحهم صفة القداسة؛ صامتون  ممنوعون من الكلام والحركة، هذا غير الحملة التفتيشية التي تعرضوا لها قبل الدخول إلى المسرح.