أخبار الآن | ريف دمشق – سوريا (ورد مارديني)

تعاني السيدات الحوامل في الغوطة الشرقية من ظروف يومية وصحية قاسية، حيث إن أغلبهنَّ لا يستطعن تأمين الضروريات من غذاء ودواء، وهو ما يؤثر سلبا على صحتهن و صحة الأجنّة.

معاناة الحمل في ظل الحصار

"ثراء" أم لأربعة أطفال والخامس سيأتي قريبا، تحكي معاناة حملها في ظل الحصار الشديد الذي فرضته قوات النظام على الغوطة الشرقية منذ ما يقارب الثلاث سنوات:

"هذا أصعب حمل مررت فيه بحياتي، فقد ولدت قبل ذلك أربعة أطفال، لكنني أشعر أنها المرة الأولى التي أحمل فيها، فمضاعفات الحمل معي خطيرة والسبب الرئيسي لذلك هو ارتعادي الشديد من أي صوت أسمعه خاصة صوت الطائرة، عندما أسمعه أشعر بالضعف فأنا لا أستطيع حماية نفسي ولا جنيني ولا أطفالي. تراودني أفكار ووساوس كثيرة طيلة الوقت وأكثر سؤال يراودني: ترى هل سأعيش وأرى طفلي بصحة و عافية؟ فالموت يلاحقنا في كل مكان، كما أنه يحاصرنا رغم حصارنا".

وتضيف: أعاني من فقر دم شديد كما أن هناك الكثير من المأكولات اشتهيتها فترة حملي ولم أجدها في بداية الحمل، كالليمون والموز والدجاج، أنا الآن في شهري الثامن والحمد لله دخلت هذه المواد إلى الغوطة لكن بأسعار خيالية، زوجي عاطل عن العمل وليس بمقدوره أن يشتريها كما أن أطفالي الصغار أولى مني بالطعام،  يكفي أنهم حرموا من هذه المأكولات ولم يعرفوا طعمها حتى يشتهوها، فهم لا يعرفون إلا ألوان الفواكه وأشكالها، أما نحن فقد أكلناها كثيرا في صغرنا لكن بشار حرمنا منها و نحن كبار".

نقص المستلزمات والمشافي

وعلى الرغم من قسوة الظروف ومرارة الحياة، نرى عددا كبيرا من الحوامل في الغوطة الشرقية وهدفهن هو التعويض عن الشهداء الذين يموتون يوميا، إما على الجبهات أو قصفا أو جوعا أو حتى قهرا.

عدد النساء الحوامل لا يتناسب أبدا مع عدد الطبيبات المختصات بالتوليد، ما جعل عدد من الطبيبات يقمن بتعليم بعض النساء طريقة التوليد عن طريق دورات عملية تحت إشرافهن وتمكّنَّ من تخريج عدد من القابلات.

"أم أيمن" إحدى القابلات المتميزات في الغوطة الشرقية، وأغلب النساء تقصدها، تتحدث عن عملها قائلة: "ضغوط كبيرة تواجه كل امرأة حامل في الغوطة الشرقية،  وأنا كقابلة لا يقتصر دوري فقط على توليدها، فمن واجبي تقديم الحنان والرعاية لها  كي تنسى وجعها وألمها قليلا فيكفيها ألم لولادة، لذلك أحاول أن أنسيها ألمها قليلا ببعض العبارات "كوني قوية، اعتبريني مثل أمك، نحن معك لن نتركك، ابنك بخير، إنه يشعر بك" هذه العبارات تخفف عليها ضغوطاتها النفسية وآلامها الجسدية كما أنها تعطيها جرعة من الحنان الذي نحتاجه جميعا".

قصف وتلوث .. أطفال مشوّهون

ومن العقبات التي تواجه الطبيبات والقابلات في المشفى ولادة طفل مشوّه، هنا يسيطر الحزن على الكادر الطبي فهن لا يملكن إلا بضع كلمات التي يواسين بها أمه.

أغلب حالات التشوه تنتج عن استنشاق الأم للغازات الكيماوية أو غاز الكلور أثناء فترة حملها وبعض الحالات تنتج عن قلة الغذاء، وهناك أسباب طبية أخرى للتشوهات الخلقية.

تعلق "أم أيمن" على هذا الموضوع: "خلال عملي واجهت عددا من الأطفال المشوهين، بعض الأمهات تكون على دراية بوضع طفلها لكن الموقف الأصعب عندما تفاجأ الأم بولادتها لطفل مشوه، هنا لا نستطيع إلا أن نخفف عنها ونواسيها ببعض الكلمات لكن صراحة أغلب الأطفال المشوهين خلقيا لا يعيشون فترة طويلة وأحيانا يموتون فور ولادتهم".

ازدياد حالات الإجهاض والوفيات

تدني المستوى المعيشي وفقدان الأمن والاستقرار وظروف الحرب القاسية التي تعاني منها النساء في الغوطة الشرقية، انعكست بشكل كبير على الحالة الصحية العامة للنساء، فازدادت حالات الإجهاض بشكل ملحوظ، كما ازداد عدد الوفيات سواء من النساء الحوامل أو الجنين قبل الولادة، بسبب سوء التغذية أو الأمراض والأوبئة التي انتشرت مؤخراً. كما أن تراجع الخدمات الطبية، والفقر ونقص التغذية، والخوف والرعب والنزوح، وارتفاع نسب التلوث البيئي بكل أشكاله، إضافة إلى الضغوط النفسية وازدياد حالات الزواج المبكر، أسهمت مجتمعة في التسبب بباقة من الأمراض والمشاكل الصحية التي أصبحت شائعة عند النساء في مراحل الحمل والإنجاب.

"سمية" طبيبة نسائية تعمل في أحد المشافي المتخصصة بالأمراض النسائية وعمليات الولادة، حدثتا عن موضوع الحمل والإنجاب بقولها: "لقد ازدادت حالات الإجهاض بشكل كبير بسبب الخوف والرعب، والتنقل المفاجئ هرباً من القصف، والإصابة بأمراض تسمّم عديدة تعود في معظمها لعدم نظافة الأغذية وعدم إجراء التحاليل المناسبة والبدء الباكر بالمعالجة منها، كما زادت حالات الإجهاض بسبب الخوف المستمر والتوتر الكبير الذي تعاني منه كل امرأة حامل في الغوطة الشرقية".

وتضيف: من الواجب والضروري أن يستقبل المولود حياته بصحة جيدة، وأن يعيش في بيئة آمنة بعيدة عن أجواء الرعب والجوع والمعاناة، لذلك أصبح من الضروري جداً إيجاد الحل المناسب لتوفير العناية الكافية للمرأة وتأمين كافة متطلباتها خلال فترة حملها، ونحاول في هذا المشفى المتواضع العناية بالمرأة وجنينها وتأمين ما يلزمها من عناية طبية ونفسية وأدوية ومكملات غذائية للمرأة وجنينها وتوفير الفحوص الطبية الأولية اللازمة للأطفال حديثي الولادة وتأمين الأدوية اللازمة لهم كخطوة هامة في طريق رعاية الطفل وتوفير ما يحتاجه من غذاء ودواء، وتأمين أبسط حق من حقوق المرأة والطفل وهو حق الحياة والعيش بأمان .