أخبار الآن | ريف حماة – سوريا (وضحى عثمان)

في عام 1991 قال لي الدكتور "خضر"، وهو أحد دكاترة كلية العلوم في حماة: ما يلفت انتباهي بشكل كبير، هو أن هناك أعداد كبيرة من الطلاب الجامعيين القادمين من ريف حماة حتى أن نسبتهم أكبر من أبناء المدينة. قلت له حينئذ أن الريف في مدينة حماة يمتاز بالاهتمام بالتعليم بشكل كبير جدا، حتى أن الأم التي لا تجيد القراءة والكتابة لا تقبل أن يكون أولادها غير متعلمين. وقتها شعرت بسعادة كبيرة لأنني انتمي إلى ذلك الريف.

اليوم وقفت وأنا أنظر بحزن إلى تلك المدارس المدمّرة وأتذكر كلام الدكتور خضر الذي مضت عليه سنوات طويلة.   

لقد طال الدمار مدارس ريف حماة بشكل كبير بفعل طيران النظام الحربي مما هدد مستقبل جيل كامل بالضياع. عشرات المدارس دمرت ولم يبق منها سوى بعض الأثاث المكسّر ولوحات لأسمائها.

تضرر التعليم في الريف الحموي

كان قطاع التعليم هو أكثر القطاعات تأثرا بظروف الحرب في سورية، وحماة بطبيعة الحال، فمعظم الأهالي توقفوا عن إرسال أبنائهم للمدارس خوفا على حياتهم لأنها باتت هدفا شبه يومي للطائرات. إضافة إلى تحوّل تلك المدارس إلى مكان مشاع للجميع، وما تبقى من تلك المدارس تحول الى قواعد ومقرات ومأوى للأسر المشردة. فبفعل القصف الممهنج الذي يطال المؤسسات التعليمية تضرت نسبة 80% من مدارس الريف.

وزاد المشكلة تعقيدا هو انقطاع رواتب المدرسين مما اضطرهم لهجر قطاع التعليم والبحث عن عمل جديد يؤمن لهم متطلبات الحياة، في ظل غلاء غير مسبوق.

يقول "حسان حموية" المسؤول عن المؤسسات الخدمية في ريف حماه الشمالي لأخبار الآن: "إن القصف المركز على المؤسسات بشكل عام، والمدارس بشكل خاص، تسبب بشلّ العملية التعليمية في ريف حماه المحرر .. فنسبة الكوادر التعليمية التي هاجرت وفرَّت بأرواحها طلباً للأمان تتجاوز 75 %، ونحن بحاجة للكوادر التعليمية والمكان الآمن لكي نبدأ بترميم هذا القطاع".

جهود تطوعية لإنقاذ التعليم

لكن رغم تلك الظروف ظهرت بوادر من بعض المدرسين لإنقاذ العملية التعليمية، كمحاولة منهم لإعطاء منهاج مبسط لمن تبقى من الطلاب، ضمن تجهيزات بسيطة.

وقد عمد بعض المتطوعين إلى إنشاء ما يشبه "الكتاتيب الدينية" التي تركز على تعليم القرآن الكريم واللغة العربية.

وعند تجولي في مدينة "كفرزيتا" التقيت بأحد الأطفال الذي استغل هطول الأمطار وخرج ليلعب في الشارع، فسألته عن مدرسته وأحلامه، فأشار بيده إلى الشارع المجاور وقال: "هناك كانت مدرستي، كنت أذهب إليها كل يوم، لكنها اليوم مدمرة بشكل كامل"، سألته إن كان يتلقى دروساً من أحد، فاصطحبني إلى أحد الأقبية الذي أصبح مكاناً لحلقة تعليمية مبسطة.

يقول "مصطفى يوسف" رئيس اللجنة التعليمية في مدينة كفرزيتا: "لقد قمنا بإبلاغ جميع العائلات المتواجدة بالمدينة بضرورة إرسال أطفالهم إلى الأماكن التي تراها إدارة اللجنة، لما في ذلك من مخاطر لا تهدد مستقبل جيل واحد فحسب بل تهدد مستقبل بلد كامل، وتقاعسنا عن القيام بمهامنا وواجبنا تجاه الأطفال يعتبر تعاوناً مع النظام، الذي يتقصد تدمير الأجيال وإفشال الثورة عبر تغييبها عن العلم الثقافة".

ويضيف: "نحن نقوم بإعطاء مواعيد لذوي الأطفال عبر الأجهزة اللاسلكية عند خلو الأجواء من الطيران، و ما نهدف له مستقبلاً هو ترميم المدارس الأقل تضرراً من غيرها، آخذين بعين الاعتبار احتياط الأمان".

أحلام الجيل في مهب الريح

مقتنيات المدارس ردمت بشكل كامل تحت الركام، ولم يبق سوى الأطلال شاهداً على هذه الجرائم، فعشوائية القصف لم تستثن منزلاً أو مسجداً إلا ودمرته ودثرت تحته الكثير من الأحلام.

بالقرب من ركام إحدى مدارس الريف الحموي "مدرسة الشهيد حمدو الحسن" وقفت أنظر بحسرة إلى ما تبقى منها، هنا التقيت بالطفل "ياسر" الذي كان ينظر إلى المكان بحسرة شديدة والدموع تملأ عينيه.

بدأ ياسر الحديث معي: "هنا بنيت أحلامي بأن اصبح مهندسا، أرتدي قبعة فوق رأسي وأصمم مبان جميلة ومدارس ومشافي وجامعات. عندما استشهدت عمتي حزنت عليها كثيرا ولكن عندما دمرت مدرستي شعرت بحزن أكبر، لقد ماتت أحلامي تحت هذا السقف المدمر".

ياسر نموذج لما حل بأطفال سوريا، كارثة تدمر جيلا بأكمله مع عدم وجود فرصة لإكمال تعليمهم. أكثر ما يعيق هؤلاء الاطفال الذين تحولوا إلى عمال بأجسادهم الصغيرة من أجل تأمين قوت أهاليهم والحسرة تملأ قلوبهم .

هذا هو حال التعليم والمدارس في الريف الحموي بعد خمس سنوات من الحرب، مدارس مدمرة خاوية من الطلاب يعاد قصفها بشكل شبه يومي، فيدمر المدمر فيها.