أخبار الآن | دمشق – سوريا (نور حمزة)

ليس هناك اليوم أصعب من أن تمارس نشاطا في العاصمة السورية دمشق، تخرج من البيت بعد فاصل من التخويف والتحذير والتنبيهات من الأهل، لتصل إلى المكان المحدد لعرض مسرحي بات موعده الخامسة عصرا بدل الثامنة أو التاسعة كما كان من ذي قبل.

أصل إلى شارع 29 أيار، أمشي متعرجة بين الحواجز على طول مسافة الرصيف التي توصلني إلى "مسرح القباني" وأتحضر لـ "سكتة قلبية".

قبل ذلك يجول في خاطري سؤال عن جدوى حضور مسرحية في هذا الوقت من الدمار، وقت بدت فيه سوريا وكأنها خشبة مسرح بأدوار مختلفة للجميع.

"الأزمة القلبية" السورية!

يختصر مواطن سوري كل حكايات الألم والمعاناة التي عايشها السوريون على مدى خمس سنوات؛ قتل وتهجير وهموم لم تنته بعد.

في نص وتمثيل "جهاد عبيد" وإخراج "منصور نصر" يتحرك على خشبة المسرح ممثل وحيد "عرض مونودرامي"* ليحكي لنا قصة "أبو اسماعيل" المواطن السوري الذي يقع في حالة بين الموت والحياة، بعد أن أُصيب بسكتة قلبية في الحرب.

تبقى بندقية "أبو اسماعيل" وجهاز اللاسلكي هي مكونات وجوده منتظرا أوامر مجهولة من غرفة العمليات. وفي الانتظار، يبحث أبو اسماعيل عن أسباب أزمته وهو يعيش في قبو مظلم يحاول فيه الإجابة عن سؤال مصيره. تختلط التحليلات وتتداخل لتوحي بعدم فهمه لما يجري حوله. ونكتشف أنو وجوده كمقاتل كان بمحض الصدفة وبسبب الظروف التي تفرض على المواطن قبول العنف!.

إحالة ومقاربة أصبحت متكررة وممجوجة، فسوريا تعرضت لسكتة قلبية "الأزمة!" ودخلت في نفق معتم تبحث عن مصيرها وخلاصها.

وسط المسرح في الخلفية ميزان لم يعتدل يوما منذ بدء الحضارة البشرية، يطيح بالسوري يمنة ويسرة حين يسائله عن مصيره وعن كم الآلام التي تكبدها ولا يزال كل يوم "يطلق الممثل النار عليه في مشهد النهاية"، وثمة كتاب ومجسمات لبندقية وجهاز لاسلكي وسط إضاءة خافتة.

"سكتة قلبية" .. في دمشق

جمهور متثائب

وبينما يرى المخرج "نصر" أن العرض هو محاكاة لما يعيشه الإنسان في سوريا اليوم من حياة صعبة وأنه يطرح سؤالاً حول المغزى الكامن وراء إراقة هذا الدم السوري، فإن العرض يجيب على هذا السؤال كما رواية النظام عن الثورة بأن هناك أياد خفية ومؤامرة حكمت على السوريين سفك الدماء، وكأن النظام برئ من دمنا الذي يسفك كل ساعة!.

اللافت في العرض كان عدم تفاعل الجمهور المتواجد، على قلته، وربما يعود ذلك إلى الخطاب المتكرر، الغائم والباهت، في كل الأعمال الفنية السورية التي تناولت الأحداث منذ بداية الثورة. وقد يكون الأداء الهزيل للممثل هو سبب آخر، فقد اختار نوعا من المسرحيات التي تتطلب ممثلا محترفا بقدرات كبيرة، وليس كما ظهر الممثل "جهاد" في أداء يعيدنا إلى مسرح الهواة.

لكن عبثية الحرب التي يعيشها السوريون اليوم لم تكن "سكتة قلبية" مطلقا، فعلى مدار ساعة وربع الساعة يحاول العرض المسرحي إيصال فكرة أن ما تراه خارج هذه الصالة هو عبارة عن "أزمة" ومرض أصاب جسد سوريا، لذلك عليها أن تبحث عن طريق الحياة والخروج من الأزمة.

صحيح أن العرض لم يشر أو يحمل أي من الأطراف مسؤولية الحرب التي تعيشها سوريا اليوم، لكنه بالتأكيد لم يقصد تلك الحواجز والمظاهر العسكرية التي ترافق كل خطواتك وأنت في طريقك للوصول إلى العرض المسرحي في عنوان يحمل من اسمه الكثير، وربما تشكر الله أن انتهى العرض المداهن وخرجت دون أن تصيبك "سكتة قلبية".

* عرض مونودرامي

المونودراما فن يعتمد على ممثل واحد لأداء العرض المسرحي، تكون الحوارات عبارة عن مونولوجات متداخلة