أخبار الآن | أوربا – متابعات (تالا جابر)
لم يحن الوقت بعد لينسى السوريون بحراً تحول إلى كفن، عشرات منهم لفظوا أنفاسهم الأخيرة على مياهه، ومئات آخرون ستعشش المأساة في ذاكرتهم لسنواتٍ قادمة، اعتقد عصام أن الطريق بين تركيا واليونان بدايةً للحياة لكنه ما لبث أن تحول لطريق موت.
الصدفة وحدها تتحكم بمصير الهاربين من جحيم الحرب في سوريا التي لفظتهم إلى مصيرٍ مجهول وسط البحر المتوسط، وفي اللحظة التي يبحث فيها الجميع عن خلاصهم الفردي ستجد سورياً ينقذ حياة أكثر من أربع أشخاص بينهم طفلة ويقطع البحر ذهاباً وإياباً عدة مرات ليوصلهم إلى البر اليوناني.
المنقذ عصام القنطار
الشاب "عصام القنطار" مواليد 1984 من محافظة السويداء يدرس إدارة أعمال، انطلق من الشواطئ التركية متجهاً إلى اليونان عبر قاربٍ مطاطي كان من المفترض أن لا يضم أكثر من 30 شخص حسب ما وعد المهرب الذي تقاضى 1250 دولار عن كل شخص، لكن تفاجأ عصام ومن معه بأن عدد الراكبين تجاوز 50 شخص.
ويقول عصام: "في لحظة الانطلاق لا يمكننا التراجع، والمهرب في هذه اللحظة يفرض شروطه، كنت على يقين أن أمراً ما سيحدث، ونحن في وسط البحر توقف البلم عن العمل، وبدأت المياه تتسرب إلى داخله، وبدأت أصوات الصراخ تتعالى من النساء والرجال، فالجميع هنا كان يعتقد أن موته بات محتوماً وسط البحر، غرق البلم بالمياه وتناثرنا على وجه البحر، البعض يعرف السباحة والبعض الآخر كان مكبلاً بستر النجاة لا يعرف ماذا سوف يفعل".
ويضيف عصام: "أنا متمكن من السباحة، في البداية نظرت إلى أخي "يزن" الذي يرافقني في الرحلة لأطمئن عليه، هو يستطيع السباحة قليلاً، سألته إن كان بحاجةٍ لمساعدتي أجابني أنه سيتدبر شؤونه، حاولت قدر الإمكان أن أتمالك أعصابي وأتصرف بهدوء وحذر، فحياتنا جميعاً رهناً للصدفة والاحتمالات، بدأت بمساعدة الناس في البداية أنقذت فتاتين وشابين وطفلة صغيرة، أوصل كل واحدٍ منهم على حدى إلى الشواطئ اليونانية ثم أعود لأسبح بشخصٍ آخر، هناك أشخاص لا يعرفون السباحة ساعدتهم على الوصول لشخصٍ يجيدها".
مواقف درامية
ويروي لنا عصام أحد المواقف الصعبة التي واجهها في الساعات الفاصلة بين الحياة والموت تلك حيث يقول: "كنت أسبح بفتاةٍ ترتدي سترة نجاة، وأريد الوصول بها إلى الشاطئ اليوناني، لكنني شاهدت طفلة عائمة على وجه البحر، لم أعرف كيف سأتصرف، قالت لي الفتاة أن الطفلة أهم منها لكنني أوصلت الفتاة ثم عدت إلى الطفلة".
ويضيف عصام "هي لحظات لا يمكن وصفها بكلمات، حتى الآن أنا لا أصدق ما حدث معي، ما زلت أعيش تحت وقع المفاجأة، أنا لم أفعل أي شيء أسطوري، فأي شخص كان في مكاني سيتصرف نفس الشيء".
عصام الذي كان يعيش وعائلته في عدرا العمالية، خرج منها بعد الأحداث التي شهدتها عائداً إلى بلدته "داما في محافظة السويداء" والتي شهدت هي الأخرى معارك اضطر لإخراج عائلته منها إلى السويداء، ورفض ترك داره في داما، حتى تهدمت أجزاء منها بفعل القذائف، ما اضطره إلى تركها. لم يستطع عصام إكمال دراسته بسبب الظروف المعيشية القاسية التي يعانيها السوريون عموماً، هو ما دفع به وأخوه إلى البحث عن وسائل للسفر.
لم تنته رحلة عصام بعد فهو اليوم في بلغراد، ينتظر العبور إلى ملجأ آمنٍ في أوربا، شأنه شأن مئات السوريين الباحثين عن حياةٍ أقل بؤساً مما يعانوه في بلادهم.