أخبار الآن | السويد – متابعات – (عادل سليمان)

كثيرة وقاسية هي قصص النصب والاحتيال التي يتعرض لها السوريون الحالمون بالهجرة إلى أوروبا. ولا شك أن أكثر تلك القصص قسوة هي تلك التي تأتي ممن هم أهل ثقة، أصدقاء أو أقارب، وتزيد قسوتها عندما نعلم أن من تعرض لها هو أكثر من يحتاج إلى المساعدة.

ثلاثة أخوة من مدينة القامشلي شمال سورية اتخذوا قرار الهجرة بعد أن أُغلقت في وجوههم كل أبواب الحياة في سوريا، شابان وفتاة حزموا أمرهم بعد الوعود الكبيرة التي تلقوها من ابن عمهم المقيم في تركيا.

رحلة المفاجآت

وصل كل من علاء وهيثم وعلا إلى تركيا وكان في استقبالهم ابن عمهم شهاب، والذي كان وعدهم بتأمين كل ما يحتاجون حتى وصولهم الى ألمانيا، حيث اتفقوا على طلب اللجوء فيها كونها تقدم العلاج المجاني لهيثم المقعد بسبب حادث تعرض له منذ سنوات جعلته مُقعدا على كرسي متحرك.

دفع الأخوة الثلاثة مبلغ 20 ألف دولار لابن عمهم على أن يتحركوا في غضون أيام. وفي انتظار يوم الانطلاق بدأ شهاب بالتهرب والاختفاء ثم العودة وتقديم التبريرات بأن طريق التهريب تعتمد على السير الطويل وهو ما يمكن أن يعيقهم بسبب وجود "هيثم".

استمر الوضع على هذه الحال لعدة أسابيع، وقد بدأ الأخوة يشعرون بأن في الأمر خدعة، ففي كل يوم تخرج قوارب الهجرة ويسمعون عن أشخاص ومعارف غادروا دون الحاجة للسير ما دام الخطة هي السفر بالطائرة. فقاموا بالضغط على شهاب وطالبوه بالنقود بحجة أنهم وجدوا من يستطيع إخراجهم.

وبعد عدة مشادات بينهم وبينه أعاد لهم جزءا من المبلغ على أن يستكمل الباقي خلال أيام.

اتفق الاخوة على أن تسافر شقيقتهم علا وحدها إلى اليونان وتنتظر حضورهم لعلهم بذلك يختصرون بعض الوقت. عاد شهاب إلى المماطلة بعد سفر الأخت، ومرت عدة أسابيع اخرى فاضطرت علا للسفر إلى المانيا، وسافر الشابان بعد ذلك إلى اليونان بعد أن يأسوا من استعادة النقود من شهاب، متعهدا لهم بالمساعدة في مغادرة اليونان.

اليونان العقدة الأصعب

وصل الشابان إلى أثينا بعد معاناة كبيرة، خفف من وطئها وجود هيثم، فقد تعامل معهم البوليس اليوناني بكثير من الرفق، ورغم ذلك فقد استغرقت رحلتهم حوالي الأسبوعين لتبدأ فصول جديدة من المعاناة، فما تبقى معهم من نقود لا يكفي لمغادرة اليونان جوا، وطريق البر فيه الكثير من الصعوبات حتى على الأصحاء جسديا، ورغم ذلك فقد حاولوا أكثر من مرة وتعرضوا للخداع من أكثر من مهرب.

محاولتهما الأخيرة كانت السبب في اتخاذ هيثم قرار العودة إالى سوريا مهما كان الثمن، فبعد ان اتفقا مع أحد المهربين على نقلهم إلى مقدونيا بواسطة سيارة نقل وتعهد لهم بعدم الحاجة للسير مطلقا، قام بإنزالهما بالقرب من الحدود المقدونية على أن يعود لأخذهما بعد فترة قصيرة، وحجته تغيير طاقم حرس الحدود المقدوني.

قضى الشابان الليلة في العراء وسارا ما يقارب الساعتين الى أن وصلا الى إحدى القرى اليونانية ومنها عادا الى أثينا.

هذه التجربة أكدت لهيثم بأنه لن يتمكن من مغادرة اليونان، وأن وجوده سيشكل عائقا في وجه علاء الذي يرفض تركه وحيدا.

عندما يبتسم القدر

حدثت مشادة بسيطة بين علاء وهيثم الذي كان يرفض بشكل قاطع عودة الأخير إلى سوريا. وبين رأيين بالعودة أو المضي نحو أوربا ارتفع صوتهما في صالة الفندق الصغير الذي يقيمان فيه، قاطعت حديثهما امرأة يبدو من ملامحها أنها عربية.

"أنتما من سوريا أليس كذلك؟" بادرتهما بالسؤال واعتذرت على استراقها السمع للحوار الذي دار بينهما ثم وجهت حديثها إلى هيثم  قائلة: "أنا سورية وأقيم في الدانمارك منذ سنوات، لقد استمعت إلى حديثكما، وأعتقد أنني بمقدوري مساعدتك".

لم يبدي الشابان رد فعل محدد، فتابعت المرأة كلامها: "ابني في مثل عمرك وهو يشبهك كثيرا"، وأخرجت من حقيبتها جواز سفر سوري وأعطته لهيثم، الذي بدت على وجهه علامات الدهشة عندما نظر الى الصورة في جواز السفر، تابعت المرأة: "أنا سأغادر أثينا خلال أيام يمكنك أن تأتي معي باستخدام جواز سفر ابني وإقامته".

لم يصدق الشابان أن كلام المرأة صحيحا وجادا، فقد تم الاحتيال عليهما من قبل ابن عمهما.

في اليوم التالي أيقظتهما في الصباح لتخبرهما بوجوب الذهاب معها لحجز بطاقة الطيارة.

بعد عدة أيام غادر هيثم أثينا برفقة المرأة الغريبة باتجاه الدانمارك، سلمها جواز السفر والتحق بمخيم اللاجئين.

اليوم هيثم يتابع علاجه هناك، ثم تبعه شقيقه علاء بعد فترة عن طريق التهريب برا، وقد استقرا هناك. أما الأخت فقد قدمت طلب اللجوء في ألمانيا.

لا يزال هيثم حتى اللحظة يتساءل: من هي هذه المرأة الغريبة، ولماذا كانت تحمل معها أوراق ابنها "جواز سفره وإقامته" وأين هو؟!

تساؤلات ربما لن يجد هيثم لها إجابات واضحة سوى القدر الذي يبتسم أحيانا للسوري ومأساته بعد المصائب المتوالية التي حلت عليه.