أخبار الآن | دير الزور – سوريا – (زينة العلي)
يعد حي الجورة في مدينة دير الزور من أشهر الأحياء التي عانت ولا تزال من عنف النظام و "داعش" على حد سواء.
يُعتبر الحي الأكثر ازدحاما بالسكان في المدينة، حيث هاجر إليه الكثير ممن كانوا في الأحياء الأخرى التي أصبحت تحت سيطرة الثوار ثم سيطرة "داعش" أو من الذين نزحوا إلى محافظات ثانية كالرقة، ثم عادوا إلى مدينتهم هربا من أساليب وحشية "داعش".
مصائر درامية
أم خليل، سيدة من السكان الأصليين لحي الجورة، عاشت مع زوجها وأبنائها الثلاثة منذ بداية الثورة وعانت من العنف المتزايد من قبل النظام وأذرعه الأمنية ثم من وحشية "داعش" وتجاوزاتها.
تختصر هذه السيدة مدينة بأكملها، بكل الحياة والموت والمعاناة التي لا تزال تختبرها دير الزور حتى اللحظة.
حين بدأ الحصار الذي أطبقه "داعش" على المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام وهما حي الجورة والقصور كانت أم خليل حاملا بطفلها الرابع.
يروي لنا زوجها كي كانت معاناتها في هذا الحمل قائلاً: "كُسرت قدم أم خليل وهي تقوم بأعمال المنزل، وقد أخبرنا الطبيب في المشفى العسكري، وهو المشفى الوحيد المتبقي في المدينة، بأن وضعها خطير وذلك بسبب الحمل ونقص الكلس في جسدها، ونصحنا بأن تكثر من شرب الحليب لكنه لم يكن متوفراً أبدا، وإن توفر فسعره غال جدا وليس لدينا الامكانية لشراءه، لذا تأخر جبر كسرها".
يتابع أبو خليل والغصة في قلبه: "لدينا ثلاثة أولاد أكبرهم خليل وهو في السنة السابعة من عمره وغادة ومحمد. كنتُ قد أصبتُ منذ فترة بشظية قريبة من عيني، ونقلتُ بالطائرة الى دمشق كي أتلقى العلاج وهناك تمكنتُ من شراء بعض حليب البودرة وإحضاره لزوجتي وجنينها".
بدأ بطن أم خليل يكبر، والحصار يزداد شدة ووحشية، وأصبحت الأسرة نأكل الحشائش، فأبو خليل موظف بسيط لا يملك إلا ثمن الخبز في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية.
يقول: "كنا ندعو الله سبحانه أن يحفظ الجنين وأن لا يموت أو يحدث له مكروه في بطنها بسبب قلة الغذاء إضافة لانقطاع التيار الكهربائي والماء أيضا لفترات طويلة".
رغم كل هذه الظروف السيئة والمخاوف على الجنين إلا أنه بقي متمسكاً بالحياة.
"كنا أنا وأم ابراهيم وبعض الجيران جالسين على عتبة منزلنا، كما نفعل دائما هربا من حر المنازل حين سقطت قذيفة في المكان، لم أتمكن من استطلاع الأمر، الغبار غطى المكان مع صراخ الأهالي، لم أسمع صوت أم ابراهيم لكن الدم غطى المكان، أصبت بقدمي ويدي ببعض الشظايا البسيطة، لكن أم خليل تلقت الشظية في صدرها وفي قدمها أيضا".
استطاع أبو خليل إسعاف زوجته وإيصالها الى المشفى وهي في الرمق الأخير، ركض الطبيب وبعض الممرضين ليأخذوها الى غرفة العمليات. وبعد ثلاث ساعات خرجت ممرضة تحمل طفلاً بين يديها، وضعته في حضن الأب: "كان نزيف صدرها قوياً وبنيتها ضعيفة، تمكنّا من إنقاذ الجنين فقط".
دير الزور بين حصارين
"أم مريم" شقيقة أم خليل تقول بحرقة: "تكثر القذائف هنا، قادمة من الأحياء الواقعة تحت سيطرة "داعش"، قذائف عشوائية تسقط كيفما اتفق، ولا تميز بين مدني وعسكري. وهم بذلط يتشابهون مع النظام الذي يقصف الأحياء الأخرى. ولو كان "داعش" يملك الطائرات ربما لأمطرنا بالصواريخ أيضاً".
تتابع أم مريم رواية قصة استشهاد أختها: "خرج الطفل من جسد أمه وهو بكامل عافيته، حتى أن وزنه كان جيدا جدا نسبة الى قلة الطعام التي كنا نعاني منها. كان طفلاً هادئاً، لم يصرخ حتى أثناء عزاء أمه، الذي لم يتمكن أحد غيري من إخوتها حضوره، فوالدتي وقسم من إخوتي كانوا في الأحياء الواقعة تحت سيطرة "داعش"، يفصل بيننا بالعادة خمس دقائق من الوقت، لكننا اليوم منقطعين عن بعضنا بحصار وأرض مقسومة بين الطرفين وعنفهما، كل منهم يفرض قوانينه وسلطانه، أما الأهالي فقد تغرّبوا في تركيا أو نزحوا إلى مدن سورية أخرى".
تشهد سوريا عشرات الحالات المشابهة يوميا، قتل واختفاء ومآسي يعمل السوريون على تسجيلها ربما يستطيع الجيل الجديد أن يحكي قصة الثورة العظيمة التي ستبني سورية الحرة. ومن يدري، فربما يكون الطفل الوليد الذي استشهدت أمه هو أحد رواة حكاية التضحيات التي فاقت حدود الخيال.