أخبار الآن | حمص – سوريا – (يوسف أبو يعقوب)
خلّفت الحرب التي يشنها النظام منذ ما يقارب الخمس سنوات على الشعب السوري، تشوهات كبيرة على المستوى النفسي والجسدي. ونالت بعض المدن والمناطق النصيب الأكبر من العنف المتزايد للنظام.
يوجد في مدينة حمص وريفها، نتيجة لتحمّلها عددا لا يحصى من القذائف جراء القصف العشوائي، أعدادا كبيرة من المفقودين والمشوهين جسديا. فمن لم يطاله الموت تعرض لفقدان أجزاء من جسده كاليدين أو القدمين.
ورشة الأطراف الصناعية
هنا في ريف حمص الشمالي، في قرية "تير معلة"، نشأت ورشة لصناعة الأطراف الصناعية كبادرة ﻹعادة الأمل لمن فقد طرف من أطرافه ومساعدته على النهوض من جديد لمتابعة حياته. وهي بذلك تلبي احتياجات العشرات من المصابين في ظل حصار المنطقة، مع غياب المؤسسات والهيئات المختصة بهذا المجال.
أبو حسام "فاروق نور الدين" من سكان مدينة حمص وبعد خروجه من حصار مدينة حمص القديمة إلى ريف حمص الشمالي بادر ﻹنشاء ورشته الصغيرة في أيلول الماضي محاولا تصنيع أطراف بديلة لمن فقدوا قدما أو يدا لمساعدتهم على قضاء حاجياتهم اليومية دون الإحساس بالعجز.
وجد أبو حسام حالات بتر بأعداد كثيرة في المنطقة، وبحالات ودرحات مختلفة. وبحكم عمله السابق بتصنيع القوالب المتنوعة بادر بإعداد هذه الورشة لتصنيع الأطراف ضمن إمكانياته المحدودة.
يتم تصنيع هذه الأطراف من مواد البلاستيك وبعض المواد الأولية تصب في قوالب مصنوعة وذلك حسب القياسات المأخوذة للمصاب بحالة البتر إن كانت سفلية أم عُلوية.
ومن المعوقات التي يعاني منها تأمين المواد اللازمة في ظل الحصار المطبق على المنطقة وانقطاع التيار الكهربائي لمتابعة عمله وإنجازه.
"عمر" مقاتل في صفوف الجيش السوري الحر فقد رجله اليسرى في إحدى المعارك. يقول: "عندما فقدت رجلي في إحدى المعارك لم أكن أتوقع أن أقف يوما على قدمي، قلت أنني أصبحت عاجزا عن المشي. بقيت على هذه الحالة حوالي ستة أشهر كانت حالتي النفسية سيئة. أخبرني أحد أصدقائي بأن هناك أطراف صناعية تصنع بالخارج لكن ثمنها باهظ يتجاوز 6000 دولار. بقيت أعيش على الأمل حتى سمعت عن ورشة أبو حسام".
تكاليف بسيطة وعودة الأمل
بادر "عمر" بالذهاب لورشة أبو حسام، وقام بشرح حالته وتشخيص حالة البتر بمساعدة أخصائي معالجة فيزيائية.
يتابع عمر: "قال لي بأن الطرف سيساعدني في المشي، وبعد أن أخذ أبو حسام المقاسات لتصنيع الطرف بدأت حالتي النفسية تتحسن بشكل ملحوظ. بعد حوالي أسبوعين تم تصنيع الطرف وقد أصبحت قادرا على المشي. لم يتقاضى مني سوى مبلغ بسيط لم يتجاوز 100 دولار".
يتقاضى أبو حسام مبالغ بسيطة جدا مقابل كل طرف بالكاد تغطي تكاليف التصنيع، ولكل طرف سعر على حسب المواد المستخدمة. مشيرا إلى أن أعلى سعر تقاضاه لا يتجاوز 30 ألف ليرة سورية أي ما يعادل مائة دولار مما يجعله سعرا بخسا مقابل الأطراف الأجنبية التي وصل ثمنها في الشمال السوري إلى 7000 الف دولار.
تصنع الاطراف بمشورة طبية يقدمها معالج فيزيائي وطبيب عظمية مختص لتقييم الحالة من الناحية الطبية واالإشراف على التهاب الجرح أو البتر، ومراقبة الحالة الصحية للمصاب خلال استخدامه للطرف.
"أبو ضياء" أخصائي معالجة فيزيائية يعمل مع أبي حسام ويساعده بتصنيع الجبائر والأجهزة الاستنادية. مهمة المعالج الفيزيائي تتلخص بإعادة تأهيل المصاب قبل تركيب الطرف أو الجبيرة ومتابعة الحالة ومدى الاستفادة الطبية للمصاب.
ينوه أبو ضياء بأنه يتم تركيب الطرف لحالة البتر بعد مضي خمسة إلى ستة أشهر وهو الوقت المحدد لاستعادة القوة العضلية والمدى الحركي لمفصل المصاب. يتم خلال هذه الفترة تصنيع الجذمور(القطعة التي تصل الطرف الصناعي بمكان البتر) ومتابعة الوضع الصحي للمصاب وتدريبه ﻻستخدام الطرف بشكل جيد.
تعطي ورشة الأمل التابعة لأبي حسام مثالا عظيما لكافة المناطق السورية وضرورة وجود مبادرات وتضحيات من الجميع لتجاوز التشوهات المختلفة التي يسببها عنف النظام المتزايد يوما إثر يوم.