أخبار الآن | سوريا – ريف دمشق (أحمد الدمشقي)

انقلبت الحياة في ريف دمشق على وجه الخصوص منذ اندلاع ثورة الكرامة قبل أربعة أعوام، فمنذ الأيام الأولى شارك أهالي الريف وبزخم كبير بالاحتجاجات السلمية المطالبة بالحرية والعدالة ومكافحة الفساد، والتي سرعان ما تحولت إلى مطالبة بإسقاط النظام بعد مقتل المئات من المتظاهرين على أيدي قوات الأمن والشبيحة، لكن للثورة في ريف دمشق حكايات خاصة ومنعطفات خطيرة تفردت بها عن باقي مناطق سوريا، وفي البدايات كانت مدينة دوما عاصمة الريف من أول الخارجين بالمظاهرات، تبعتها بقية مناطق الغوطة الشرقية والغربية كالمعضمية التي ودعت عدداً من أبنائها باكراً، ثم تبعهم الريف الجنوبي القريب من درعا، والشمالي بشقيه القلمون الشرقي والقلمون الغربي.

الطريق إلى العباسيين

وتميزت مواجهة النظام للاحتجاجات في ريف دمشق بالعنف الشديد لما للريف من أهمية كبيرة لإحاطته دمشق من كافة الجوانب، وامتداده وتداخله مع أحياء العاصمة بشكل مباشر فكان الخوف مضاعفاً من وصول مظاهرات ضخمة من الريف إلى شوارع العاصمة وما قد يتبعها من تفلت للأمور، وهو ما حاولت جموع كبيرة انطلقت من الغوطة إلى جوبر، وتحولت إلى مظاهرة ضخمة كان هدفها الوصول إلى ساحة العباسيين، لكن النظام صب جام غضبه عليها مرتكباً مجزرة كبيرة يومها راح ضحيتها العشرات على مشارف ساحة العباسيين.

اقتحامات ومجازر

وتوالت الأحداث بعدها وشددت قوات الأمن ومخابرات النظام وجيشه القبض على الريف الدمشقي، وبدأ حشد الآليات العسكرية الثقيلة والدبابات على مشارف كل مدن وبلدات الريف، وانطلقت العمليات العسكرية الواسعة عند اقتحام بلدة مضايا غرب العاصمة بعد أن قام الثوار بطرد كل عناصر النظام منها، ثم امتدت العمليات تدريجياً لتشمل بلدات الغوطة الشرقية ومدنها إذ ارتكبت قوات الأسد العديد من المجازر أثناء اقتحامها لدوما ومحيطها وأثناء تشييع المتظاهرين في زملكا.

كذلك الأمر في داريا والمعضمية، حيث قامت قوات الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد بارتكاب إحدى أكبر المجازر في تاريخ الثورة السورية في داريا والمعضمية وجديدة الفضل، وقدرت أعداد الضحايا بالآلاف معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ الذين أعدمتهم قوات الأسد ذبحاً وحرقاً وخنقاً، وبسطت قوات الأسد سيطرتها على هذه المناطق حتى تم تحريرها تماماً مطلع العام 2013 مع تصاعد قوة الجيش الحر الذي تشكل ونمى في العام الذي سبقه.

جريمة العصر

وفي الوقت الذي انشغلت فيه قوات الأسد وشبيحته باقتحام المدن والبلدات في الريف، واصل شباب الحراك السلمي نشاطاتهم بالتزامن مع التحضيرات التي يقوم بها عناصر الجيش الحر لتدعيم قوتهم والارتقاء للوصول إلى مرحلة التصدي للاقتحامات العسكرية، وحماية أرواح المدنيين العزل، ومع دخول العام 2013 كان النظام في أسوأ فتراته، حيث ضعف وترنح على معظم الجبهات، وباتت معظم مناطق ريف دمشق خارجة عن سيطرة النظام عدا قطاعات صغيرة جداً في مناطق نائية تقوقع فيها بعض عناصر النظام، لكن وعند منتصف هذا العام حين استشعر نظام الأسد الخطر الدائم ورأى أنه أوشك على السقوط، قام باستخدام السلاح الكيماوي في قصف غوطة دمشق الغربية والغوطة الشرقية دافعاً بعدد كبير جداً من قوات النخبة لاقتحام تلك المناطق دون جدوى، لكن هذا القصف خلّف مئات الضحايا من المدنيين في جريمة وصفت بجريمة العصر، وكانت هذه الحادثة هي الأولى التي يستخدم فيها نظام الأسد سلاحه الكيماوي على نطاق واسع على خلاف المرات السابقة التي استخدمه فيها ولكن بشكل ضيق، وشكلت هذه المجزرة علامة فارقة في تاريخ الثورة، إذ تم التوصل بعدها لاتفاق دولي لنزع سلاح النظام الكيماوي مقابل تراجع الولايات المتحدة الأميركية عن شن غارات على قوات بشار الأسد عقاباً له على استخدامه الكيماوي، هنا ضمن بشار الأسد عدم المساس به فاندفع بكل ما يملك من قوة وبطش ليدمر كل ما يصطدم به في حملاته البربرية لاستعادة مناطق الريف التي يعتبر أن تأمينها مرتبط بتأمين العاصمة.

ميليشيا حزب الله

فشل النظام بإحراز أي تقدم على جبهات ريف دمشق، أجبره على الاستعانة بميليشا حزب الله وعلى نطاق واسع جداً، حيث أعلنت ميليشا الحزب وبصراحة لأول مرة عن مشاركتها في المعركة على الأرض، وتحت ضغط النيران والغارات الجوية المكثفة تراجع الثوار في معظم مدن وقرى القلمون الغربي كيبرود ورنكوس، تزامناً مع موجة المصالحات وسيطرة قوات الحزب بمساعدة من ميليشا الدفاع الوطني وجيش النظام على هذه المناطق، وأجبروا من تبقى فيها على الدخول في المصالحات، فيما بقي معظم أهالي هذه المناطق مشتتين في بلدات النزوح على الجانب الآخر داخل الأراضي اللبنانية.

مصالحات وحصار!

موجة التسويات انطلقت من مناطق الريف تحديداً، حيث كانت قدسيا والهامة والمعضمية من أوائل الموقعين على الهدن تحت ضغط النيران والتجويع والتهديد بإبادة المدنيين، وانتهج النظام هذه السياسة "المصالحات" كخيار بديل عن خيار القوة الذي فشل فيه لكنها جاءت بأكلها بعد انطلاقها بأسابيع قليلة وتحولت قوى النظام المشتتة إلى الجبهات المشتعلة التي لم تدخل في المصالحات كداريا والغوطة الشرقية والزبداني والقلمون وهو ما أثر سلباً ولو بشكل بسيط في أداء الحر في تلك المناطق، ومع ذلك لم يستطع النظام تحقيق خروقات كبيرة هناك، لكنه اجتاح كامل القلمون الغربي.

ومنذ منتصف العام 2014 انقسمت مناطق الريف إلى قسمين: قسم مهادن، وقسم لا زال قابعاً تحت النار والحصار، ولكن لا يعني أن من هادن أصبح على ود تام مع النظام، فمعظم المناطق المهادنة تتعرض للقصف والقنص والقتل ويتعرض أهاليها لأقسى درجات الاعتقال والتنكيل على حواجز النظام مع حالة هدوء نسبي وترقب دائم، وحول نظام الأسد مناطق الريف إلى قطاعات منفصلة كل قطاع يضم بدة أو عدد من البلدات لا يستطيع من فيها مغادرتها لأي ظرف كان خشية الاعتقال أو التعرض للقتل على حواجز النظام، فأصبحت سجوناً ضخمة حقيقية تأوي الآلاف من السجناء ممن يلاحقهم النظام كالتل والهامة ومضايا والمعضمية وزاكية وقدسيا، وتعيش هذه المناطق في ظل ظروف اقتصادية مأساوية مع انتشار البطالة وغلاء الأسعار التي تضاعفت خمس مرات عن السابق في المناطق المهادنة، وعشرات المرات في المناطق المحاصرة.

 ومع حلول الذكرى الرابعة لانطلاق الثورة السورية لايزال الريف الدمشقي في حالة ترقب مستمر لما قد تأتي به الأيام من مفاجآت وأحداث ستمر حصراً عبر الريف، وستكون مفصلية بحسب كثير من أهالي الريف الذين يؤكدون أن هدنهم كانت إجبارية وخيارهم الوحيد هو مواصلة الثورة ضد هذا النظام المجرم بكافة الأشكال.