عاد مهند ذو الـ 20 عاماً أدراجه إلى مدينة درعا من رحلة كاد أن يكون أحد ضحاياها لولا قوة جسده على تحمل مشاق الطريق، وكان مقصده الأراضي الأردنية لرؤية والدته وأخوته اللاجئين في مخيمات اللاجئين السوريين منذ ثلاث سنوات، ولم تتسن له رؤيتهم.
الرحلة تتطلب أياماً عدة عبر صحراء اللجاة للوصول إلى الحدود الأردنية، في ظل معاناة أسقطت الكثير من الأطفال وكبار السن موتى، كانوا هاربين من الموت ببراميل طيران النظام، وغاراته الجوية، قاصدين معبراً غير شرعي للخلاص من الموت بالقصف الجوي.
"معبر الموت" كما يسميه سكان درعا، هو "معبر الرويشد" الحدودي بين الأراضي السورية والأردنية، والواقع على الحدود السورية الاردنية، وهو بوابة غير شرعية في منطقة صحراوية، بعيدة عن المدن، والخدمات، وامتداد لصحراء اللجاة، ومحافظة السويداء.
وللوصول الى المكان، يقول "مهند" لـ "أخبار الآن": "عدت أدراجي بعد رحلة استمرت 20 يوماً من السفر والانتظار، لأتفاجأ بقرار عدم السماح لي بالعبور بحجة أن العبور مسموح للنساء والأطفال وكبار السن فقط".
وعن الرحلة، يقول مهند: "هناك طريقان لا ثالث لهما، أولهما يستقله الفارون من طيران النظام عن طريق أوتوستراد اللجاة، وهو طريق لا يسلكه غالباً الا النساء، والأطفال، وكبار السن، لأنه مليء بحواجز ونقاط تفتيش لقوات النظام، والشبيحة، وسلوكه يعني تحمل طرق استبدادهم، واذلال الناس، بالإضافة للمبالغ المالية التي يتقاضونها كرشاوي مقابل السماح للنازحين بإكمال طريقهم".
ويضيف الشاب: "الطريق الثاني وسط الصحراء، وسلوكه يعني قطع المسافة مشياً على الأقدام لأيام، وأحيانا تتوفر بعض السيارات التي يتقاضى أصحابها مبالغ طائلة للوصول الى نقطة معينة قبل الحدود، وغالباً ما يلجأ إليه النازحون من الذين لا يمتلكون جوازات السفر، بهدف الدخول إلى الأردن كلاجئين، أو بالتهريب".
غير هذا تنطوي الرحلة على معاناة أخرى عند الوصول إلى المعبر، حيث يقضي القادمون من إلى المعبر أيام وأحياناً أسابيع بانتظار السماح لهم بالعبور من السلطات الأردنية، ومنهم أطفال ونساء أقاموا مخيمات على الحدود في الأراضي السورية للاحتماء من البرد شتاءً، والحر صيفاً بانتظار قرار الدخول.
وبحسب نشطاء، يضطر النازحون لإشعال ما حملوه من منازلهم من ثياب، وهناك الكثير ممن قضوا بردا من الأطفال، والنساء شتاءً، أو من شدة الحر، والعطش صيفاً، وسجلت الكثير من إصابات الأطفال بمرض السحايا من شدة الحر، أو من شدة البرد، وبعضهم دفن بالقرب من الساتر الترابي الحدودي، أو على الطريق.
"أبو عبد الله"، أحد الذين سلكوا الطريق، كان شاهداً على موت طفلين أصيبا بمرض السحايا الصيف الفائت، يقول لـ"أخبار الآن": "يتطلب الطريق في الصيف المشي لمدة ثلاثة أيام في الليل، والاستراحة في النهار تحت خيام ننصبها مما حملناه من أغطية أو شراشف، وأصيب طفلان على الطريق بضربات الشمس وصلت حالتهم لالتهاب السحايا، وقضيا قبل الوصول إلى الحدود بقليل لطول الطريق".
ويضيف: "عند الوصول إلى المعبر نسجل اسماءنا بأرقام تسلسلية بانتظار الموافقة، وكنا عند الوصول وجدنا أكثر من 100 عائلة مضى على انتظارهم أيام، وكان قراري بالعودة بعد انتظار لمدة أسبوع على المعبر دون جدوى، وخصوصاً أن المعبر أحيانا يغلق لأيام دون أسباب واضحة".
من جهة أخرى فإن الانتظار الطويل قد يأتي بنتيجة في حال السماح لبعض النازحين بالعبور إلى النقطة الأولى، وهي نقطة عسكرية تابعة لحرس الحدود الأردني، يبقى فيها النازحون عدة أيام تمهيدا لنقلهم إلى النقطة الثانية، حيث توزع عليهم وجبات الطعام، والماء، والأغطية، ليتم نقلهم إلى مربع السرحان، ثم مخيم الازرق للاجئين السوريين.