أخبار الآن | الرقة – سوريا (مأمون السيد)

"الحسبة" الاسم الذي بث الرعب في نفوس أهالي الرقة منذ أن سيطر تنظيم داعش على المدينة، والخوف المترافق لهذا الاسم لا يأتي من الخوف فقط من العذاب جلداً او سجناً، بل خوفاً من الغرامة المالية الناتجة عن الوقوع في مخالفة الحسبة، الأمر الذي يحسب الفقير حسابه قبل العقوبة الجسدية حتى.

وبغض النظر عن العذاب الجسدي للمخالفة تبقى المخالفة المالية أمراً قائماً، وهو ما أصبح المدنيون يحسبون حسابه قبل العقاب الجسدي المحتوم، خصوصاً أن معظم أهالي الرقة هم من الطبقة متوسطة الدخل، أو الفقيرة، بل ان معظم الناس أصبحوا تحت خط الفقر إثر سيطرة التنظيم على المدينة، وانعدام معظم اشكال العمل، بالإضافة لقطع رواتب الموظفين من قبل نظام الأسد.

غير هذا فالمخالفة المالية غير محددة بسعر معين تبعاً "للجرم" الذي يرتكبه المدني من وجهة نظر التنظيم، وقد تكون المخالفة مبلغًا من المال، لتصل احياناً إلى الحجز على البيوت والمحال التجارية، فالأمر مناط بالحكم الذي يصدره "قاض التنظيم الشرعي" كما يطلق عليه عناصر داعش.

"فاطمة" إحدى فتيات الرقة كان لها تجربة مع الحسبة والمخالفة ثم الغرامة المالية، وتقول لـ أخبار الآن: "اوقفني وصديقاتي أحد عناصر التنظيم (سعودي الجنسية) في أحد شوارع المدينة، وبدأ بإلقاء التهم علينا، وكانت تهمتي أن العباءة التي ارتديها مزركشة، وفيها اغراء للرجال، بالإضافة لتهم أخرى القاها على صديقاتي، احداها كانت أن العباءة شفافة، وتظهر مفاتن الجسد!".

وتضيف فاطمة: "اقتادنا وعناصره إلى مركز الحسبة ثم اخذ الهويات الشخصية، وطلب أن نتصل باهلنا، ولم يرضى بتركنا إلا بتعهد من أهلنا بإعادة العباءات لحرقها، وبقي يحجز الهويات، حتى دفع غرامة مالية قدرها 5000 ليرة، بينما صديقتي 8000 كون ان جرمها أكبر!، كما قال، واضطررنا بعد ان تركونا لإرسال عباءاتنا وحرقها ودفع الغرامة فوقها".

"حسين" هو الآخر حجز عناصر الحسبة على محله التجاري، حيث قال لـ أخبار الان: "كنت قد أخذت المحل بعقد آجار من البلدية، لمدة سنة كاملة، وبعد أن علموا بأن المحل مؤجر، فرضوا عليّ آجارا جديدا أو أن أفرغ المحل لهم، وكل ما سأربحه من محلي خلال هذا العام لن يغطي خسارتي بآجار المحل".

وبحسب ناشطين من المدينة، فإن جهاز الحسبة من خلال عمله على مدار الساعة قد يجمع من جيوب المدنيين ما يعادل رواتب موظفي مؤسسات التنظيم خلال الشهر، وليس التنظيم بحاجة لتحمل أعباء رواتبهم.

الإعلامي "حسن أبو نواف" يقول لـ"أخبار الآن": "الحسبة ليس فقط ما يخافه المدنيون، فالحسبة مفهوم يطلقه تنظيم داعش على الجهاز الأمني، ولكن تطبيق الحسبة يمكن لأي عنصر من التنظيم أن يقوم به من منطلق أن التنظيم أوعز لعناصره مقولة (من رأى منكم منكراً فليغيره)، وهنا يقع المدنيون فريسة لكل عنصر من عناصر داعش، وليس الحسبة فقط".

ويضيف أبو نواف، بالقول: "لا يمكن تخيل ما يمكن أن يجمعه جهاز الحسبة من أموال، فكل شيء يمكنهم فرض مخالفة عليه، حتى حلاقة الذقون، ولبس البنطال، والكعب الذي ترتديه النساء، وأصبحت الحسبة تشكل رعباً على المدنيين حتى في القرى، ووصل الأمر إلى أشبه بحظر التجوال إلا ما اضطر الناس للخروج من أجله".

وبحسب ناشطي المدينة، فإن التخوف الأكبر لدى مدنيي الرقة، وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش يأتي من الخلفية الاجتماعية للعناصر المنتمين لجهاز الحسبة، ويؤكد الناشطون أن جلهم من أصحاب السوابق في عهد نظام الأسد، أو من الأميين، غير هذا فالمصيبة الأكبر أن الجهاز (الحسبة) يفتح ابوابه للمنتسبين الجدد، بغض النظر عن سلوكه أو خلفيته الاجتماعية، وبمجرد قبوله للانتماء إلى أي جهاز لداعش.

 ويقول ناشطون أنهم يحاولون ملء ما يعانونه من عقد شخصية بفرض أوامرهم ومخالفاتهم على الفقراء من أهالي المدينة، حتى شبههم ناشط بقوله "لا يفرقون عن مفارز أمن نظام الأسد إلا بالاسم".