حلب، سوريا، 24 يناير 2014، (رامي سويد، أخبار الآن)


خبز..

الغيوم تملئ السماء، طابور النساء أمام فرن “الاتحاد” في حي “الفيض” الخاضع لسيطرة النظام في حلب الغربية أصبح طويلا، أم أحمد تتساير مع جارتها “في الطابور” قائلةً: شو بيشتغل جوزك خيتو ..! تجيب أم حسن: مع اللجان الشعبية عم يقاتل الارهابيين، تفزع أم أحمد وتقول مستنفرةً: يا عيب الشوم عليكم .. عم تاكلوا لقمتكم بالحرام، هدول الشبيحة كل رزقهم حرام ..! ، تجيب أم حسن مبررةً: خيتو هو مالوا علاقة بالناس، هو شغلتو يحارب “الارهابيين” بس..! ، يقترب العسكري المكلف بتنظيم الطابور، يسأل أم حسن قائلا: وين عم يخدم جوزك !؟، تجيب: هو عندكم ع جبهة “خان طومان”، يقول: طيب هلق بعطيكي خبز ع السريع بدون ما تستني دورك..! تنتظر أم حسن، لدقائق، ثم لساعات، من دون أن يحرك العسكري ساكنا، يقفل الفرن طاقته دون أن تتمكن من الحصول على الخبز..!

على الجانب الآخر
، لقد وصل حسان تواً إلى كراجات حي الحيدرية الخاضع لسيطرة الثوار في حلب الشرقية قادما من تركيا برا وقبلها من دبي حيث يعمل، يشير إلى سيارة أجرة “تاكسي” فتقف، ينزل السائق لمساعدته في تحميل الحقائب الكثيرة التي يصطحبها، يصعد، يطلب إلى السائق أن يوصله إلى حي “السكري” حيث يقطن أهله، دقيقتان، يحاول حسان استكشاف الوضع، يسأل السائق قائلا: معلم، أنا هي وصلتي على حلب، حكيلي شو أكتر شي تغير عليكم بعد سيطرة الجيش الحر ع حلب..!؟ ، يجيب السائق: الخبز..! ما شبعنا الخبز يا أبن عمي غير ع زمان الجيش الحر.!! يستغرب حسان يستفسر قائلا: شلون بقا . أشرح لي..! يسترسل السائق قائلا: والله يا ابن عمي، السنة الماضية بعد ما صار الطيران تبع بشار يقصف الافران ، قرروا جماعة الجيش الحر أنو ممنوع حدا يوقف ع فرن ..! وعملوا نظام المعتمدين، يعني كل شارع مثلا بيصير المعتمد تبعهم شي سوبر ماركت بحارتهم ، وبتجي سيارة تابعة للفرن بتحط الخبز عند المعتمد “السوبر ماركت” وبيجو الناس بياخدو خبزهم بدون ما يوقفوا على دور قدام الفرن، إيمت ما بدهم، الله يجزيهم الخير على هالنظام، الخبز صار أكتر من الهم ع القلب ودايما موجود وبيزيد عند المعتمدين..!

مدرسة..

مع نهاية الفرصة الأولى من دوام إبتدائية “جمعية النفط” في حي الزهراء الخاضع لسيطرة النظام في حلب الغربية يتراكض الأطفال إلى صفوفهم، تدخل الآنسة “سلام” إلى شعبة صف الخامس الابتدائي الموكلة بتدريسها ، تطلب من الأطفال الصمت والهدوء ريثما تهدأ أصوات الاشتباكات القادمة من محيط فرع المخابرات الجوية القريب، يصمت الأطفال لبرهة ثم يبدأون بالعبث، يصعد أحدهم المقعد الخاص به ثم يجلس في الشباك متحديا الآنسة “سلام” التي تزجره قائلةً: نزيل بلا ما تصيبك شي طلقة طايشة واعلق فيك، يجيبها الطفل ببراءة قائلا: آنسة ، الله مو بيقول “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا” ..! يعني إذا كنت فوق او تحت وبدي موت رح موت..!! تزوره الآنسة سلام ، تقترب منه تفتح دفتره وتكتب على الصفحة الأخيرة: يُطلب من ولي أمر الطالب الحضور إلى المدرسة فورا وبدون تأخير..! ثم تلتفت إليه وتقول: بتقول لأبوك يجي بكرا ع المدرسة مشان نفهم منو من وين متعلم هالحكي..!

على الجانب الآخر، وقبل نهاية الدوام المدرسي في ابتدائية “الرجاء” في حي سيف الدولة الخاضع لسيطرة الثوار في حلب الشرقية، يصل أبو البراء المقاتل في صفوف المعارضة إلى المدرسة ، يسأل عن صف إبنه مهند فيستدل عليه، يدق الباب فتخرج الآنسة “حنان” لتستقبله، يستبق كلامها قائلا: الله يخليكي لا تواخذينا على هالمنظر ، كنا عم نحفر نفق على جبهة العامرية وحالتا صارت بهدلة، كيف مهند، أنشالله دراستو كويسة انا ابوه، تجيب الآنسة “حنان”: الله يحميكم وينصركم، والله يا أخي مهند ماشي حالو، بس بدو شوية متابعة بالحساب، لهلق مو حافظ جدول الضرب منيح..! ، قبل أن تنهي الأنسة حنان جملتها الأخيرة، يدوي أنفجار كبير يهز المدرسة من أركانها، يركض ابو البراء باتجاه النافذة، يرى سحابة دخان بيضاء قد انبعثت من بناء قريب، يصيح: طيران ، الكل لتحت فورا ..! يركض الأطفال ، ينزلون الدرج متدافعين مع مدرساتهم، يقتح أبو البراء قبضة اللاسلكي التي يحملها يهتف بها مكررا: مضادات طيران سيف الدولة مشهد، قصف جنب جامع النصر..!

عسكر..

بينما يتمشى جلال وعلي “العسكريان في قوات النظام” قرب خط الجبهة في حي المشارقة الخاضع لسيطرة النظام في حلب الغربية يشاهدان بقعة دمٍ كبيرة على الرصيف، يقتربان منها ، يحرك علي كرات بيضاء لزجة تتوسط بقعة الدم بحذائه العسكري قائلا لصديقه: ليك هاد مخو للي متصوب هون دير بالك مو توقف قدام قناص الارهابيين يقوموا يقنصوك ويسيل مخك ع الأرض..!

على الجانب الأخر وقرب خط الجبهة في حي كرم الجبل الخاضع لسيطرة الثوار في حلب الشرقية يقف طه ومازن ممسكين بسيجارتين متبادلين قصصا قديمة عن حياتهما في المرحلة السابقة للثورة أحلامهما وخططهما حينها لحين أنقضا الساعات الثلاث التي تشكل نوبة الحرس التي كلفوا بها ليلا، فجأة تسقط قذيفة هاون قربهما، يصاب طه برجله ويصاب مازن بيدها، تمرّ دقيقة، يقوم مازن، يقترب من طه ويسأله: بتقدر تمشي ولا أحملك..! يجيب طه: لا أخوي ما بقدر رجلي راحت..! ، يهز مازن رأسه ويخلع قميصه مستخدما يده السليمة ليربط رجل طه التي تنزف دما بغزارة، ثم يصيح على قبضة اللاسلكي التي يحملها: نقطة ميم 6 اسعاف عنا جريح بسرعة يا شباب عم ينزف كتير..!