حلب، سوريا، 11 فبراير، (رامي سويد، أخبار الآن)

أدى قصف الطيران التابع للنظام للأحياء الخاضعة لسيطرة الثوار في مدينة حلب بالبراميل المتفجرة إلى مقتل المئات من سكان المدينة في الشهرين الأخيرين إذ وثق مركز توثيق الانتهاكات في سوريا 1300 قتيل و6 آلاف جريح نتيجة القصف بالبراميل المتفجرة على مدينة حلب لشهر ينايركانون الثاني وحده.

بسبب هذا القصف أصبحت أحياء كثيرة في المدينة شبه خالية من السكان، ربما يأتي على رأسها حي المرجة الذي أصبح مدمرا بنسبة تزيد في اقل التقديرات على 60%، وحي الميسر الذي أصبح مدمرا بنسبة لا تقل عن 50%، بالإضافة إلى أحياء مساكن هنانو والحيدرية والصاخور وطريق الباب وقاضي عسكر وكرم الطحان والسكري والفردوس والصالحين التي تعرضت جميعا للقصف، الأمر الذي دفع مَن تبقى من السكان إلى البحث عن مكان يلتجئون إليه هربا من الموت القادم من السماء، فبدأ السكان بالنزوح من أحيائهم تدريجيا، بحسب الحي الذي يتعرض للقصف بوتيرة أعلى من غيره.

كانت الوجهة الغالبة لمعظم السكان هي الريف الحلبي، حيث شهدت الطرقات المؤدية إلى الريف الشمالي والغربي والشرقي ازدحاما كبيرا في الأيام الأخيرة، فأحيانا يصل عدد السيارات الخارجة من حلب باتجاه الريف الشمالي على طريق المدينة الصناعية والتي تسير في رتل واحد إلى مئتي سيارة..!

تتوجه معظم العائلات باتجاه بيوت أقارب أو معارف لهم في المناطق الريفية التي تعد في هذه الأيام أكثر أمنا، في المقابل تضطر العائلات التي لا تجد من يستقبلها من سكان المناطق الريفية إلى السكن في خيمة بلاستيكية تحصل عليها من إحدى الهيئات الإغاثية العاملة في المنطقة أو البقاء في العراء على الحدود التركية أياما بانتظار فرصة العبور عبر السلك الحدودي باتجاه تركيا.

مخيم باب السلامة للاجئين الواقع قرب مدينة إعزاز غص باللاجئين الهاربين إليه من قصف الطيران في مدينة حلب، يصف “أبو أحمد حلاق” وهو أحد المشرفين على توزيع المعونات في المخيم الوضع الإنساني فيه قائلا: “المخيم في الأساس لديه إمكانيات لاستقبال خمسة آلاف لاجئ، لدينا الآن خمسة وعشرون ألف لاجئ في المخيم بالإضافة إلى حوالي مئة عائلة باتت الليلة الماضية في العراء بسبب عدم قدرة إدارة المخيم على إيوائهم بأي شكل، هناك مئات الأطفال والنساء وعدد كبير من الجرحى والعجزة والمصابين بأمراض مزمنة يحتاجون للمساعدة الفورية ولسنا قادرين على فعل أي شيء لهم”.

ترافقت حالة الاكتظاظ في المخيم مع حالة ازدحام غير مسبوقة على المعبر الحدودي حيث تجمعت مئات السيارات التي تقل عائلات تحمل جوازات سفر وترغب بالعبور باتجاه الأراضي التركية، حالة الازدحام هذه دفعت إدارة المعبر السورية التابعة للثوار إلى إعلان إغلاق المعبر في وجه المغادرين لمدة 48 ساعة بسبب حالة الفوضى التي سببها الازدحام الشديد.

هناك وجهة أخرى للنازحين من الأحياء التي تقصف في مدينة حلب، حيث توجه عدد كبير من العائلات باتجاه مناطق سيطرة النظام في المدينة عبر معبر بستان القصر، تمارس قوات النظام على هؤلاء النازحين أعتى أساليب القهر والإذلال، يصف أحمد ياسين وهو طالب جامعي قدم مؤخرا من مناطق سيطرة النظام الوضع قائلا: “عند معبر بستان القصر هناك طابور لحوالي مئتي عربة خضار محملة بحاجيات العائلات التي تحاول العبور باتجاه مناطق سيطرة النظام، يقوم عناصر قوات النظام بتفتيشها بطريقة همجية إذ يقومون بتخريب الممتلكات وسرقة ما يحلو لهم منها، بالإضافة إلى أنهم يقومون بإطلاق النار في الهواء لتفريق حشود القادمة للدخول إلى مناطق سيطرة النظام وإجبارهم على الرجوع للخلف لتفتيشهم بشكل دقيق والبحث بينهم عن المطلوبين من خلال التدقيق على بطاقاتهم الشخصية”.

يسترسل أحمد ويذكر حادثة شاهدها حين كان مارا بالقرب من ساحة سعدالله الجابري وسط المدينة حيث توجد حديقة تجلس بها عائلات نازحة من مناطق سيطرة الثوار يقول: “لقد شاهدت حوالي عشرين عنصرا من الأمن وهم يحملون البنادق الروسية ويطلقون الرصاص في الهواء ويشتمون النساء النازحات”، قائلين: “لما دخل الجيش الحر رميتوا على سياراتهم الورود والرز وهلق جيتوا تلجؤولنا لما هدمناها فوق راسكم وراس الجيش الحر، يلا لشوف هتفوا بحياة بشار سيد راسكم”، ثم يصف أحمد كيف أجبر عناصر الأمن النازحين على الخروج في مسيرة مؤيدة للأسد في ساحة سعدالله لتقوم الكاميرا التابعة للتلفزيون الرسمي بتصويرهم..!

وتذكر مصادر من داخل منظمة الهلال الأحمر أن أعداد العائلات النازحة التي دخلت مناطق سيطرة النظام في حلب خلال الأسبوع الماضي تجاوز الـ1500 عائلة باتت حوالي 300 منها في الحدائق والأراضي الخالية وعلى أرصفة الطرقات، بسبب منع قوات النظام لهم من الدخول إلى المدارس والمدينة الجامعية.

يعيش آلاف الحلبيين الآن تغريبتهم الجديدة فمن مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب إلى أريافها ثم وصولا إلى الحدود والأراضي التركية سيبيت ألاف الحلبيين ليلتهم اليوم مفترشين الأرض وملتحفين السماء، بسبب ذلك الموت الذي جاء بالبراميل من السماء دون أن يميز بين أحد منهم.