دمشق، سوريا، 1 فبراير، (جابر المر، أخبار الآن)
تعد البسطات على أرصفة دمشق السوق الحقيقية لمعظم سكانها، فتتنوع بضائعها وتتعدد بشكل كبير جدا، لكن اللافت للنظر هو امتلاء زوايا دمشق ببسطات الكتب الجديدة والمستعملة.
بسطات كتب تابعة للنظام
اعتاد النظام الأمني في سوريا على وضع مخبريه في كل مكان وفي كل زاوية وشارع، فبات معظم المخبرين بائعين على هذه البسطات لتغطية وجودهم بمهنة شكلية بحت، لكن السوريين جمعيا يعلمون بحقيقة القائمين على هذه البسطات التي زاد عددهم كثيرا بعد اندلاع الثورة خوفا من وصول المظاهرات إلى مراكز العاصمة دمشق، ولأن النظام ما عاد مضطرا لإخفاء مخبريه تحت أي مهنة شكلية فقد وصلت بهم الوقاحة بأن يضعوا أسلحتهم تحت البسطة أحيانا وبين البضائع أحيانا أخرى. هذا الشكل من البسطات والأكشاك أخذ صيغة بيع الكتب الجديدة الصادرة عن دور النشر الرديئة، والجرائد الحكومية كجريدة البعث وتشرين والثورة.
بسطات كتب المستعمل
المكتبة الظاهرية وهي الأقدم في دمشق، ومكتبة الأسد، والمراكز الثقافية الرسمية في ما قبل الثورة، لم تكن تمنح محبي القراءة والدارسين والمثقفين في دمشق سوى غيض من فيض، ففي الوقت الذي يتوقع المرء أنها أول المناطق التي ينبغي للطلاب زيارتها فيجدوا ما أرادوه من الكتب، كان الواقع مناقضا لهذا الحال، فقد تمكنت بسطات كتب المستعمل التي يقوم عليها موظفون، أو أصحاب مستودعات للكتب، أو أشخاص عاديون لا علاقة لهم بالنظام من قريب أو بعيد، بل على العكس عانوا كثيرا من مصادرة بسطاتهم من قبل شرطة المحافظة، تمكن هؤلاء من إغناء السوريين بمصادر هائلة للمعرفة، فخبرتهم الشخصية ومعرفتهم بنوعية الكتاب الذي تريد دور النشر، وطبعات الكتاب أدت إلى أن يلجأ الباحث إليهم قبل لجوءه إلى أساتذته، أو إلى المراكز الثقافية التي اتسمت بالفقر الشديد من حيث الكتاب أو حتى المعلومة عنه، ويردّ الكثير من النشطاء المحليين ومثقفي دمشق ثقافتهم وعلمهم إلى أصحاب هذه البسطات في الحديث عن الثقافة ولا يرد أي ذكر منهم لمكتبة الأسد المكتبة الأكبر في سوريا، فعلى هذه البسطات بيعت مكتبات شهيرة، كمكتبة الروائي حنا مينا، ومكتبة المخرج المسرحي الأبرز في سوريا المرحوم فواز الساجر لتصل إلى أيدي محبي المعرفة.
البسطات تعج بكتب المهجرين
اضطر سكان معظم المناطق في سوريا إلى ترك بيوتهم بما فيها من مكتبات وهربوا ناجين بأرواحهم من بطش النظام، وبعد أن تمكن بعضهم من إخراج ما تيسر له من أثاث بيته، أخرج بعض أصحاب المكتبات مكتباتهم لأن قوات الأسد ستحرقها ليتدفؤوا عليها، دون أن يدركوا قيمة ما يحرق. ولانعدام إمكانية اللجوء مع وجود مكتبة ضخمة، فقد اضطر كثير من أصحاب المكتبات لبيعها لأصحاب هذه البسطات، ومنهم من تبرع بمكتبته لأصحاب هذه البسطات أنفسهم دون أن يفكر يوما بوضعها في مكتبة الأسد، لأنه يدرك أن رواد هذه البسطات هم من يطلب الفائدة، بالوقت الذي تقتلك بيروقراطية مكتبة الأسد لتقرأ كتابا.
لم تأت الثورة على نظام الأسد من فراغ، إذ إن الناس جميعا يدركون أن النظام منع حتى المعلومة عنهم وأهملها لتلقى على قارعة الطريق، فأتت الثورة وجعلت الأمل أكبر بأن يكون لدينا مكتبات يقصدها القاصي والداني، لا كتب يبحث عنها المهتم في زوايا الشوارع.