حلب، سوريا، 18 يناير، (رامي سويد، أخبار الآن)

طالت مدة الثورة في سوريا بشكل لم يكن متوقعا حتى من قبل أكثر المتشائمين، تدهورت الأوضاع الأمنية والخدمية والمعيشية للمواطنين، وإنعدم الأمن وعمت الفوضى, ومارس النظام سياسات القصف العشوائي بهدف القتل والتهجير الجماعي لمدن بأكملها.

لكن المواطن الذي رفض النزوح وأصرّ على البقاء في بيته بالرغم من كل ما سبق، أستطاع أن يبتدع سبلا جديدة للعيش لم تكن معروفة في سوريا الأمس..!

إبتداع المواطن السوري “الحلبي خاصةً” سبلا جديدة للعيش لم يكن من فراغ، فالعيش في المدن الكبرى في الوقت الحاضر يتحاج لمقومات، تكاد تستحيل الحياة من دونها، ربما تكون خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات على رأسها، فبيوت السكان –في المدن الكبرى- تتحول بدون هذه المقومات الأساسية للعيش إلى علب كبريت يعمها الظلام..!

انقطعت الكهرباء عن معظم مناطق مدينة حلب الخارجة عن سيطرة النظام بشكل شبه كلي منذ فترة تناهز السنة والنصف. أصبحت الكهرباء تنقطع بشكل متواصل عن الأحياء السكنية المكتظة بالسكان لعشرين يوما بشكل متواصل وربما أكثر، وفي الفترات التي تعتبر فيها خدمة الكهرباء في أفضل حال لا تتعدى ساعات توفرها الاربع ساعات في اليوم الواحد..!

لم يقف المواطن الحلبي الساكن في المناطق المحررة مكتوف اليدين تجاه هذا الحال، بدأ البحث عن البدائل، كان أول بديل لجأ إليه السكان هو مولدات الكهرباء المنزلية الصغيرة التي تعمل على “البنزين”، بعد فترة أصبح مصروفها يرهق كاهل السكان، فانتقل السكان لعملية الاشتراك في خطوط كهرباء تؤمنها مولدات ضخمة جدا “تصل استطاعة بعضها 500 ألف واط..!!”، حيث يقوم أحد الميسورين من ابناء الحي بشراء هذه المولدة ووضعها في مستودع ما، ليقوم بتشغيلها عن طريق تزويدها بوقود الديزل “المازوت” ثم إيصال الكهرباء إلى بيوت المشتركين من أبناء الحي مقابل أسعار زهيدة، فالاشتراك بتيار كهربائي بثلاث أمبيرات يكفي كل الاجهزة الكهربائية في البيت، وقد حددت الهيئة الشرعية منذ فترة سقفا أعلى لسعر الامبير الواحد يوميا وهو مبلغ “50” ليرة سورية فقط، أي أن البيت الذي يكفيه ثلاثة أمبيرات يدفع لصاحب مشروع المولدة 150 ليرة في اليوم أي ما يعادل دولارا واحدا فقط، مقابل أن تصله الكهرباء يوميا لفترة تتراوح بين الاثنتي عشرة والاربع عشرة ساعة يوميا.. بالإضافة إلى يوم مجاني أسبوعيا..!!

هذه الطريقة في توصيل الكهرباء إلى المناطق التي انقطعت عنها الكهرباء “الحكومية” منتشرة بشكل واسع جدا في مدينة حلب، وعلى نطاق أضيق في مدن ريفها، المفارقة أن المناطق المحررة تنعم بالكهرباء بفضل طريقة الاشتراك في المولدات، في نفس الوقت الذي تنقطع فيه الكهرباء عن الاحياء التي يسيطر عليها نظام الاسد في المدينة ولا تتجاوز ساعات توفرها الأربع ساعات يوميا في الفترة الأخيرة..

أما بالنسبة لموضوع الاتصالات فقد كان لدى “الحلبيين” حل أيضا، لقد انقطعت الاتصالات الارضية عن المناطق المحررة منذ بدء المعارك في حلب ابان دخول الثوار اليها في بداية صيف عام 2012 بسبب تضرر المقاسم ومكاتب البريد بسبب الاشتباكات والقصف، أما بالنسبة لشبكات الانترنت والهاتف المحمول فوضعها هي الأخرى سيء جدا، حيث يصعب في المناطق المحررة أن تجري مكالمة هاتفية دون أن تحاول عشرات أو مئات المرات للتمكن من الحصول على خط من الشبكة، هذا إذا كانت تغطية شبكة الاتصال موجودة أصلا.

لقد كان البديل الذي لجأ إليه السكان في المناطق المحررة لتعويض الانقطاع شبه الدائم لشبكات الاتصال هو استخدام أجهزة الانترنت الفضائي، حيث يقوم مستثمرون من أبناء المدينة باستجلاب أجهزة الانترنت الفضائي اللاقطة وتركيبها، ثم يقومون بفتح محلاتهم للزبائن الذين يتقاطرون يوميا عليها بالمئات للدخول إلى الشبكة العنكبوتية “الانترنت” وإجراء المكالمات الهاتفية المحلية والدولية، وبأسعار مقبولة نسبيا.

الموضوع أخذ أبعادا اخرى في بعض المناطق حيث يقوم مستثمرون بتركيب أجهزة الانترنت الفضائي، ثم يقومون بتركيب أجهزة بث قوية “واير لس” لكي يستطيع الجوار الاشتراك لديهم بباقات انترنت وهم في بيوتهم من خلال اعطائهم كلمة السر “الباسورد” التي تمكنهم من الولوج إلى الشبكة، هذه الخدمات متوفرة في عدة أحياء من مدينة حلب، وفي مدن الباب ومسكنة ودير حافر ودارة عزة وغيرها في ريف المحافظة. أما سكان المناطق الحدودية “القريبة من الحدود التركية في عمق لا يزيد عن عشرين كيلو مترا” فقد وجدوا في الانترنت الذي تؤمنه شركات الهاتف النقال التركية “الـ G3” بديلا، حيث يقوم “تجار” بجلب بشراء كميات كبيرة من الخطوط التركية مع التجهيزات اللازمة لها “من مولدمات ولاسلكيات تقوية وغيرها” ووضعها في متاجر افتتحت خصيصا لتسويق هذه البضائع ليقوم السكان بشرائها.

عرفت حلب على مر التاريخ بأنها مدينة الحياة والتجارة، اشتهرت بأوصاف من قبيل “المدينة التي لا تنام”، كان لها المركز التجاري والصناعي الأول بين قريناتها من مدن المنطقة، ورغم كل ما جرى ما يزال لدى سكانها القدرة الدائمة على التكيّف، لايجاد سبل جديدة للحياة والبقاء والاستمرار.