حلب، سوريا، 27 ديسمبر، رامي سويد، أخبار الآن – 

 عندما تتجول في أحياء حلب المحررة هذه الايام سيلفت نظرك من دون شك العدد الهائل لسيارات الدفع الرباعي المزودة بالرشاشات المتوسطة والتابعة لكتائب الثوار والتي تتجول في المدينة، ربما يصل العدد في بعض الاحيان إلى أربع أو خمس سيارات تسير في رتل، متحولةً من مكان لآخر بحثا عن زاوية أفضل لإستهداف الطيران المعادي الذي يسرح ويمرح في الأجواء.

نتيجةً لحالة الاستباحة المطلقة للأجواء من قبل هذا الطيران، بدأت تعم عادات وظواهر جديدة في هذه المدينة المحررة المكتظة بالسكان، فقد أصبح من الطبيعي أن تجد على الرصيف أكثر من مئة شخص يفقون في رتلين أو ثلاثة ورؤوسهم مرفوعة إلى الأعلى واضعين ايديهم على جباههم لحجب الشمس التي ربما تعدم الرؤيا.

البحث عن الطائرة “سواء كانت نفاثة أو مروحية” أصبح هوسا دائما لدى السكان، ربما من قبيل الفضول وربما بهدف البحث عن وسيلة ما تخفف الألم النفسي العام الناتج عن حالة العجز التي يحس بها الانسان عندما يعلم ان هناك طائرة في الجو قد تلقي “برميلا متفجرا على بيته” فتحيله أثرا بعد عين، وتحوّل سكانه لشهداء ..!!

الحديث عن البراميل المتفجرة التي يلقيها الطيران يوميا منذ اثني عشر يوما لا يبارح مجالس أهالي حلب، احاديثهم دائما تتمحور حول مكان سقوط البراميل، وأسماء الشهداء، وقصصهم، وحالات البتر والعجز التي تخلفها هذه البراميل لدى الجرحى.

في بعض الاحيان “بل في معظمها” تتطرق القصص المنتشرة بين السكان إلى المآسي التي ترافق سقوط برميل ما في حي ما من أحياء حلب المحررة، ربما تسمع قصةً عن عائلة نزحت من مكان ما في حلب بسبب سقوط برميل عليه إلى مكان آخر، لتستقبل في صباح يومها التالي برميلا يجعل من هذه العائلة الهاربة من قدرها إلى قدرها نسيا منسيا..!

تصل معظم هذه القصص إلى نتيجة مفادها أن المنية لا مفر منها، وأن ساعة موت الانسان محددة، وقدره آتٍ مهما حاول الهرب منه، يصل الجميع في النهاية إلى نتيجة مفادها أننا سنبقى في بيوتنا و”لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”.

لقد اصبح هذا النمط العام من التفكير لدى “الحلبيين” أهم معين لهم على البقاء في تلك الأحياء التي تقصف ببراميل الموت يوميا، بجانب ذلك تجد في الشارع ثناءً على فصائل الثوار وشكرا لهم، فعلى الرغم من كل الانتقادات التي يوجهها السكان يوميا في مجالسهم لفصائل الثوار، إلا أنهم يشعرون بالمنة لشباب هذه الفصائل، فهم يشاهدون بشكل يومي عشرات سيارات الدفع الرباعي التابعة للثوار والمزودة بالرشاشات المتوسطة والتي تحاول “عبثا” – بإطلاقها كميات كبيرة من الذخيرة- إسقاط طائرة معادية، يعلم جميع السكان أنها لا تحمل إلا الخراب والموت لهم..!