الغوطة الشرقيّة، ريف دمشق، سوريا، 16 ديسمبر 2013، (محمّد صلاح الدين، أخبار الآن) –
“الله يرضى عليك يا ابني” بهذه العبارة استقبلتني أمُّ محمود تلك المرأة المسنّة التي كستها الثلوج باللون الأبيض وبللتها مياه الأمطار التي سالت في شوارع الغوطة الشرقيّة والبرد يحني ظهرها، عندما اقتربت منها لأحمل عنها ما ناء به جسدها النحيل.
لقد كان كيساً من (الحطب المُبتل) الذي جمعته أمُ محمود تحت المطر والثلج في درجة حرارة يصعب حتى على الشباب تحمّلها .. أخذني حديثي مع تلك المرأة للأسباب التي دفعتها لتنزل في ظروفٍ قاسية كهذه فأجابت أنّ لها حفيدين صغيرين من ابنها الوحيد الذي قتل وزوجته بإحدى القذائف التي تُقصف بها الغوطة الشرقية.
تصف أمُّ محمود حال الصغيرين الذين لم يبلغ أكبرهما سنتين من العمر قائلة: “تكاد أطرافهم تتيبّس فقد اكتست أيديهم وأرجلهم باللون الأحمر .. لأسنانهم صوت التكتكة فهما يرتجفان بشكل دائم والبيت الذي يؤوينا بنوافذ متكسرة لا ترد الرياح التي تحمل الينا سموم البرد المميتة إضافة إلى المغص الذي يمنعهما من النوم”.
تقول أمُّ محمود إنها وحفيديها نزحوا من بطش النظام وقتله عندما تمكن من اقتحام بلدتهم (شبعا) وتضيف قائلة: “لم نتصوّر أن نعاني ما هو أقسى من الموت .. من الصعب أن تعيشَ مشرداً .. قد يكون حالنا أفضل من حال اللاجئين فعلى الأقل نحن في بيت مسقوف فيما كثيرٌ منهم في خيم لا تردّ عنّهم برداً ولا حراً”.
سألت أمّ محمود إن كانت تناشد طرفاً أو منظمّة للتحرك إزاء الظروف الصعبة التي تعصف بالفقراء والنازحين فقالت لي بعد برهة صمت دفنت معها الكثير من الكلمات: “إن كنت تقصد المكاتب الإغاثية فهم محاصرون مثلنا ويقدمون استطاعتهم وقدموا لنا ملابس شتوية وسلّات غذائية أما إن كنت تقصد المنظمات الدولية فهذه المنظمات لو أرادت التحرك فإنّها لا تحتاج منّا مناشدة أو مطالبة فحالنا ظاهرٌ لا يخفى على أحد ومن يملك ذرّة من الإنسانيّة ولديه القدرة على المساعدة فسيساعد بدون أن يطلب إليه .. أمّا أنا فلا أناشد إلّا الله فهو الرحمن الرحيم و ألطف بنا من تجّار الدماء والكوارث وأصحاب التصريحات الرنّانة التي نسمع جعجعتها ولا نرى طحينها”.