الغوطة الشرقية، ريف دمشق، (محمد صلاح الدين، أخبار الآن) – لم يكن تاريخ السادس من سبتمبر الماضي ذكرى طيبة في حياة ابو العز الشامي الذي فقد فيه منزله خلال قصف قوات النظام الغوطة الشرقية تمهيداً لاجتياحها مما اضطره للنزوح رفقة زوجته وابنته الوحيدة مختاراً الأردن وجهةً له .. يقول أبو العز : “وصلنا مخيم الزعتري بعد عناءٍ دام ثلاثة أيام ذقنا فيها مرارة البرد القارس في الجبال الجرداء .. كان وصولنا للمخيم أشبه بوصولنا إلى سجنٍ كبير .. فكلُّ شيء ممنوع بعد أن أخذوا منا كلّ الأوراق الثبوتية .. كان بحوزتي 7000 ليرة سورية قد لا تكفي أكثر من أسبوع فقد كان الكيلو الواحد من البندورة مثلاً يفوق 135 ليرة .. وكانت سترة صوفية أردت شراءها لأردّ عن جسدي برودة طقس نخر عظامي تساوي 700 ليرة رغم أنّها (ليست جديدة) .. أحسست بإحباطٍ كاد يفقدني الأمل .. لكنني تعلمت في حياتي أنّ العمل عنوان الأمل .. ذهبت إلى واحدٍ من ثلاثة تجارٍ أردنيين يستحكمون سوق المخيم وأهله المعترين .. أردت شراء كلّ ما يملك من ملابس (مستخدمة) حتى أبيعها للناس هنا .. بعد أخذٍ ورد استمر طويلاً اتفقنا على ان أشتري البضاعة بسعر 75 ليرة للقطعة الواحدة مهما كان نوعها على أن أدفع له ثمن البضاعة بعد ثلاث ساعات .. بدأت بجرد البضاعة رفقة عدد من سكّان المخيم الذين بدؤوا يتفاعلون معي .. علا الصراخ (سعر القطعة 100 ليرة ) وبدأت الحشود تتدافع للحصول على قطعة من الملابس تقيهم برداً استقرّ في عظامهم وعجزوا عن درئه بسبب الفحش في الأسعار التي تفوق قدرتهم .. نفدت البضاعة كلها في أقلّ من ثلاث ساعات طلبت من التاجر دفعة أخرى ثم طلبت أن يؤمّن لي بعضاً من الخضار بأسعار مخفضة وبدأت أبيع الناس حاجاتهم بسعر يستطيعونه حتى أحبني كلّ من في المخيم .. لكنّ هذا الأمر لم يرق للتاجرين الآخرين الذين كسدت بضاعتهما الباهظة .. فبدءآ بتخوين صاحبهما الثالث .. أرادوا أن يرفعوا السعر مجدداً لكنني رفضت وأعلنا في المخيم إضراباً حرّك الهيئات الإنسانية .. كنت عقبةً في وجه جشعهم .. حاولوا مضايقتي فلم انثنِ حتى أرسلوا إليَّ رسائل التهديد التي طالت زوجتي وابنتي .. طلبت المغادرة من مخيّم يعاني أهله سوء المعاملة وذلاً يدمع العين ويدمي القلب .. سمحوا لي بالمغادرة لكنهم قالوا إنّ البطاقة العائلية ضاعت في تصرف يكررونه مع كل من يغادر مخيم الزعتري حتى تبقى البطاقة في سجلاتهم التي ينالون على أساسها معونات المخيم التي تقدمها المنظمات الدولية لسكّانه..
عدت إلى بلدي الحبيب لأعيش فوق ترابه عيشةً بسيطة في غرفة بنيتها من الطين بين شجيرات تثمر من خيرات الغوطة أزرع فآكل بين جمعٍ من الصحب والرفاق يقاسون معي مرارة الظروف ويشاركوني عزة  العيش الكريم  ..أنا الآن أقرب إلى السماء مني إلى الأرض فالقصف لا يكاد يتوقف وقد اكون في عداد القتلى في أي وقت لكن يكفيني أن أعيش وأموت بحريةٍ وكرامة بذلنا لأجلها الغالي والنفيس ..