دمشق، سوريا، (سيف الدين محمد، أخبار الآن) – حواجز متتالية ومتكاثرة داخل مدينة دمشق قطّعت بهم أوصال المدينة دون ريفها وضواحيها الكثيرة. في الساحات الرئيسية والفرعية كذلك وباتت المناطق يشار إليها بسهولة هذا الحاجز وصعوبة ذاك من حيث المرور والتعامل السيئ من قبل أفراد أمن النظام وشبيحته.
ليس جديدا الحديث عن الضغط المروري دون اكتراث واضح من قبل قوات النظام، وفي معظم الأحيان بشكل مقصود في تأخير السيارات والحافلات العامة وسيارات الأجرة (التاكسي) وتعمّد الإبطاء في تفتيش الهويات وصناديق السيارات. وأسال أحدهم (وقد ادّعيت السذاجة)  وهو شاب صغير على أحد حواجز دمشق الرئيسية لماذا التدقيق اليوم “خير إن شاء الله” فيرد بكل قناعة “ربما كان هناك شخص مطلوب، أو وجود مواد متفجرة لعملية إرهابية تستهدفنا والمدنيين”. وربما نسي أن يقول وربما لبضاعة قادمة فيها كثير من الفاكهة والخضار أو المعلبات.
أزمة مرورية خانقة يتبعها استنزاف للوقت الذي بات بلا معنى وقيمة أو ضرورة.
فأي مدينة دمشق هي الآن؟! …
تدريب على الطواعية والإكراه، تقبّل القمع وعدم التذمر الذي يدفع بالبعض إلى المغالاة في الابتسام وكسب الود من قوات نظام تعامل الأهالي وكأنهم محتلين، ناهيك عن السخرية والتحرش اللفظي وأحيانا الجسدي. وكتابات بخطوط رديئة تعظم بشار الأسد والجنود البواسل على الجدران وعلى لوحات الإعلانات، تلوث بصري يعد من أقسى الانتهاكات.
وللحديث عن قصص ومشاعر ومعاناة الأهالي على الحواجز ما تسعه صفحات كثيرة، ومع ذلك تبقى بعض الحوادث التي ذكرها بعض المواطنين لنا لها دلالاتها وإشاراتها بما يدل على حقيقة عمل تلك الحواجز والقائمين عليها.
يقول “زاهر” وهو شاب عشريني من سكان المدينة: “يجب أن تكون هويتك بيدك قبل الوصول إلى الحاجز فالتأني قد يثير حفيظة العنصر الذي قد يعتبرها إهانة. ويتبع ذلك في كثير من الحواجز السؤال عن العمل وعن وجهته لاسيما إذا كان محل القيد على الهوية هو من الناطق الساخنة المعارضة للنظام عسكريا وكل ذلك لا يخلو من إهانات مباشرة لتلك المناطق وسكانها لغة شامتة وشتائم لا مكان لذكرها”.
ورغم ذلك ترى هناك من ينظر إليهم بطريقة مختلفة. تقول “أم محمود” وهي سيدة ستينية: “هذه مهمتهم ويجب أن يكونوا صارمين مع الجميع لأنهم يساهمون في أمن المدينة”.
وإذا كانت بعض الحواجز في دمشق تتميز بالمرونة تبعا للمستوى الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة فإن هناك أماكن أخرى تعاني الأمرّين مثل شارع بغداد القريب من وسط البلد مدة لا تتجاوز عشر دقائق سيرا على الأقدام، فتوضع المتاريس فيه وحوله حماية للفروع الأمنية الكثيفة هناك يتطلب من المواطن المرور بخمسة حواجز قريبة من بعضها البعض منها للجيش النظامي ومنها للجان الشعبية (الشبيحة).
ولأن أزمة المرور ليست المشكلة الأهم، فإن هناك آثارا نفسية واجتماعية جرّاء الانتشار المكثف للحياة العسكرية، وهو ما يبدو في صباح دمشق وأمسياتها، فترتدي دمشق صباحا بزّة عسكرية غير مرتبة ووسخة بشكل دائم وعند المساء تعود الصورة ذاتها بعد أن يعود السكان إلى منازلهم فتبدو دمشق في الساعة السادسة مساءً وكأنها خائفة من السهر، اللهم إلا في بعض المناطق التي بقيت إلى الآن خارجة عن ما يجري من الأحداث كمنطقة المالكي وأبو رمانة والشعلان والحمراء.
التقينا بالطبيب النفسي (ك.ن) وسألناه عن الآثار السلبية لهذه الظاهرة فيقول: “إن انتشار الحواجز وأداء العناصر فيها له طابع نفسي – سياسي، فمسألة اعتياد الأهالي على تلك الحواجز تستلزم بذل جهود نفسية في التعود على حال التحكم بالمزاج والضبط. من جهة أخرى فإن هذا الموضوع يجبر المواطن على تعود الكبت والقهر بشكل متزايد، وهو الذي يجعل مشاعر الناس السلبية تتوجه إلى العناصر لا إلى “الإرهابيين” كما يزعمون”.
كل ذلك وأهالي دمشق والنازحين إليها يعانون ويصمتون وما بيدهم غير ذلك طالما أنه لا توجد جهات يمكن اللجوء وتقديم الشكوى إليها، وفي الحقيقة فحتى لو كانت موجودة فإن النتيجة هي لاشيء طالما أن (سقف الوطن) بات (حصان طرادوة) الذي يبرر كافة أشكال القهر والتجاوزات من قوات النظام وشبيحته على الحواجز تجاه “أبناء شعبهم”!