عربين، ريف دمشق، سوريا، (جواد العربيني، أخبار الآن) – في ثالث أيام العيد الساعة الثانية عشرة ظهرا، هدوء نسبي كان يعم مدينة عربين كانت الفرصة مناسبة لخروج الاطفال للعيد بعد يومين من القصف المتواصل، قررت اعداد تقرير عن استمرار الحياة بالرغم من المأساة التي تعم سوريا، وصلنا في تمام الساعة الرابعة والنصف الى منزل احد الاصدقاء لنهنئه بالعيد كان منزل صديقي يبعد مئتي متر عن ساحة العيد البسيطة.
هي دقائق معدود وبدء الطيران الحربي بطلعاته المعتادة، أزيز الطائرات لم يثني الاطفال والاهالي عن مواصلة عيدهم فحاجز الخوف قد كسر منذ زمن بعيد. الكل هنا اصبح يعرف كيف يتعامل مع غارات الطائرات التي تنخفض الى مستوى متدني وتلقي قنابلها، لكن بعد امتلاك الجيش الحر منظومة أوسا الدفاعية أصبحت قوات النظام تستخدم الصواريخ الموجهة وبالتالي يمكن للطائرات أن تضرب أهدافها من بعد دون الحاجة للانخفاض او مانسميه نحن بالانقضاض.
خمس دقائق من الجلوس في منزل صديقي وإذ بانفجار ضخم يبعد عنا عشرين مترا حملت الكاميرا وبدأت تصوير سحب الدخان، دقائق معدودة وإذ بصاروخ آخر يسقط على مقربة من الصاروخ الاول، تمكنت من تصويره كان على مقربة من المبنى المستهدف حيث كان يتواجد عدد من المارة، كان هناك ايضا سيارتان تبتعدان ثلاثة امتار عن المبنى، لطف الله  قدر ان تكون الضربات في الطوابق السكنية العليا وهي مناطق تعد خطا احمر للسكن لسهولة استهدافها، ظننا ان الامر انتهى فصوت الطائرة بدء يبتعد تدريجيا.
بضع دقائق أخرى وبدأ الناس يجتمون في مكان القصف لإسعاف الجرحى، كنا نراقب المشهد من على شرفة منزل صديقي التي تطل مباشرة على المنطقة المستهدفة، بعد ثمانية دقائق بالتحديد لم نسمع الا صفير قذيفة هاون سقطت على بعد 30 مترا من الموقع الاول المستهدف حالات الهلع عمت معظم الناس الذين كانوا يحاولون إنقاذ الجرحى شظايا القذائف كانت تملا المكان، كل واحد من هؤلاء الناس بدء يركض الى مكان آمن، دقائق اخرى وسقطت قذيفة اخرى كل ما فعلته هو نصب كاميرتي على الشرفة لتوثيق المشهد والبحث عن مكان آمن لي في المبنى الذي كنت بداخله، كانت حالة من الهلع والخوف مرسومة على وجوه النساء والاطفال الذين نزلو الى قبو المبنى.
كل ماكنا نسمعه هو صفير للقذائف وانفجارها، يبدو ان قوات النظام كانت تمشط كامل المباني بقذائف هاون من عيار ثقيل، صعدت الى الشرفة لأحول مسار كاميرتي لتوثيق المشهد لا انكر ان الخوف كان يتملكني كنت احول مسار الكاميرا واهرب سريعا الى الطابق السفلي فشقة صديقي كانت في الطابق الثاني وفوقه طابق اي ان فوقي سقفين. 
عشرات القذائف كانت تتساقط الكثير منها للأسف لم استطع توثيقه خمس مرات حولت مسار كاميرتي وركضت مسرعا، احدى القذائف سقطت مباشرة في المبنى المطل على الشرفة كل ما فعلته هو التمدد على الارض، احدى القذائف سقطت وكانت الناس تجتمع لانقاذ الجرحى لظنها ان القصف انتهى وقد تمكنت من توثيقها ساعة كاملة من القصف.
بدء الهدوء يعود دقائف معدودة وبدأت سيارات الاسعاف تهرع الى المكان من على الشرفة، اول ماشاهدته رجل يحمل طفلا لا يتجاوز الخمس سنوات ويركض فيه مسرعا يحاول ان يجد سيارة لياخذه الى اقرب مشفى ميداني، بدأت اقرب الصورة باتجاه احد المواقع المقصوفة التي اجتمع فيها الناس يبدو ان القذائف اوقعت عدد من الجرحى والشهداء بحسب ما شاهدت.
بعد ساعتين من الهدوء قابلت رجلا قد اصيب وتلقى العلاج في احدى النقاط الطبية بعد ان اصيبت احدى قدميه بشطية، كان الرجل يعرج من الاصابة ويردد عبارة “انخرب بيتي انخرب بيتي” حاولت ان احادثه وأوثق ماحصل معه وبعد عناء قال لي: “ثروتي الحيوانية كلها ماتت”، فسالته ماذا قتل لك فقال لي: “بقرتان”، فقلت له بالعامية الحمد لله عالسلامة ومازحته: “بس بقرتين مو ثروة” قال لي بالعامية: “هاد كلشي بملكو ماعاد احسن طعمي ولادي”.
قابلت طفلا يحمل احدى الشظايا كانت نظراته حزينة جدا رفض الحديث امام الكميرا وبعد عناء ردد عبارات قصيرة لكنها كانت كافية لايصال رسالة كبيرة: “شوفو بشار شو عم يضربنا عيد يوم عيد”.
المشهد اليوم كان مخيفا لنا نحن الكبار، لكن عقلي كان يفكر ما الذي جرى في مكان اخر هناك على بعد مئتي متر منا في ساحة العيد البسيطة.