أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من ٩ إلى ١٥ يناير ٢٠٢٢. إلى العناوين: 

– القاعدة في اليمن تنعى مقاتلاً قالت إنه قضى في مواجهات مع الحوثيين؛ والخبيرة في شؤون اليمن إليزابيث كيندال تعلق: ”ردّ الهجمات إلى القاعدة يخدم الطرفين معاً“

– بعد إعلانها الولاء للقاعدة في شمال إفريقيا، جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان تبدأ بث أخبارها في قناة قاعدية شبه رسمية؛ وخبراء يتوقعون تصاعداً في الإرهاب

جهادي مخضرم في سوريا يقول إن زمن ”المهدي“ حان؛ ومعارض يتهمه بالتسويق لجمع المتابعين.

وضيفة الأسبوع، السيدة هودُن تيثونغ، مديرة معهد Tibet Action. هي ناشطة مستقلة من التبت. تحدثنا عن تقرير نشره المعهد في ديسمبر عن نظام المدارس الداخلية الصينية التي تُفرض على الأهالي والتي تهدف إلى صهر الهوية التبتية. 

المرصد 123 | ناشطة من التبت: مليون طفل في التبت يُنتزعون من أهاليهم ويودعون مدارس صينية داخلية

قاعدة اليمن في خدمة الحوثي

أعلنت مؤسسة الملاحم الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة في اليمن عن أولى هجمات التنظيم في العام الجديد ٢٠٢٢ والأولى منذ أواخر نوفمبر الماضي. 

زعم التنظيم أن الهجمات استهدفت الحوثيين في البيضاء. اثنتان يوم الاثنين ١٠ يناير: واحدة بتفجير حقل ألغام، وأخرى بتفجير عبوة ناسفة. والثالثة يوم ١١ يناير بتفجير عبوة أخرى. 

الدكتورة اليزابيث كيندال، الخبيرة بالشأن اليمني، وأستاذة اللغة العربية في جامعة أكسفورد، علّقت على تويتر بأن تفجير حقل الألغام أمر غير معتاد. 

كما لفتت الدكتورة كيندال إلى منشور آخر صدر عن الملاحم ضمن سلسلة تأبين قتلى التنظيم. المنشور الجديد يتعلق بـ دارس بن حسن المرواني وقيل إنه قُتل في معارك مع الحوثيين في الجوف شرق صنعاء. تقول الدكتورة كيندال إن قتل المرواني ”غير مؤرخ، ولكن تمّ الإبلاغ عن قتل شخص بهذا الاسم في أكتوبر ٢٠٢١.“ 

وتختم بأن ردّ هجمات الجوف إلى القاعدة ضد الحوثيين أمر يخدم الجانبين. 

وهذا أمر نركز عليه في هذا البرنامج. مهم للقاعدة أن تبرز كجهة تقاتل الحوثيين دفاعاً عن السنة في اليمن؛ ومهم للحوثيين أن يبرزوا كضحايا إرهاب القاعدة حتى يستجدوا الشرعية الدولية والمحلية أيضاً. 

 

عمالقة اليمن

في الأثناء، أعلنت ألوية العمالقة الجنوبية عن تحرير محافظة شبوة من الحوثيين. وقالت إن عملية ”إعصار الجنوب“ استكمل المرحلة الثالثة من التحرير. وفي البيان، قدّمت قيادة الألوية الشكر للتحالف العربي بقيادة السعودية ومساندة الإمارات. 

في سبتمبر الماضي، استولى الحوثيون على مناطق استراتيجية جغرافياً واقتصادياً في الزاوية الشمالية الغربية من شبوة التي تتوسط محافظات الجنوب اليمني: حضرموت من جهة وأبين وعدن من جهة أخرى. وقد نقلنا تقارير وشهادات عن استخدام الحوثيين عناصر وقيادات القاعدة من أجل التمهيد للاجتياح بدءاً من الصومعة في البيضاء.  

 

أنصار المسلمين في بلاد السودان 

وأخيراً، تعلن جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان عن أن بياناتها الرسمية ستُنشر على منصات الجبهة الإعلامية الإسلامية، وهي من أهم قنوات إعلام القاعدة شبه الرسمية. 

الجماعة التي تُعرف بلفظ ”أنصارو“ ومقرها نيجيريا استحوذت على اهتمام الخبراء والجهاديين على حدّ سواء في الشهرين الماضيين عندما بثت فيديوهات تكشف فيها عن هجماتها وتعرف عن نفسها فقالت إنها أعلنت الولاء للقاعدة في شمال إفريقيا في ٢٠٢٠. 

أنصارو كانت انشقت عن بوكو حرام بسبب الخلاف مع أبي بكر شيكاو وذلك في ٢٠١٢. غادروا شمال شرق نيجيريا واستقروا في شمال غرب نيجريا في منطقة زنفرة. ولا يُعرف من يقودها بعد أن قتل  شيكاو قائدهم وكان اسمه محمد الأول. وفي الحلقة رقم ١٩ من هذا البرنامج روى لنا الحقوقي النيجيري بولاما بوكارتي قصة انشقاق أنصارو. بإمكانكم الرجوع إليها في akhbaralaan.net. 

بالعودة إلى الإعلان عن إدارة الجبهة الإعلامية الإسلامية لإعلام أنصارو، علّقت السيدة مينا اللامي من BBC Monitoring والخبيرة في شؤون الجماعات الإرهابية بأنه من المرجح أن نرى أثر إدارة الجبهة الإعلامية لإعلام أنصا, بالنظر إلى أن الجبهة تدير إعلام الشباب الصومالية وقد تكون وراء ”تحسن جودة المخرجات الإعلامية لـ شباب ”من حيث الإنتاج والنشر بلغات مختلفة.“ 

الدكتور جيكوب زين، الخبير في الجماعات المسلحة في الساحل والصحراء قال: ”سنرى ما إذا كان سيؤدي (هذا التعاون) إلى تبني عمليات كانت سابقاً تُعزى إلى ”‘اللصوص.‘” 

 

هل يبقى مكان للجهاديين في إفريقيا؟ 

في الأثناء، نشرت الزلاقة، الذراع الإعلامية لتحالف نصرة الإسلام والمسلمين، البيان رقم ١٨٢ عن هجمات الجماعة في مالي ونيجيريا وبوركينافاسو. 

يأتي هذا فيما تجري تحركات عسكرية في المنطقة من نيجيريا إلى مالي إلى تشاد ستؤثر في سلوك الجماعات الجهادية في المنطقة. 

 

مالي المعزولة

في مالي، ومع نهاية الأسبوع الثاني من العام الجديد، شارك آلاف الماليين في مسيرات ضخمة عمّت معظم المدن الرئيسة: العاصمة باماكو، تمبكتو شمالاً وكادبولو جنوباً، احتجاجاً على قرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (آيكوواس) إغلاق حدودها مع مالي وفرض عقوبات جديدة على الحكومة العسكرية التي صعدت إلى السلطة بعد انقلاب أغسطس ٢٠٢٠. 

قرار آيكوواس جاء على خلفية عدم التزام حكومة الكولونيل عاصيمي غويتا إجراء انتخابات في فبراير المقبل كما كان متفقاً عليه. في ديسمبر، غويتا قدّم إلى المجموعة خطة انتقالية جديدة تمتد خمس أعوام تُتوج بانتخابات رئاسية في أواخر ٢٠٢٥، أوائل ٢٠٢٦. وبرر ذلك بأن الوضع الأمني في مالي غير مستقر خاصة في الشمال في إشارة إلى الجهاديين من أتباع إياد أغ غالي وأمادو كوفا. 

الاتحاد الأوروبي ومنه فرنسا أيد قرار آيكوواس وهدد باتخاذ خطوات مماثلة، وكذلك فعلت أمريكا. 

 

المصالحة في تشاد 

أما في تشاد، فقال رئيس المجلس العسكري هناك محمد إدريس ديبي إن قطر وافقت على مساعدة بلاده في بدء حوار تصالحي مع الجماعات المسلحة في تشاد. هذه الجماعات تعترض على حكم ديبي الابن الذي تولى من والده بعد أن قُتل في ظروف غامضة في أبريل الماضي ٢٠٢١ أثناء مواجهات مع جماعات متمردة ومنها جهادية. 

لا يبدو أن الجماعات الجهادية ستكون طرفاً في هذا الحوار. لكن ما يهم هنا هو أن تشاد هي الأكبر والأقوى في حوض بحيرة تشاد التي تتوسط ثلاث دول: تشاد، نيجيريا والنيجر؛ والتي تُعد مرتعاً للجماعات الجهادية من داعش إلى بوكو حرام سابقاً. وقد قادت تشاد أكثر من مرة عمليات تطهير هناك. 

عدم الاستقرار في تشاد قد يؤدي من دون شك إلى منح الجهاديين متنفساً لإرهابهم؛ يُضاف إلى ذلك أن أي جهة قد تستخدمهم ورقة ضغط كعصابات وقطاع طرق كما حدث ويحدث في مناطق كثيرة من العالم. 

 

نهاية العالم 

نشر الشيخ ماجد الراشد أبو سيّاف منشوراً يتوقع فيه قرب ظهور المهدي ونهاية العالم. أبو سيّاف داعية سعودي كان قيادياً في جبهة النصر – هيئة تحريرالشام حالياً -؛ وهو من أشد المعارضين اليوم للجولاني. هو جهادي مخضرم قاتل في أفغانستان مع أسامة بن لادن. 

ردّ عليه رداً غير مباشر حساب عبدالرحمن الإدريسي الموالي لهيئة تحرير الشام وقال: ”تجارة اليوم لكسب المتابعين من جهلة الناس.“ 

 

الصين الأخطبوط

أعلنت الصين وإيران أن اتفاقية التعاون بينهما دخلت حيّز التنفيذ ما يشكل خرقاً للعقوبات الأمريكية المفروضة على كلا البلدين وخاصة إيران. 

الاتفاقية وُقعت في مارس الماضي وبموجبها تدخل إيران في مشروع الحزام والطريق، قرّة عين الرئيس الصيني شين جينبينغ. 

المشروع يؤسس بنية تحتية بترليونات الدولارات تمتد من شرق آسيا إلى أوروبا وتوسع نفوذ الصين السياسي والاقتصادي في العالم. 

الاتفاقية مع إيران تنص على أن تقدم بكين عوناً في مجالات الطاقة والبنية التحتية والزراعة والرعاية الصحية والأمن السيبراني بالإضافة إلى فتح الباب على التعاون مع دول أخرى. 

إيران تخضع لعقوبات أمريكية تضاعفت منذ انسحبت أمريكا من الاتفاق النووي في ٢٠١٨. 

في الأثناء، أُعلن عن أن الصين حققت فائضاً تجارياً قياسياً في العام ٢٠٢١ في خضم وباء كوفيد ١٩. بلغ الفائض حولي ٦٧٦,٥ مليار دولار وهو الأعلى في العالم إذ ارتفعت الصادرات الصينية بنسبة ٣٠٪ تقريباً؛ فمع الإغلاقات وتوجه العالم إلى التجارة الإلكترونية زاد الطلب على المنتجات الصينية.  

 

حقوق البشر: الصين ترتكب جرائم ضد الإنسانية 

نشرت هيومن رايتس ووتش تقريرها الدوري عن حالة الحريات في العالم في العام ٢٠٢١. 

فيما يتعلق بالصين، وجد التقرير أن بكين سرّعت برامجها القمعية ضد الإيغور في إقليم شنجان وضد سكان إقليم التيبت. 

استعرض التقرير سياسة النظام الحاكم في إقامة معسكرات الاعتقال وإخضاع الأقليات إلى العمل بالسخرة وصهر الهوية والثقافة والحدّ من الحريات الدينية. واعتبر التقرير أن كل هذا يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

ولفت تفصيل يتعلق بمصادرة السطات الحاكمة في شنجان مبلغ ٨٥ مليون دولار تقريباً من ٢١ إيغورياً معتقلين حيث عرضت ممتلكاتهم للبيع في مزاد علني على الإنترنت. 

في التيبت، وبالإضافة إلى الممارسات التي تشبه ما يحدث في شنجان، تغض السلطات الحاكمة الطرف عن المسؤولين المحليين الذين يستحوذون على أراضي المواطنين بطرق غير مشروعة. 

وفي ٢٠٢١، زادت الاعتقالات بين سكان الإقليم خاصة بعد أن فرضت السلطات الصينية في نوفمبر ٢٠٢٠ قيوداً على استخدام الإنترنت في الإقليم بدعوى أنه ”ينال من الوحدة الوطنية.“

 

في الأصل كان “التبت”

إذاً، بتنا نعرف عن ممارسات الصين تجاه المسلمين الإيغور في إقليم شنجان. وهي ممارسات تم تطبيقها أول الأمر في إقليم التبت. وعندما وجدت السلطات أنها نجحت هناك، أعادت تطبيقها في شنجان. 

في ديسمبر الماضي، نشر معهد Tibet Action تقريراً مهماً ونادراً حول شبكة من المدارس الداخلية الصينية تضمّ حوالي مليون طفل تبتي يُنتزعون من أهاليهم ويخضعون لنظام شبه عسكري بهدف تحوليهم إلى صينيين لغة وثقافة. 

يسرنا أن نستضيف اليوم، مديرة معهد Tibet Action، السيدة هودُن تيثونغ. وهي أيضاً ناشطة تبيتية مستقلة تؤمن بالوسائل السلمية طريقاً لإسقاط الديكتاتورية. 

الآن: سيدة هودُن، حتى نضع الأمور في نصابها، بلدك، التيبيت، يقع في جنوب غرب الصين قرب إقليم شنجان حيث الإيغور المسلمون. ضمّت الصين إقليم التيبيت في خمسينيات القرن الماضي. وتسعون إلى الانفصال عن الصين باستخدام وسائل سلمية. الآن، تقريركم عن المدارس الداخلية؛ كيف يُعقل أن توجد مثل هذه الشبكة على هذا النحو؟ 

هودُن تيثونغ: هذا أمر لا يمكن تصوره في هذا العصر الحديث! أن نرى في القرن الحادي والعشرين مثل هذا السلوك على هذا المستوى الواسع بشكل مدارس داخلية استعمارية كما كانت في الماضي مهمتها تحويل أطفال التبت إلى صينيين. 

مهتمها أن تجعل الاطفال التبتيين يفكرون ويشعرون ويعتقدون كصينيين أولاً وليس كأبناء التبت. وكم شعرنا بالدهشة في البحث الذي أجريناه عندما وجدنا هذه الأعداد الكبيرة من الطلاب: من ٨٠٠ ألف إلى ٩٠٠ ألف طالب وطالبة تبيتيين تراوح أعمارهم بين ٦ أعوام إلى ١٨ عاماً يخضعون لهذا النظام. ومع هذا، لا يغطي هذا الرقم كل سكان التبت. يمثل هذا الرقم ٧٨٪ فقط من التلاميذ التبتيين ضمن هذه الفئة العمرية. وأنوه إلى أنه من الصعب الحصول على أرقام دقيقة تتعلق بسكان التبت بسبب الاحتلال الصيني وسياسة الصين في تمويه الأرقام. لكننا نتحدث في المجمل عن شعب يقدر بحوالي سبعة ملايين نسمة. وعليه فإن هذا الرقم هائل جداً. هذا هو مستقبل التبت. هذا هو مستقبل هؤلاء الأطفال الذين ينسلخون عن عائلاتهم ويفرض عليهم العيش في شبكة هائلة من المدارس الداخلية؛ يخضعون فيها إلى تحولات الهوية والانصهار الإجباري على النحو الذي نسمع عنه في كندا وأستراليا وأمريكا عن طريقة تعامل هذه الدول مع السكان الأصليين في الماضي. 

 

الآن: سيدة هودُن، كيف يحدث؟ كيف يؤخذ الأطفال من أهاليهم؟

هودُن تيثونغ: الحكومة الصينية لا تضع الناس في أغلال أو يأخذوا الأطفال بقوة السلاح؛ وإنما تقوم بوضع نظام كامل يتضمن سياسات تُفرض على الآباء والأمهات التبتيين بحيث لا يجدوا خياراً سوى إرسال أطفالهم إلى هذه المدارس. فثمة مناخ من القمع السياسي وقمع الحريات يربض فوق صدر الشعب التبتي. وعليه، يدرك التبتيون أنهم لا يستطيعون ردّ ذلك إلا إذا خاطروا بحياتهم وحياة عائلاتهم وعرضوا أمن المجتمع كله للخطر. يدركون أن الأفضل لهم ألا يقاوموا سياسات الحكومة الصينية أو يعترضوا عليها. كان ثمة خيارات أخرى أمام الآباء والأمهات كأن يرسلوا أطفالهم إلى مدارس الكهنة أو المدارس الخاصة؛ فثمة مدارس محلية في المناطق الريفية تلبي حاجات الأطفال حتى سن معينة. لكن السلطات الصينية عمدت وبشكل ممنهج ومتعمد في الأعوام الأخيرة إلى تسريع تحويل هذه المدارس المحلية إلى مدارس تحضيرية وبهذا لم يعد أمام الأهالي خيار إن أرادوا لأبنائهم وبناتهم أن يتلقوا تعليماً سوى أن يرسلوهم إلى المدارس الصينية. ولا يتوقف الأمر هنا. فالأطفال من الفئة العمرية ٤و ٥ سنوات يجبرون على دخول رياض أطفال داخلية. ولا نعلم كم عدد هؤلاء لأن الحكومة الصينية لم تنشر شيئاً بهذا الخصوص في الفضاء الالكتروني. ولم نجد أي مصدر رسمي يتحدث عن هذه الفئة العمرية من الصغار. ولكننا سمعنا من تبتيين في الداخل يقولون إنهم لا يريدون أن يرسلوا أطفالهم بعيداً عنهم في هذه السن الصغيرة فيفقدون لغتهم الأم بسرعة فائقة ناهيك عن أن الانفصال عن الأهل في هذه السن الصغيرة صعب جداً فالأطفال لا يستطيعون حتى تنظيف أسنانهم أو الاعتناء بأنفسهم. ولهذا يعتمدون على مقدمي الرعاية في النظام الصيني. ونقدر أن عدد هؤلاء الصغار كبير جداً ولكن لم يتوفر لنا بعد. 

 

الآن: ماذا يحدث عندما ”يتخرّج“ هؤلاء الطلاب؟

هودُن تيثونغ: تبدو التبت مثل ثقب أسود من المعلومات. يكاد يكون مستحيلاً الحصول على أخبار ومعلومات موثقة وحقيقية من التبت. أقول هذا لأرسم صورة لبلد مغلق بالكامل ولا يتمتع بأي نوع من الحرية. ولنتذكر أنه في تقرير عالمي أخير عن الحريات جاءت التبت في المركز الأخير – تعادلت التبت مع سوريا في هذا التصنيف الذي يقيس مستوى الحريات المدنية والسياسية على مستوى العالم. المجتمع الدولي لا يستطيع الدخول إلى المنطقة. والصحفيون لا يُسمح لهم بالعمل هنا. والتبتيون لا يُسمح لهم بالدخول والخروج دون أذونات خاصة من الحكومة الصينية. نستطيع الحصول على تأشيرة إلى الصين، ولكن الدخول إلى التبت مسألة مختلفة تماماً. وعليه أقول إنه من الصعب جداً الحصول على معلومات حول حقيقة هذه المدارس وأحوالها هذه الأيام. ولهذا يتعين علينا الاعتماد على ما نوثقه من التبتيين الذين أقاموا في المدارس الداخلية في الماضي؛ أي  حتى عام ٢٠٠٩ أو ٢٠١٠. هذه أحدث معلومات لدينا. معلومات من أشخاص يتحدثون بصراحة عمّا تعرضوا له. 

مرة أخرى أود أن أؤكد أن الحياة في هذه المدارس صعبة جداً لأنها تمثل تحولاً ثقافياً كاملاً؛ فيتعين على الأطفال أن يتعلموا الصينية وأن يعيشوا حياة تشبه النظام العسكري. لا يُمنحون إلّا قدراً قليلاً من الحرية. وهذه بيئة لا تتوافق مع رعاية أطفال كي يتعلموا ويصبحوا أفراداً منتجين في المجتمع. هذه بيئة تتوافق مع السيطرة على الأطفال وإخضاعهم إلى سرديات سياسية وتعليمهم بلغة مختلفة عن لغتهم الأم.

ويقول لنا التبتيون ممن ذهبوا إلى هذه المدارس الصينية الداخلية في الصين على مدى أعوام أن الحياة بعد المدرسة مختلفة عمّا يتخيلون. فلا وظائف للتبتيين. لا يعامل هؤلاء التبيتون خريجو هذه المدارس على ذات السوية كما الخريجين الصينيين. لا يعاملون كمواطنين في الجمهورية الصينية. فالحكومة الصينية تحاول أن تحول التبتيين إلى صينيين ولكنها تميز ضدهم في نهاية المطاف. نعلم من التبتيين الذين تخرجوا من هذه البرامج أنه كان صعباً الحصول على عمل ضمن نظام التوظيف الصيني إلا في مجال التعليم كمدرسين تبتيين أو قد يتولون مهام أخرى في المؤسسة التعليمية، لكن هذه الوظائف لم تعد متوفرة الآن. 

 

الآن: بالفعل هي دائرة مفرغة؛ خاصة أن التبتيين يدرّسون الأطفال التبتيين اللغة الصينية والثقافة الصينية؛ يعني وكأنّهم يشاركون في تجريد أبناء شعبهم من الهوية.

هودُن تيثونغ: أمر محزن جداً. وفيه ظلم قاهر. لا عدالة للأطفال ولا لعائلاتهم. كل ما في هذا النظام انتهاك لحقوق التبتيين كأفراد وكمجتمع. وكأن المجتمع التبتي سوف ينقرض. وهذا هو هدف الحزب الشيوعي الحاكم في الصين. سينقرض التبت كجماعة متميزة لها هويتها الخاصة ولغتها الخاصة. وهذا ما يفعله الحزب الشيوعي الحاكم بالإيغور. يفرضون عليهم الانصهار في الثقافة الصينية تماماً مثل التبتيين حتى لا يقاوموا الدولة بأي شكل من الأشكال. وكما التبتيين، الإيغور وغيرهم قاوموا الحكم الصيني لأجيال ورفضوا السيادة الصينية على أراضيهم وأمتهم. وهذه هي المحاولة الأخيرة من جانب الحكومة الصينية للقضاء على أس المشكلة. 

 

الآن: سيدة هودُون، عندما نقرأ عن الصين وعن التبت تحديداً، نقرأ أن الإقليم يتمتع بحكم ذاتي. يحكمون أنفسهم بأنفسهم. لكن هذا غير كافي لكم. كيف؟ 

هودُن تيثونغ: هذا ما نراه الآن في السياسات التي يديرها شي جينبينغ. في الماضي كان ثمة قدر من الاحتمال والتعايش. في الثمانينات، صيغت قوانين العرقيات المناطقية ومناطق الحكم الذاتي ووضعت بنود في الدستور الصيني تحمي العرقيات وتحترم اختلافهم ولغاتهم الخاصة. لكن كل هذا تغير الآن. ولم يعد ثمة قيمة لعبارات الاحترام التي وشحت تلك المؤلفات الحكومية والقوانين في الماضي. ولهذا، كانت المدارس الابتدائية في التبت تدرس باللغة التبتية. لكن حدث تحول مفاجئ وكبير وتغيرت لغة التعليم إلى الصينية فيما اقتصرت اللغة التبتية على صف واحد فقط. وسيكون لهذا أثر هائل على الطلاب. نسمع من الطلاب الذين تخرجوا من المدارس الداخلية في الماضي أنهم حتى سن الابتدائية أو في السنوات الحرجة الأولى كانوا يتلقون أساسيات اللغة ويحفظونها. لكن كل شيئ تغير الآن. 

 

الآن: ذهبت الى شنجان في ٢٠١٩؛ ومن أهم الأمور التي لا تزال عالقة في ذهني هي أن الإيغور يقبلون حقيقة سلطة الصين كدولة؛ ويخضعون لكل برامج الإصهار الممكنة؛ ولكن حتى هذا لا يؤهلهم لأن يكونوا مواطنين حقيقيين في دولة الصين. يتعلمون الصينية ويخفون ممارساتهم الدينية وغيرها؛ ويظلوا مع كل هذا مواطنين من الدرجة الثانية. هل الوضع نفسه في التيبيت؟

هودُن تيثونغ: بالضبط. أعتقد أن الفكرة الهامة هنا هي أن لا إمكانية للفوز إن كنت مواطناً من التبت أو تركستان الشرقية أو جنوب منغوليا. حتى لو اتبعت القواعد والقوانين وحاولت أن تكون مواطناً يلتزم بالقانون ويتحدث لغة تختلف عن لغتك الأم التي تحفظ ثقافتك وتقاليدك وهويتك؛ فستظل تشكل تحدياً للدولة! لهذا نجد أن فعاليات مثل جمعيات الحفاظ على اللغة تتعرض لإجراءات قانونية تجرم عملها. ولهذا نرى أن أفراداً ينادون بحقوق التبت ويطالبون بتعليم التبتية في المدارس وكتابتها على اللوحات الإرشادية في المدن والبلدات – وهو أمر يُفترض أن الحكومة الصينية تضمنه – نجد أن هؤلاء الناس يتعرضون للقمع والسجن بتهم التحريض. لا يمكن أن تفوز مع هذا النظام الذي على رأسه شي جينبينغ الذي هدفه أن يمحو الهوية التبتية والإيغورية؛ وأن يمحو الدين والثقافة واللغة. والغريب أنهم لا يخفون هذه النوايا. لنؤكد هذه النقطة. ولهذا على المجتمع الدولي أن يتصدى لهم وأن يفضح مخططاتهم وأن يعلن هذه الممارسات إبادة ثقافية وحضارية في الحد الأدنى؛ على نحو ما يتعرض له الإيغور من معسكرات اعتقال وفرض الإجهاض والعقم وهي كلها سياسات عانى منها التبتيون قبلهم. هذه جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية. على المجتمع الدولي أن يسمي الأشياء بأسمائها وأن يضغط باتجاه محاسبة السلطات الصينية حتى تتوقف عن هذه الممارسات. 

 

الآن: سيدة هودُن، كناشقة تطالبين بالاستقال والحرية؛ وخبيرة في الشأن الصيني، كيف تنظرين إلى السياسة الصينية التي تسعى لإخضاع مناطق خارج حدود الصين إلى سلطتها. نلاحظ أن سياسة الحزب الشيوعي الحاكم في قمع الأقليات تركز على الأقليات التي تسكن الحدود التي تتقاطع مع مشروع الحزام والطريق؛ ونسمع قصصاً ونقرأ تقارير عن توغل الحكومة الصينية على موانئ دول مستقلة كما يحدث في باكستان. كيف تنظرين إلى هذه الهيمنة الصينية؟  

هودُن تيثونغ: نعم. الإمبراطورية الصينية تريد أن تتوسع؛ الحزب الشيوعي الحاكم يريد أن يتوسع. والتبتيون كانوا من أوائل ضحايا هذه المخططات. المجتمع الدولي لم يفعل ما يكفي لوقف هذا الطمع بالتوسع الجغرافي عند حدود الصين بذريعة السعي إلى تأمين الحدود كما يدعون. بل زادت هذه الشهية لجرف مزيد من المناطق. وسوف تزيد. وهذا ما نراه في دبلوماسية التفخيخ بالديون أو حتى في الاستحواذ المباشر على الأراضي وإعادة تسمية الجزر وإعلان السلطة على مناطق كما في بحر جنوب الصين وتهديد تايوان الديمقراطية. الأدلة واضحة للعالم وأي شخص يستطيع أن يراها بالعين المجردة. الحزب الشيوعي الحاكم بزعامة شي جينبينغ يهدد أمن العالم. ونحن نساعد القادة الصينيين على تدعيم سياسة الحزب الواحد والدولة الشمولية في الصين وتطبيق سياستهم داخل حدودهم وخارجها. نحن نساعدهم عندما نسمح لهم بتطبيق سياساتهم في الدول الأخرى بذريعة التنمية الاقتصادية أو تقديم العون؛ فإن دخلوا هذه الدول غيروا مسار العملية الديمقراطية فيها. نرى في الدول النامية مشاريع بنى تحتية ضخمة لكن ما لا ندركه هو أن الحكومة الصينية تأتي بعمّالها. فالأمر لا يتعلق بتوظيف الطاقات المحلية. بل إنهم إن وظفوا محليين أساؤوا إليهم كما هي حال أي نظام شمولي مغلق. ولهذا الحزب الشيوعي الحاكم لا يهدد سكان الصين، أو التبت وحسب وإنما ينزّ خطرهم إلى العالم كله. إنه خطر علينا يتهددنا جميعاً.