أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع نغطي فيها الفترة من ٢٩ أغسطس إلى ٤ سبتمبر ٢٠٢١. في العناوين: 

– لماذا “تلكأ” ممثل طالبان في جواب سؤال عن اضطهاد الصين للإيغور؟

– تهاني القاعدة لطالبان تمرّ بلا احتفال والأنصار يتساءلون: أين الظواهري؟ 

ضيفة الأسبوع، السيدة كريس كوبيكا، خبيرة الأمن السيبراني. كوبيكا من أشهر النساء في مجال التقنية والهاكر على مستوى العالم. من إنجازاتها أن ردّت الهجوم السيبراني على أرامكو السعودية قبل سنوات وأعادت الاستقرار لأسواق النفط العالمية. السيدة كوبيكا تجيب عن: 

– لماذا أخفقت التقنية الحديثة في حماية الأفغان؟ 

– وكيف يمكن تعقب أموال داعش التي جنوها في العراق وسوريا؟ 

المرصد 104 | لماذا "يتلكأ" ممثلو طالبان عند الإجابة عن اضطهاد الصين للإيغور؟

السيدة كريس كوبيكا، خبيرة الأمن السيبراني

طالبان والحدود الشرعية

لا تزال علاقة طالبان بالخارج بين مؤيد ومحذّر تبرز التناقضات بين الجهاديين. على تويتر، انتشر بين أنصار طالبان هاشتاغ (شكراً قطر)؛ حتى إن مفتي القاعدة السابق أبا حفص الموريتاني شارك العبارة. في الأثناء رفض أكثر من حساب قاعدي المقاربة بين طالبان من جهة وحماس أو هيئة تحرير الشام من جهة أخرى من حيث السعي إلى الانفتاح على المجتمع الدولي. لكن المشكلة هنا هو أن دولة قطر التي يشكرها طالبان هي من أكبر داعمي حماس. وهذا تناقض في الولاءات يحاول بعض الجهاديين تجاهله. 

أما بالنسبة للصين، فقد نقلت وسائل إعلام عالمية عن مسؤولين في طالبان أنهم يعتبرون الصين “شريكاً” مهماً واستراتيجياً وأن الشركات الصينية سوف تواصل استثماراتها في أفغانستان. المعضلة الصينية تتمثل أساساً في إشكالية الإيغور المسلمين الذين يتعرضون لسياسة تمييز من الحزب الشيوعي الحاكم في الصين. وجزء منهم لا يعترف بالسيادة الصينية، وإنما يسعى إلى العودة إلى أصل الإقليم وهو تركستان الشرقية. سُئل سهيل شاهين المتحدث باسم طالبان أكثر من مرة عن الإيغور والحزب الإسلامي التركستاني المعارض للصين والمنضوي تحت راية القاعدة والمتمركز في أفغانستان. شاهين قال إن طالبان لن يسمحوا لأي جهة باستهداف دول أخرى إنفاذاً لاتفاق الدوحة. 

هذا الأسبوع، سُئل شاهين مرة أخرى ولكن عن الإيغور في الصين وليس عن الحزب التركستاني. وهو ما سبب تلكأ في جواب شاهين حتى بدا أنه يعاني. ف

ي مقابلة مع تلفزيون ياباني، سُئل: هل ستدافعون عن إخوانكم وأخواتكم من الإيغورالمسلمين الذين يعانون تمييزاً عنصرياً في الصين؟ 

ردّ: المسلمون في الصين هم مواطنون صينيون. ونقول إن المواطنين الصينيين متساوون في الحقوق. 

الصحفي الياباني سوكاغاوا استدرك: لكن هل ستساندون الإيغور؟

ردّ شاهين: كما قلت يجب أن يكونوا متساوين 

الصحفي: لكنهم غير متساوين.

ردّ: قانونهم يقول إنه يجب ألا يكون فيه تمييز 

الصحفي: إذاً ستقولون قولكم إن وجدتم عدم مساواة؟

رد: نأمل أن يركز الصينيون على أمور الأمن والمساواة بين مواطنينهم. هم يركزون على هذا. 

 

دفاعاً عن طالبان، قال بعض أنصار القاعدة إن طالبان ترعى الحزب التركستاني الإيغوري “رغم الغضب الصيني.” في هذا أمران. أولاً، أمريكا رفعت اسم الحزب من قوائم الإرهاب في أكتوبر ٢٠٢٠ ليكون أداة ضد الصين. والمسألة الثانية هي أن الحزب كان شوكة في خاصرة حراس الدين في قتالهم مع الهيئة في صيف ٢٠٢٠. 

العلاقة مع باكستان إشكالية أيضاً. هذا الأسبوع وصل رئيس الاستخبارات الباكتسانية فايز حميد إلى كابول فيما قيل إنه محاولة لإتمام تشكيل حكومة طالبان. عارفون بالملف قالوا إن ثمة خلافات على مناصب وزارية مهمة بين أقطاب طالبان: برادار والحقاني وعبدالقيوم ذاكر (وزير الدفاع) والمقرب من باكستان. آخر قال: الآن نعلم من يحكم فعلاً. فيما علّق ثالث بأن المشاورات ستقصي من يرغب في علاقة طيبة مع الهند، عدو باكستان اللدود. 

 

القاعدة وحيدة

على غير العادة، لم نلحظ هذا الأسبوع احتفالاً ببيان تهنئة القاعدة المركزية لطالبان الصادر في ٣١ أغسطس. قبل الإصدار، كان ثمة ترقب وانتظار وتوقعات عالية السقف بأن القاعدة سوف تطلق تصريحات تحدث ضجيجاً مدوياً وهزة في العالم. لكن بعد نشر البيان، اختفت حسابات، وأخرى اكتفت بإعادة النشر دون تعليق. في مجموعة مؤيدين للقاعدة، سأل أحدهم عن عدم ظهور زعيم التنظيم الظواهري في هذا المفصل التاريخي. فرد آخر بأنهم ينتظرون ذكرى ١١ سبتمبر، متوقعين أمراً عجيباً تأتي به القاعدة.

الصحفية المتخصصة في BBC Monitoring، مينا اللامي، لاحظت كيف أن مجلة طالبان الصمود في نسخة أغسطس لم تذكر أي بيان للقاعدة أو جهات محسوبة عليها. بالرغم من أن المجلة ذكرت حماس وحتى مؤيدي هيئة تحرير الشام وقادتهم. 

داعش علق على الفقرة الأخيرة من البيان وفيها دعاء بـ”تحرر” بلدن عربية وإسلامية، ليس فيها ذكر لاسم العراق. داعش علّق: “ليس عندهم رغبة بانتصار المسلمين هناك ولعل السبب عدم وجود فرع لهم هناك فهم أنصار لأفرعهم لا للمسلمين.” 

 

إرهابي نيوزلندا

في نيوزلندا، طعن لاجئ سيريلانكي اسمه أحمد شمس الدين سبعة أشخاص في سوق بمدينة أوكلاند. 

هذا الرجل فرّ من سيريلانكا في ٢٠١١ ومنحته نيوزلندا صفة اللجوء بعد عامين. في ٢٠١٧ ألقي عليه القبض وهو يحاول السفر إلى سوريا للانضمام إلى داعش. حاولت السلطات نزع صفة اللجوء عنه وترحيله بعد أن اكتشفوا أنه كان يخطط لهجوم إرهابي؛ لكنهم فشلوا بسبب خلل في قانون البلاد الذي يحمي اللاجئين والذي لا يعتبر “التخطيط” جريمة. حتى إن السلطات لم تعلن عن اسم الرجل بعد ارتكابه الجريمة إلا بعد قرار من المحكمة العليا ذلك أن القانون النيوزلندي يضمن سرية هوية اللاجئين خوفاً عليهم وأهلهم من تعقب الأنظمة التي يهربون منها. 

واللافت إصرار هذا الرجل على البقاء في نيوزلندا وتقديمه الاسئناف تلو الاستئناف، والوثائق التي تثبت اضطرابه النفسي. 

الأكاديمية والصحفية المتخصصة فيرا ميرونوفا علّقت مستنكرة هذا التقصير في كبح هذا “مناصر داعشي،” وزادت: “ثم أن نيوزلندا لم تحاكم بعد امرأة تنتمي فعلاً إلى داعش، وليست مجرد مناصرة، عادت إلى البلاد من سوريا.” 

 

فتوى ضد الجولاني 

انتشرت حملة في الإعلام القادم من إدلب ضد ما قيل إنه إيذان هيئة تحرير الشام بفتح معبر ميزناز شرق إدلب لعبور بضائع النظام السوري. 

مزمجر الثورة السورية قال إن ذلك “دعم للنظام (السوري) وإنعاش لاقتصاده كي ينتصر على درعا ويزيد المجازر في جبل الزاوية.” 

الحساب نقل عن مشايخ معارضين ما وصفها بالفتاوى بأن الجولاني والهيئة “خونة وعملاء” ما يحلّ قتالهم. 

الهيئة نشرت بياناً وضحت فيه أنها لم تفتح المعبر وإنما سمحت لشاحنات تتبع الأمم المتحدة بإدخال حصص غذائية. 

علّق أحدهم: “لا مشكلة في دعم القطاع الإنساني ولكن ليس على حساب الثورة السورية في إعادة تعويم نظام الأسد المجرم على الصعيد الأممي وإعطاءه الشرعية.” 

العالم المظلم 

نبدأ هذا الأسبوع فقرة تتعلق بأخبار من العالم المظلم، عالم الجريمة المنظمة. في نهاية الأمر الجهادية هي شكل من التطرف والإرهاب والجريمة. 

– كشفت شبكة ABC الأمريكية عن تقارير بأن الجهات الأمريكية المسؤولة عن الإخلاء من مطار كابول واجهت مشكلة وجود عدد من الرجال كبار السن مع فتيات قصّر يدعون أنهن زوجاتهم. تقارير أخرى تقول إن فتيات أجبرن على الزواج حتى يتمّ ترحيلهنّ من أفغانستان. 

– تعطلت ثالث أكبر شبكة للإنترنت في نيوزلندا بعد هجوم سيبراني. ما حدث هو أن المخربين استهدفوا أحد عملاء الشبكة وأحدثوا ما يُسمى denial of services أو DDoS. وهو ببساطة إثقال الشبكة حتى تتعطل وتتوقف عن الخدمة. وعادة ما ينتهي الأمر بدفع فدية مقابل وقف الأحمال وإعادة الخدمة. نفس الشبكة تعرضت العام الماضي لمثل هذا التعطيل وتعطلت معه تعاملاتها في البورصة ولم يُفرج عن الخدمة إلا بفدية دُفعت بالبتكوين. 

– أنهت السلطات النرويجية تحقيقاً في الهجوم السيبراني الذي تعرضت له أجهزة الاستخبارات والدفاع الحكومية عام ٢٠١٨، مستنتجة أن المسؤول عن الهجوم هو جهة صينية تُعرف باسم APT31. 

– عرضت السفيرة الأمريكية في أبوجا أن تتعاون بلادها مع السلطات النيجيرية للكشف عن شبكة ممولي ومنشطي جماعة بوكو حرام. بموجب العرض، تستخدم السلطات الأمريكية تقنية المعومات الحديثة لتتبع حركة السلاح والمصادر المالية التي تخدم بوكو حرام. بحسب موقع The Guardian النيجيري، لم يردّ الرئيس النيجيري على هذا العرض الأمر الذي أثار توتراً في الأوساط الحكومية والأكاديمية.  

 

كريس كوبيكا

نرحب هذا الأسبوع بالسيدة كريس كوبيا، واحدة من أشهر النساء في التكنولوجيا على مستوى العالم، ومن أشهر النساء الهاكر. السيدة كوبيا هي خبيرة أمن سيبراني. مستشارة لعدة حكومات وشركات عالمية من خلال شركتها HypSec. وهي المسؤولة الأولى عن البرنامج السيبراني في معهد الشرق الأوسط، وهو مركز بحثي متميز. 

من إنجازاتها أن ردّت الهجوم السيبراني على أرامكو السعودية قبل سنوات وأعادت الاستقرار إلى أسواق النفط العالمية. لها مؤلفات في استخدام المصدر المفتوح للاختراق بهدف الاختبار

السيدة كوبيكا كانت قائداً في سلاح الجو الأمريكي وفي قيادة الفضاء. 

 

المرصد: وأنا أعد لهذه الحلقة، كنت أسأل نفسي: لماذا “نفتح” عيون الناس على هذا العالم المظلم – عالم الهاكر والويب الأسود dark web, darknet؟ لماذا مهم أن نتحدث عن هذا في الإعلام من وجهة نظرك؟ 

 

السيدة كريس كوبيكا: أعتقد أن السبب الذي يدعونا إلى الحديث عن هذه الأمور في الإعلام هو أن هذه الأمور قد تحدث بل إنها تحدث فعلاً. الأمر أشبه بالتعامل مع وباء كوفيد. إن لم نحاول أن نستعد لما قد يحدث ولأسوأ ما قد يحدث، فسوف تداهمنا الأحداث ونحن في غفلة من أمرنا وهو تماماً ما حدث مع حكومات في العالم تفاجأت بالوباء. وعليه، فإن بحثنا الأمر وأدركت حكوماتنا ما عليها أن تفعل: أن تعد سياسات متعددة استعداداً لانقطاع الكهرباء مثلاً نتيجة هجوم سيبراني، أو هجوم باستخدام برنامج فدية Ransomware يتسبب في انقطاع الكهرباء؛ فماذا نفعل؟ كيف نتغلب على هذه الأزمة ونعد خطة بديلة؟ كيف نتعامل مع الجمهور حتى نطمئنهم؟ إن لم نخطط ونفكر في هذه الأمور فسيكون الأمر مثل ما حدث عندما تفاجأنا بهذا الوباء. 

 

المرصد: في موقع MEI   معهد الشرق الأوسط، كتبت أننا أي المجتمع العالمي، لم ننجح في مكافحة المعلومات الزائفة والتطرف الذي على الإنترنت. أود أن أسألك: لماذا جمعتي الاثنين – كيف تكون المعلومات أو الأخبار الزائفة مظهراً للتطرف؟ 

السيدة كريس كوبيكا: سهل جداً تضليل الناس على الإنترنت. بعض الأسباب في هذا تعود إلى أن كثيرين منا في العالم نشعر وكأن إعلامنا أو حكوماتنا تخلت عنا أو لم تعد تعيرنا اهتماماً وأن الثقة بيننا وبين حكوماتنا لم تعد موجودة. تماماً كمن يثق بما يقوله العم أو العمة بدلاً من الوالدين. ما أن نراهم على السوشيال ميديا حتى ننجرف وراء ما يقولون بدلاً من تصديق ما تقوله حكوماتنا. في نفس الوقت نرى أن المتطرفين يستخدمون المعلومات المضللة حتى يحتجزوا المرء في فقاعة وهو ما تقوم به الخوارزميات والسوشيال ميديا. في الفقاعة، ننتقل من موقف: “آ. يبدو هذا منطقياً!” إلى أن يصبح كل الذي نراه هو متطرف بل ويزداد تطرفاً أكثر فأكثر. من شأن هذا أن يحول المرء من شخص أقل تعصباً إلى متعصب جداً. للأسف. ألقي باللوم في هذا إلى حد ما على الحكومات المختلفة. لأنه إن فقد الناس الثقة بحكوماتهم، فسيلجأون إلى الإنترنت وإلى الوثوق بمصادر غريبة عنهم. 

المرصد: من المهام التي نقوم بها في البرنامج هو رصد البروباغاندا على مواقع الجهاديين في التطبيقات المشفرة مثل التلغرام والتي لا تزال أداة للتجندي. كيف يمكن أن نقاوم هذه الحال من التجندي ونشر المعلومات المضللة؟ 

السيدة كريس كوبيكا: يوجد برنامج مثير للاهتمام حقق نجاحاً في فرنسا عندما رشّح الرئيس الحالي نفسه للانتخابات. كان ثمة حجم هائل من المعلومات الخطأ التي اختلطت مع ما قد أصفه بالنسخة الأكثر تطرفاً من حزب اليمين عندهم. ما فعلته الحكومة الفرنسية وقتها هو أنه حالما شاهدوا رسائل تظهر على السوشيال ميديا كانوا يخضعونا للتدقيق والتحقق ولكن بطريقة لا توحي بأنهم يأمرون الآخرين بألا يلتفتوا إليها لأنها مزيفة. بل كانوا يتحدثون مع الناس بطريقة النصح لا التنظير. وقد نجحوا في هذا نجاحاً كبيراً. لأن من الأمور التي يجب أن نعيها هو أن الشخص الذي يعيش في فقاعة من المعلومات، هو يعيش في وسط (مغلق) وغير صحي ولن يتقبل أن يُقال له صدّق هذا ولا تصدّق ذاك. لن يتقبل التنظير. يجب أن يُتعامل معهم بطريقة إنسانية بدلاً من الفوقية. وهذا ما نجح معهم. 

 

المرصد: في محاضرة لك العام الماضي، تحدثتي عن أنظمة “مثيرة للاهتمام” تستغل الجريمة الرقمية في تمويل عملياتها وتجاوز العقوبات. وقد ينطبق هذا على جماعات جهادية وإرهابية. هل يمكن أن تحدثينا عن هذا الجانب؟

السيدة كريس كوبيكا: طبعاً. لنقل أن ثمة مجموعة إرهابية أو دولة مارقة تخضع لعقوبات قاسية، وتحتاج إلى المال. وربما لم تتوفر لديها تقنية حواسيب أو مهارات تقنية. اليوم، بإمكان هذه الجماعات أن تستأجر هذه الخدمات، تماماً كما نستخدم نحن برنامج Microsoft Office 365. هو يوفر لنا خدمة. وبالتالي، تستطيع هذه الجماعات استئجار برنامج الفدية Ransomware، أو Malware Box لتشغيله وتعطيل المواقع الإلكترونية. يمكن لها أن تدفع للهاكر حتى يغير الموقع deface وأن ينفذ كل ما تطلب منهم. إذاً، إما أن تستأجر برنامج فدية كخدمة أو تستأجر خدمات شخص، كمتعاقد، كما تفعل أي شركة مع أي نوع من الخدمات. وتستطيع أن تجني أموالاً طائلة من أنواع مختلفة من الهجمات بالبريد العشوائي spam أو برامج الفدية أو الابتزاز بتعطيل الخدمة DDoS، أو أن تدفع لشخص حتى يخترق النظام ويحصل على البيانات والمعلومات التي يمكن استخدامها في الابتزاز وهكذا.  وفي معظم الأحيان، تُدفع مبالغ الابتزاز بطريقة تتجاوز النظام المصرفي، فلا يمكن إيقافها متى تمّ إرسالها، ولن تعلم إن كانوا سيهاجمون مرة ثانية ويحصلون على مبالغ أكثر. هذه الأساليب حققت مبالغ طائلة لبعض الدول التي تخضع لعقوبات وبعض الجماعات الإرهابية. 

 

المرصد: هل يمكن أن تعطينا نماذج من قصص تعاملتِ معها؟ 

السيدة كريس كوبيكا: ثمة دولة آسيوية تخضع لعقوبات مشددة. لكن للأسف، طوال الأعوام العشرة الماضية على الأقل، ظلت تستخدم أنواعاً مختلفة من البرمجيات الضارة malware  وتستأجر برمجيات أخرى للحصول على معلومات من أجل سرقة الأموال من الحسابات؛ فتسرق كلمات المرور حتى تسرق الأموال من الحسابات وأعتقد أنهم كانوا يجنون ما لا يقل عن مليون دولار في اليوم. 

المرصد: الدولة هي كوريا الشمالية؟ 

السيدة كريس كوبيكا: هي دولة آسيوية معينة. 

 

المرصد: تحدثتي عن تجاوز النظام المصرفي، وهنا نسأل عن الإتجار بالبيتكوين – العملة المشفرة. لا يزال الجدل يدور حولها هل هي خير أم شر. ما رأيك؟ 

السيدة كريس كوبيكا: البيتكوين ليست عصية على التعقب كما يعتقد البعض. يمكن تعقب معاملات البيتكوين إلى أن تدخل مغسلة العملات المشفرة. عندها يستطيع الفرد أن يشتري خدمة التبييض. المبيضون يأخذون جزءاً من المبلغ ويبيضون الباقي الذي تستطيع صرفه نقداً في الجانب الآخر، تماماً مثل غسيل الأموال التقليدي. وفي الواقع، من الطرق التي تستطيع فيها التنبؤ إن كانت الجرائم الإلكترونية سوف تتصاعد هو إن ارتفعت قيمة البيتكوين وغيرها من العملات المشفرة. عندها يزداد عدد الجرائم الإلكترونية المالية لأن المبالغ التي يتم تحصيلها تصبح ذات قيمة عالية. هذا الجانب خطير. في الجانب الآخر، لهذه العملات منافع. فهي تماماً مثل النقد. نحب أن يكون معنا نقد ولكن نخشى أن يقع في الأيدي الخطأ فيساء استخدامه. وهنا تعتبر هذه العملات مثل الوعاء الذي يحفظ وينقل هذه المبالغ. وعليه نستطيع أن نستخدم هذه العملات استخداماً حكيماً أو إجرامياً. 

 

المرصد: في الفترة من ٢٠١٤ إلى ٢٠١٧، جنى تنظيم داعش الإرهابي ملايين الدولارات من تجارة النفط أثناء احتلال الموصل والرقة في العراق والشام. ومن النظريات التي تبحث في “استثمارات” التنظيم هو أنهم تاجروا بالبيتكوين. هل لديكِ دليل أو قصص عن هذه المسألة؟ 

السيدة كريس كوبيكا: بلى. بعضه تمّ الاتجار به باستخدام البيتكوين. وقعت حادثة في أوروبا حيث تمكنا من تعقب مجموعة استخدموا البيتكوين لشراء برنامج اخترقوا به أجهزة الحواسيب في إحدى السفارات. يبدو أنه كان لديهم عدة محافظ بيتكوين في ذلك الوقت. كما أنهم تاجروا بالمعادن الثمينة، وباستخدام وسيط لغسل الأموال كان يغسل مبالغ طائلة. لكن البيتكوين في ذلك الوقت لم تكن ثمينة كما هي اليوم، فلم يستخدموها بكثرة. ولكن اليوم أتوقع أن يقوم تنظيم داعش في أفغانستان باستغلال البيتكوين. 

 

المرصد: عندما انهارت “خلافة” داعش، كان بعض كبار القادة يجلسون عملياً على ملايين الدولارات. هل يمكن تعقبها؟ 

السيدة كريس كوبيكا: نستطيع أحياناً. يمكن تعقب المبالغ إلى مشتريات غريبة. ثمة ما يُعرف بسوق NFT سوق العلامات غير المستبدلة، وهو طريقة لبيع وشراء الفن الرقمي المرتبط بالعملات المشفرة و Blockchain. ومن النوادر في هذا المجال أن كثيراً من تجار المخدرات  وحتى المجموعات الإرهابية والدول المارقة في السابق كانت تستطيع نقل الأموال من خلال القطع الفنية الثمينة جداً بحيث تظهر هذه القطع بشكلها الرقمي في سوق NFT. ليست كل التعاملات في هذه السوق جرمية، ولكن إن وجد المرء أن سعر هدية يمكن لأي شخص أن يصنعها يراوح بين ٢٥٠ ألف دولار إلى مليون، فهذا يعني أن أحدهم ينقل القطع الفنية بطريقة حديثة وأن البنك ربما رفض إيداع المبلغ المطلوب لأن اسم الشخص المعني ورد على قائمة العقوبات. أتوقع أن نشاهد مزيداً من هذا الأمر: نقل الأموال من المحافظ وصرفها في أمر مشروع أو قانوني. وعليه، ثمة طرق مختلفة لتعقب هذه الأموال؛ وإن كنا نصل إلى مرحلة يختفي فيه أثر المال. 

 

المرصد: لطفاً سيدة كوبيكا، فقط حتى أفهم. الآن، عندما أشتري هذا الفن الرقمي، فأنا أخسر هذا المبلغ، أليس كذلك؟ 

السيدة كريس كوبيكا: لا. كما فعل إيسكوبار وغيره في الماضي؛ هذه القطع الفنية لا تزال ثمينة. ولكن نقل قطعة فنية تساوي الملايين أسهل بكثير من نقل الملايين نقداً. لنتخيل القطع الفنية الموجودة اليوم في أسواق NFT. جميعها رقمية. ما عليهم إلا أن يرسلوا تلك القطع إلى شخص عبر الإنترنت من دون أن يضطروا إلى وضع القطع في طائرة أو شاحنة وتأمين الحماية لها. نقل الأموال غير المشروعة بهذه الطريقة من خلال أسواق NFT أسهل من أن يشتروا مثلاً لوحة لبيكاسو. 

 

المرصد: إذاً، يمكن إعادة بيعها. 

السيدة كريس كوبيكا: نعم. يمكن إعادة بيعها إلى مجموعة إرهابية أخرى أو تاجر مخدرات أو أي شخص يرغب في دخول هذه السوق. 

 

المرصد: سيدة كوبيكا، في المسألة الأفغانية، سمعنا نظريات تفسر هزيمة الجيش الأفغاني بالرغم من المعدات المتقدمة التي يمتلكها. ولا نزال نسمع عن أفغان يخشون استخدام الإنترنت حتى لا تنكشف مواقعهم. هل يمكن أن تشرحي لنا ما يحدث من وجهة نظر أمن سيبراني؟ 

السيدة كريس كوبيكا: مع سقوط الحكومة الأفغانية، برزت مخاوف عدة. ولنتذكر أن الخصوصية تشكل جزءاً هاماً من الامن السيبراني. سأعطيك أمثلة. قال البعض إن من أسباب سقوط الجيش الأفغاني بهذه السرعة هو أن المتعاقدين (الأمريكيين) أخذوا معهم ما يوازي البنية التحتية أو أساس أي بنيان. أزالوا التكنولوجيا التي تدعم البناء مثل برامج الحواسيب. في مثل هذه الظروف تصبح بيانات الموقع ذات أهمية بالغة لأنه إن علم عدوك أين تسكن أنت أو عائلتك من خلال تطبيق على هاتفك الذكي أو الشبكة التي يستخدمها هاتفك الذكي، فلا شك أنك ستضع السلاح حتى لا تعرض نفسك وأهلك للخطر. ويحدث أنه عندما تتغير الحكومات، يهرب كثير من الناس لينجوا بحياتهم ويتعين عليهم الاحتفاظ بخصوصيتهم وخصوصة بيانات مواقعهم. مثال على ذلك أن ثمة قاضيات أفغانيات قضين بأحكام على سجناء فروا من السجن وأصبحوا الآن جزءاً من حكومة طالبان. يخشين اليوم على حياتهن وحياة عائلاتهم إن تسربت مواقعهن لأن أعضاء طالبان هؤلاء سيرغبون في الانتقام. وهنا نحتاج إلى النظر إلى مسألة أمن الهواتف. يجب الالتفات إلى الهواتف القديمة التي يمكن اختراقها بسهولة، ويمكنها تسريب موقع الشخص إلى ويبسايت معيّن. يستطيع أي شخص أن ينصب فخاً يسمى Watering Hole (نقطة التجمع) يوهم المستهدَف بأن عليه التوجه إلى عنوان موقع إلكتروني معين وهناك يتم الحصول على بياناته من خلال هاتفه. هذه أمور تحدث كثيراً. حدث هذا مع النيويورك تايمز وألـ CNN. لكن في هذه الحال، لم تتهدد حياة أي شخص في المؤسستين. ولكن الأمر مختلف بالنسبة للأفغان لأنهم يواجهون خطراً حقيقياً. نحن مقبلون على حوادث غير مريحة. مؤسف أن حوادث وقعت بسبب حالة الأمن السيبراني وانعدام الخصوصية في أفغانستان.

 

المرصد:  سألتِ في حسابك التويتر متابعيكِ: “ما هو أسوأ ما تعرفوه عن الأمن السيبراني؟” كخبيرة لك هذا الباع الطويل في الأمن السيبراني، ما هو أسوأ ما تعرفيه عن الأمن السيبراني؟ 

السيدة كريس كوبيكا: أسوأ ما يخطر لي هو أن الأمن السيبراني الفضائي يغيب عن اهتمام الأغلبية الواسعة من الحكومات عندما تصنع سياساتها الوطنية. الأقمار الصناعية تتحكم بالطرق البحرية والجوية وفي كل طرق تنقلنا من طرف إلى آخر في المدينة. بالإضافة إلى أنواع من أنظمة الدفع الإلكتروني وأنظمة الاتصال. في الواقع نحن نعتمد على الأقمار الصناعية بشكل كبير لكن اهتمامنا بالأمن السيبراني الفضائي لا يحتل مساحة من تفكيرنا كما يجب. حدث أن استخدمت الأقمار الصناعية كناقل للبرامج الخبيثة. وحدث أن اخترقت أقمار صناعية. محطة الفضاء الدولية تعرضت لهجوم سيبراني لأن أحد رواد الفضاء استخدم USB معطوب. يُضاف إلى ذلك أن معاهدات الفضاء تقوم على أساس الحروب الأرضية فتنطبق على الحكومات فقط ولا تمتد إلى الشركات الخاصة ونشاطاتها في الفضاء. ولهذا أعتقد أن علينا أن نضبط مسألة الأمن السيبراني في الفضاء.