أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (DW)

يعاني عدد كبير من اللاجئين في ألمانيا من ضائقة نفسية تجعلهم بحاجة إلى العلاج والمشورة، لكن الحواجز اللغوية والثقافية تجعل الوصول إلى الصحة النفسية أمرا صعبا بالنسبة للقادمين الجدد في ألمانيا.

في عام  2015 كان التحدي كبيرا في برلين، إذ شهدت هذه السنة قدوم موجات متتالية من اللاجئين. وبالرغم من حاجة القادمين إلى المشورة النفسية والعلاج، ساهم أيضا نقص الكوادر الطبية المؤهلة وعدم معرفة اللغة في زيادة المشكلة القائمة.  "لا أحد يعرف الأرقام الدقيقة لأعداد اللاجئين الذين يحتاجون إلى مساعدة نفسية، إلا أنه يمكن تقديرها بأنها واحد من كل أربعة لاجئين"، بحسب ما يقول الطبيب مالك بجبوج المتخصص في الصدمات النفسية ورئيس قسم العيادات الخارجية العربية في مستشفى شاريتيه. ويتابع بجبوج: "هناك حوالي 80 ألف لاجئ في برلين، ومن هذا الرقم الكبير يمكن معرفة حجم المشكلة". 

إقرأ: ماذا تعرف عن إنفصام الشخصية؟

يرأس بجبوج، المتخصص في علاج الصدمات، العيادة العربية في مشفى شاريتيه في برلين. بالتعاون مع مركزين صحيين متخصصين في الصحة النفسية، ساهم بجبوج في إنشاء مركز لمساعدة ومتابعة اللاجئين في مجال الصحة النفسية. ويقدر عدد المرضى من اللاجئين الذين قدمت لهم مساعدات منذ شباط / فبراير من العام الماضي بنحو أربعة آلاف مريض.

دعم نفسي قليل

من جهتها تؤكد خبيرة الصحة النفسية إنغه ميسماهل، مؤسسة منظمة IPSO Cultural غير الربحية ومقرها برلين  أنه "لا يوجد ما يكفي من الدعم للاجئين، وإن وجدت فإنها غير ملمة بالعادات الثقافية للاجئين".

وتقدم المنظمة الإنسانية، التي تأسست في أفغانستان منذ عام 2008، فرص تدريب للاجئين في كل من برلين وتورنغن وهامبورغ مدته عام واحد ليصبحوا مرشدين نفسيين واجتماعيين. وقامت الجمعية حتى الآن بتدريب 92 مرشداً في ألمانيا من 17 بلدا مختلفا يتكلمون 13 لغة مختلفة. وتقول ميسماهل "إن مستشارينا يتعاملون مع المرضى مع احترام قيمهم ومعاييرهم الثقافية"، وهي تضيف أن كلمة الصدمات تستخدم كثيراً، وأحياناً في غير محلها، وتوضح: "بالطبع هناك الكثير من اللاجئين الذين يعانون نتيجة الصدمات، لكن هذا ليس حال الجميع وعندما يتم معالجة الأعراض في سياقها الثقافي، نتفادى خطر حصر الشخص في دور الضحية المزدوج."

من جانبه، قام فريق بجبوج في وحدة المرضى الخارجية  بالاستعانة بالموظفين المؤهلين والمترجمين من أجل التغلب على الحواجز اللغوية، كما قام بتعيين خبراء متعددي اللغات، والاستعانة بخدمات الترجمة عن بعد، من أجل التوصل لتفاهم أكبر مع المرضى.

 

من جهة أخرى يرى هانز روجلر، مستشار الأسرة للاجئين في منظمة المعونة الكاثوليكية كاريتاس أنه بالرغم من وجود منظمات عديدة تعنى بالمشاريع التي توفر الدعم للصحة النفسية، إلا أنه تم الإقرار بوجود نقص كبير في المركز الصحية المخصصة للاجئين. وقال روجلر: لقد تم إنشاء الوظيفة التي أشغلها منذ فترة وجيزة، وذلك في عام 2016 بهدف إتاحة إمكانية الحصول على المشورة بشكل أفضل، مضيفا "إننا نعمل مباشرة داخل ملاجئ اللاجئين مع الأزواج أو العائلات".

دعم نفسي مختلف 
ويقول المستشار النفسي: "أرى مجموعة متنوعة من الحالات. بالنسبة للبعض، ما واجهوه في بلدهم أو في طريقهم إلى ألمانيا كان صعبا، ومن غير الممكن ألا يترك أثرا على الأشخاص الذين عايشوه. بينما يكون التحدي بالنسبة لآخرين في إمكانية  التكيف مع مجتمع جديد ولغة جديد، وهناك فارق ملحوظ في سرعة التأقلم وتعلم اللغة بين اللاجئين البالغين والأطفال. ويتابع المستشار: "غالبا ما يتعلم الأطفال اللغة بشكل أسرع من آبائهم، ويتحملون قدرا كبيرا من المسؤولية في مساعدة العائلة من أجل التعامل مع مؤسسات الدولة المختلفة".

من جهة أخرى يوضح ديتريش مونز، رئيس الغرفة الألمانية لأخصائيي العلاج النفسي(BPtK) أنه في برلين، يحصل الأشخاص الذين يطلبون اللجوء على بطاقة صحية إلكترونية عادة تمكنهم من الحصول على الرعاية الطبية المجانية في حالات المرض أو الألم الطارئ فقط. ويوضح مونز أن الصحة النفسية لا تعتبر دائما حالة طارئة، لذلك يتم التعامل مع كل حالة على حدة".

ويوضح مونز أن الحق في الرعاية ليس موحدا في مختلف الولايات". "في هامبورغ، على سبيل المثال، تدفع حكومة الولاية أجرة المترجم ، بينما هذا الأمر غير متوفر في ولايات أخرى. كما أن إمكانية حصول طالبي اللجوء على بطاقة صحية الكترونية بمزايا محدودة هو أمر متفاوت بين الولايات.

ويقول بيبلاب باسو من مؤسسة ReachOut   في برلين، وهي منظمة تدعم ضحايا العنف بدوافع عنصرية: "لا يزال بإمكان الدولة بذل المزيد من الجهود لدعم الصحة النفسية”.، ويضيف: "لقد نقلوا المسؤولية الى المنظمات الطوعية والجمعيات الخيرية التي تكد من أجل توفير الرعاية." 

تحسين الدعم

يوضح باسو أيضاً أن المشكلة تكمن أحياناً في الاكتفاء بالتعامل مع الأزمات التي حدثت في طريق الهروب، مع تناسي المشاكل التي يواجهها اللاجئون حتى بعد وصولهم إلى ألمانيا، إذ يعيشون في ملاجئ ضيقة مكتظة مزعجة، دون عمل. ويوضح أن الوصول إلى ألمانيا ليس إلا "هدنة"، لكنها لا تعني الوصول إلى الراحة.

ويتفق معه باجبوج، الذي يضيف أن كثيرين يتعاملون فقط مع "الحجر العائق" الأول في حياة اللاجئين وهي التجارب التي تعرض لها في البلد الأصلي سواء تعذيب أو حرب أو غيرها، ويفترضون أن الأمر انتهى بالوصول إلى هنا: "لكن هناك العائق الثاني هي الرحلة إلى هنا والعائق الثالث هي الوصول إلى ألمانيا والتعايش هنا والاضطرار أحياناً للجلوس دون القيام بأي عمل".

ويوضح المستشار النفسي روجلر أن: "عيش اللاجئين في ظل الأزمات النفسية يمكن أن يجعل الحياة صعبة على المرضى، من ناحية النوم والعمل وتعلم اللغة". ويتابع أن هذه الظروف قد تكون مدمرة ولها نتائج عنيفة: "سكن اللاجئين قضية معقدة بشكل خاص في برلين، حيث لا يزال الآلاف من اللاجئين يعيشون في الملاجئ الطارئة حتى صيف عام 2017.

ويروي روجلر كيف أنه حاول تخصيص مجموعات الدعم النفسية للآباء المتعبين، وخصص مجموعة دعم أسبوعية للآباء. ويتابع: "لقد كان الكثير من الآباء الذين عملت معهم يعانون من الإجهاد"، وأضاف: "أردنا خلق مساحة حيث يمكنهم بناء المجتمع ودعم بعضهم البعض ومعالجة بعض القضايا قبل أن يصبحوا مشاكل أكبر".
إن إدراك كيفية معالجة القضايا النفسية هو أمر مهم كما يقول باجبوج: "إن رؤية طبيب أو طبيب نفسي ليست ضرورية دائما، ويمكن القيام بالكثير، على سبيل المثال، بالمساعدة في الحصول على سكن". ويضيف الطبيب باجبوج يقول زميل لي إن أفضل مضادات الاكتئاب تحصل أحيانا عندما تجد مكان سكن خاص مناسب. 

أما ميسماهل من منظمة IPSO فتقول إن عملهم الأساسي يتعلق بتدريب اللاجئين لمساعدة بعضهم البعض والتمكن من استعادة السيطرة على حياتهم. "إن الأمر يتعلق في المقام الأول بالتمكين".

إقرأ أيضاً:

إجراءات للحد من عدد اللاجئين في ألمانيا

فراق العائلة.. ألم يعيشه اللاجئون في إنتظار لم الشمل