أخبار الآن | المانيا – (DW)

يواجه الأطباء الأجانب الذين يرغبون في العمل داخل ألمانيا اختبارات معقدة للغاية "كما يبدو، وذلك رغم حاجة القطاع الصحي في ألمانيا إلى خبرة هؤلاء الأطباء لتعويض النقص في الأطباء و ارتفاع عدد من هم في حاجة للرعاية الصحية.

يقول الدكتور منذر شيخو من حلب السورية، الذي فرّ من الحرب الأهلية الشرسة في بلاده قبل ثلاث سنوات: "كنت أعمل مستشاراً للطب الباطني في سوريا. آمل أن أتمكن من العمل في هذا التخصص بألمانيا أيضاً".

أقرأ أيضا: دراسة: مسكنات الألم لها علاقة بزيادة خطر الإصابة بقصور في القلب

خلال الأشهر القليلة الماضية، قام شيخو بمعالجة العديد من المرضى في عيادة خاصة باللاجئين بمدينة نويمونستر شمال ألمانيا. لكن في الثلاثين من سبتمبر/ أيلول، أصبح عاطلاً عن العمل، حيث لم يتم تجديد رخصته لمزاولة مهنته بشكل مؤقت والتي كان قد حصل عليها من قبل إلى حين خضوعه لاختبار الكفاءة.

أقرأ أيضا:دراسة: إعطاء المنشطات للاطفال لتحسين قدرتهم الإنتاجية غير مجد

الدكتور إيفو ماركوس هير، وهو المدير الطبي الذي قام بتوظيف منذر شيخو بالإضافة إلى ثلاثة أطباء سوريين في العيادة، الواقعة داخل مستشفى فريدريش إيبرت، يصرح أن طبيبين من ثلاثة وجب عليهم مغادرة أماكن عملهم رغم مستوى كفاءتهم العالية. المناهج الطبية الألمانية والسورية غير متطابقة، وبالتالي فإن على الأطباء السوريين إثبات نفس القدر من التدريبات والمعرفة الطبية مثل أقرانهم الألمان، حتى يحصلون على تصاريح بمزاولة المهنة.
إغلاق العيادة

أقرأ أيضا:تطوير روبوت لمساعدة الأطفال الذين يعانون مرض التوحد

وإلى حين حدوث ذلك، يقول الدكتور هير، فإنه مضطر لإغلاق عيادته، برغم وجود نحو ألف لاجئ يعيشون بالقرب من المستشفى، ويضيف قائلا: "إذا لم يكن لدينا أطباء لإدارة هذا المركز، فإننا سنضطر إلى إيقاف العمل فيه وسيتم نقل الطبيبين المتبقيين إلى قسم الإصابات العاجلة".
الدكتور شيخو يخشى من أن يتطلب نحو عام كامل إلى حين عودته لمزاولة مهنته كطبيب، ويتابع بالقول: "بعد التقدم بطلب للإختبار، سيتطلب الأمر ثمانية أو تسعة شهور حتى نحصل على موعد … يجب علينا أيضاً المشاركة في دورة تبدأ في مطلع العام القادم، وتستغرق ثمانية شهور أيضاً. الأمر صعب جداً. في السابق، كنا عاطلين عن العمل وكان الأمر صعبا والآن أصعب. أنا لا أكاد أنام الآن".

عملية اعتماد الأطباء الأجانب في ألمانيا هي مهمة بيروقراطية للغاية ومعقدة، بحسب الدكتور هير، والذي يطالب السلطات الصحية بإدراك حقيقة أن الأطباء الفارين من مناطق الصراع لا يستطيعون دوماً الاحتفاظ بأدلة كاملة بشأن تدريبهم الطبي، رغم أنهم يشكلون إثراءا إيجابيا للنظام الصحي الألماني.
"غياب" الإرادة السياسية

ويعتبر هير أن "ما ينقص هي خارطة طريق للاندماج، بالإضافة إلى تبسيط الإجراءات القانونية ورفع مستويات استيعاب هؤلاء… ما ينقص هي الإرادة السياسية لمعالجة هذه المشكلة. إن ذلك يخيب آمالنا، لأننا أدركنا الآن أنه بالإمكان تحقيق ذلك".
قطاع الصحة الألماني بحاجة إلى المزيد من الأطباء، فتزايد عدد المسنين بين السكان يتطلب المزيد من الرعاية الصحية. وفي نفس الوقت، فإن عدداً متزايداً من الأطباء يحال على التقاعد وبشكل أعلى مقارنة مع الأطباء الذين يتم تأهيلهم لمواجهة هذا النقص. وكنتيجة لذلك، فإن هناك توجها متزايداً للاعتماد على الطواقم الطبية القادمة من الخارج.

عام 2015، كان هناك ما يقرب  38 ألف طبيب أجنبي يعملون في ألمانيا، مقارنة بنحو 15 ألفاً عام 2005. هؤلاء الأطباء يشكلون أكثر من 10 في المائة من الممارسين لمهنة الطب في ألمانيا خلال العام الماضي، ومنهم تقريبا ألفان من سوريا.

التحدي الكبير يكمن الآن  في ملء الفراغ القائم في النظام الصحي وفي ضمان العناية بالمريض في نفس الوقت. حول ذلك تجيب دائرة الصحة في ولاية شليزفيغ هولشتاين، حيث يعمل منذر شيخو: "تم اتخاذ إجراءات لمساعدة الأطباء الأجانب على الانخراط في الخدمات الصحية الألمانية ولضمان امتلاكهم للمهارات اللغوية اللازمة. هذه الإجراءات تشمل العمل المشروط تحت مراقبة الزملاء الألمان لتحسين مهاراتهم اللغوية أو المشاركة في دورات تدريبية متخصصة تبدأ في يناير/ كانون الثاني القادم".

وتؤكد الإدارة أنه تم إخبار شيخو وزملائه منذ العام الماضي بأن عليهم تقديم اختبارات كفاءة، حيث إن 57 طبيباً أجنبياً خضعوا لاختبارات الكفاءة وتجاوزوها بنجاح منذ مطلع عام 2015.
لكن عملية الحصول على تصريح هو أمر معقد، فهناك 22 دائرة اعتماد في أنحاء ألمانيا في هذا الشأن، وفي بعض الولايات هناك أكثر من دائرة. تلك الدوائر تقوم بتحديد معايير خاصة بها،ويعتقد أن بعض الولايات أكثر صرامة من ولايات أخرى.

لذلك نشأت منظمات مثل "اتحاد ماربورغ"، وهي منظمة تمثل أطباء يعملون في الخدمات الصحية، وهي تطالب بتوحيد نظام الاعتماد، وهذا ما بدأ بتطبيقه فعلاً. في هذا الصدد، ترحب روت فيشمان من القسم الدولي للمنظمة بإنشاء هيكلة مركزية لكل ولاية على حدة.

وتضيف فيشمان: "تقييم شهادات الأطباء الأجانب عملية معقدة … إن دمج معرفة الخبراء في جسم مركزي هي أفضل طريقة لتوفيرعملية تقييم عادلة وفعالة وشفافة. وما زلنا بانتظار ما إذا كانت السلطات ستعتمد على خدمات هذا النظام المركزي وما إذا كان عمله سيتطور".

وبالعودة إلى مستشفى فريدريش إيبرت، يقوم منذر شيخو بتشخيص فتاة صغيرة تعاني من ألم شديد. يتحدث شيخو الكردية مع الفتاة، بينما يستخدم العربية والإنجليزية مع مرضى آخرين، والألمانية مع المرضى المحليين الذين يعالجهم.
حول ذلك يقول الطبيب السوري من حلب: "يمكنك إجراء تشخيص أولي بسرعة دون أي سوء فهم. كما يمكنك فهم العقلية أيضاً. العديد من المرضى يقولون لنا إنهم يبحثون عن طبيب سوري لأنهم غير قادرين على تفسير مشاكلهم بلغة أخرى".
أما مدير العيادة هير، فيصرّ على أن الخدمات الصحية الألمانية بحاجة إلى أطباء من الخارج، ويقول: "يحتاج  الألماني إلى خمسة أضعاف الوقت ليقيّم حالة مريض لاجئ مقارنة بزملائنا السوريين، لاسيما وأنه لا يعرف اللغة أو خلفية هؤلاء الأشخاص. هذا تحد كبير لعيادتنا وللقسم بأكمله حيث إننا نرعى هؤلاء المرضى".

قد تكون أعداد اللاجئين الذين يصلون ألمانيا في تراجع، ولكن عدد الأطباء الأجانب ما يزال في ازدياد. لذلك، فإن الخدمات الصحية في ألمانيا بحاجة إلى إدماجهم وفي نفس الوقت إلى المحافظة على المعايير المتبعة وأمن المرضى.
الدكتور هير يرى وجود حاجة للحديث عن ذلك: "إذا ما تمكنا كمجتمع من قرن الحاجة إلى طواقم طبية متخصصة بمن فروا من دولهم إلينا، وإذا ما نجحنا في إدماجهم، فإن ذلك سيعني إدماج مشكلتين وحلهما".