أحدث كنز يُكتشف في أعمال التنقيب بمدينة بومبي المدفونة
عثر علماء الآثار على أعمال فنية رائعة خلال عمليات تنقيب جديدة في مدينة بومبي المدفونة، المدينة الرومانية القديمة التي دُفنت على إثر ثوران بركان جبل فيزوف في إيطاليا عام 79 م.
ويقول علماء الآثار إن اللوحات الجدارية المكتشفة تُعد من بين أفضل اللوحات التي أمكن العثور عليها في أنقاض الموقع القديم. وهي تصور شخصيات يونانية أسطورية، مثل هيلانة الطروادية، على جدران سوداء عالية في قاعة الولائم الكبيرة.
كما تكسو أرضية القاعة فسيفساء شبه كامل يضم أكثر من مليون بلاطة بيضاء.
ولا يزال يتعين تنظيف ثُلث المدينة المفقودة بسبب الحطام البركاني، وتؤكد أعمال التنقيب الحالية، وهي الأكبر منذ جيل، مكانة بومبي باعتبارها النافذة الأولى في العالم على شعب وثقافة الإمبراطورية الرومانية.
ويرجح العلماء أن يكون اللون الصارخ للجدران قد وقع عليه الاختيار بغية إخفاء رواسب دخان المصابيح المستخدمة أثناء الترفيه بعد غروب الشمس.
وتتألف اللوحة الجدارية من قطعتن ثابتتين، إحداهما، يظهر أبولو وهو يسعى إلى إستمالة الكاهنة كاساندرا، وقد أدى رفضها له، بحسب الأسطورة، إلى تجاهل نبوءاتها.
كما تسرد الجدارية النتيجة المأساوية في لوحة ثانية، إذ يلتقي الأمير باريس بالجميلة هيلانة، وهو اتحاد تعرف كاساندرا أنه سيهلكهم جميعا في حرب طروادة.
وتعد القاعة السوداء أحدث كنز يُكتشف في أعمال التنقيب في بومبي المدفونة، التي بدأت قبل 12 شهرا.
ويتعين على خبراء الآثار التحرك بسرعة لحماية الاكتشافات الجديدة، ونقل كل ما بوسعهم إلى المخازن لحفظها. أما بالنسبة للوحات الجدارية التي يجب أن تظل في مكانها، فيستعين على الخبراء حقنها بمادة لاصقة من الجبس في الجزء الخلفي منها منعا لانفصالها عن الجدار، فضلا عن دعم البناء بالسقالات ووضع الأسقف المؤقتة على القمة.
وكانت كبيرة المرممين، روبرتا بريسكو، قد أمضت يوم الثلاثاء الماضي في محاولة لمنع قوس من الانهيار. وأضافت: “لدينا ولع وحب كبير تجاه ما نفعله، لأن ما نكشف عنه ونحافظ عليه هو من أجل الأجيال التي ستأتي بعدنا”. وسلطت المنطقة 9 الضوء على قصص وأسرار جديدة بالنسبة لعلماء الآثار.
وكانت أعمال التنقيب في أواخر القرن التاسع عشر قد كشفت عن وجود مغسلة في إحدى الأركان، بيد أن أعمال التنقيب الجارية كشفت عن وجود مخبز للبيع بالجملة بجوار المغسلة، بالإضافة إلى مقر سكني كبير بقاعته السوداء.
ويرجح فريق الأثار بثقة إمكانية ربط المناطق الثلاث ماديا عبر أنابيب المياه وممرات معينة، وأيضا من حيث ملكيتها. ويوجد بعض التلميح إلى هوية هذا الشخص المالك في العديد من النقوش موقعة بالأحرف الأولى”ARV” ، وتظهر الحروف على الجدران وحتى على أحجار الرحى في المخبز.
وقالت عالمة آثار المنطقة، صوفي هاي: “نعرف من هوARV إنه أولوس روستيوس فيروس”. وأضافت: “نعرفه من خلال الدعاية السياسية الأخرى في بومبي أنه سياسي، وشديد الثراء، ونعتقد أنه ربما يكون مالك المنزل الفاخر الواقع خلف المخبز ومغسلة الملابس”.
بيد أن الواضح أن جميع العقارات كانت تخضع لأعمال تجديد وقت ثوران البركان. هرب العمال وتركوا بلاط السقف مكدسا بشكل منظم، ولا تزال أوانيهم من الملاط الجيري مملوءة في انتظار استخدامها، وبقيت موالج البناء والمعاول الخاصة بهم في مكانها، على الرغم من أن المقابض الخشبية تعفنت منذ فترة طويلة.
وقد استطاعت خبيرة الآثار، ليا تراباني، تسجيل وفهرسة كل شيء بدءا من أعمال التنقيب في بومبي المدفونة. وخلال شرحها، تصل تراباني إلى واحد من آلاف الصناديق أو أكثر التي تضم قطعا أثرية موجودة في مخزنها وتسحب من صندوق قطعة مخروطية قصيرة فيروزية اللون. وتقول: “إنه ميزان رصاص رأسي، تماما مثل عمال البناء اليوم، كان العمال الرومان يستخدمونه لضبط ومحاذاة الأسطح الرأسية”.
كما تحمل تراباني القطعة المخروطية بين أصابعها وتقول: “ترى، إذا نظرت عن قرب، هناك قطعة صغيرة من خيط روماني مربوطة حتى الآن”.
من جهته، قال عالم الآثار، أليساندرو روسو في إشارة إلى لوحة جدارية للسقف استُخرجت من إحدى الغرف، وكانت قد تحطمت خلال ثوران البركان، لكنه وضع قطعها في شكل بانورامي، على طاولة كبيرة: “هذا هو اكتشافي المفضل خلال أعمال التنقيب هذه لأنه اكتشاف معقد ونادر، عالي الجودة بالنسبة لشخص رفيع المستوى”.
وعلى الرغم من جمال اللوحة الجدارية لسقف المبنى الكبير، لكن بعض ما يكشف عنه المخبز يبرز جانبا أكثر وحشية من الحياة الرومانية، ألا وهو العبودية.
من الواضح أن الأشخاص الذين عملوا في هذا المخبز ظلوا محبوسين في ظروف مروعة، كانوا يعيشون جنبا إلى جنب مع الحمير التي تدفع أحجار الرحى، ويبدو أنه كانت توجد نافذة واحدة بها قضبان حديدية لمنع الهروب.
كما اكتشف العلماء في المخبز أيضا هياكل عظمية خلال أعمال التنقيب، إذ سُحق شخصان بالغان وطفل بسبب سقوط الحجارة عليهم، ويعتقد العلماء أنهم ربما كانوا من العبيد حوصروا في المكان وعجزوا عن الفرار من ثوران البركان، إنه مجرد تخمين.
وقال عالم الآثار المشارك، جينارو إيفينو: “خلال أعمال التنقيب، نتساءل عما نشاهده”. وأضاف: “الأمر أشبه إلى حد كبير بخشبة المسرح، أمامك مشهد، وخلفية، والجاني هو جبل فيزوف. يجب أن يكون عالم الآثار لديه القدرة على ملء الفراغات، وسرد قصة الممثلين المفقودين، والعائلات والأطفال، والناس الذين ماتوا هناك”.