في هذا الأسبوع عنوانان رئيسان: حرب التيلغرام تأتي على الأخضر واليابس، فهل نجحت في تحجيم الإرهاب الإلكتروني؟ وفي الذكرى الثلاثين لاغتيال عبدالله عزام، عرّاب الجهاد الأفغاني ومنطلق الإرهاب إلى العالم، تفاصيل الساعات الأخيرة من حياته.

التيلغرام وداعش وأنا أسبوع مجنون. حرب من نوع آخر، هذا الأسبوع قام اليوروبول بالتعاون مع ٩ منصات إعلامية على الإنترنت بعملية تطهير لحسابات داعش على تيلغرام، غوغل، files.fm، تويتر، إنستغرام ودروبوكس.
تيلغرام طبعاً كانت المنصة الأكثر استهدافاً نظراً لنشاط داعش عليها. فحسابات أعماق وناشر الدولة موجودة هنا وأنصار داعش يتناقلون أخبار التنظيم منها على التيليغرام، هذه ليست المرة الأولى التي يقوم بها اليوروبول بعملية التطهير هذه من خلال وحدة الإنترنت في المنظمة الدولية التي أنشئت عام ٢٠١٥.

فجأة اختفت قنوات داعش التقليدية. والحقيقة شاهدت شيئاً شبيهاً عندما قُتل البغدادي. الحسابات التقليدية اختفت أو غيرت طريقة عرضها تخوفاً من استهدافها ذلك الوقت. لكنها ظلت موجودة بصيغة روابط وحسابات يُشار إليها بأرقام لا أسماء. الحسابات “رفيعة المستوى” إن صح التعبير مثل الفرقان وأعماق ظهرت مؤقتاً لنقل الإعلان عن الخليفة الجديد، وهذه المرة اختفت الحسابات، لكنها ظلت موجودة من خلال تناقل أنصار التنظيم الروابط الخاصة بهذه القنوات … يعني هي أشبه بمرايا للحساب الرئيسي حتى يضمنوا عدم استهداف الحسابات الأم، المشكلة التي حدثت لاحقاً هي أن الصحفيين والباحثين الذين يراقبون هذه الحسابات تعرضوا للحظر أيضاً.
مينا اللامي التي تقود فريقاً للرصد الإعلامي في بي بي سي متخصص بالحركات الجهادية نشرت على تويتر أن تيليغرام حظر حساب فريقها ودعت الصحفيين والباحثين ممن تعرضوا لحظر مماثل إلى الكتابة إليها. ورد كثيرون ومنهم باحثون في منصات مهمة مثل جهادولوجي.

نحن في الآن تم حظرنا أيضاً، وتواصلنا مع تيلغرام وردوا بأن هذا الإجراء سيظل قائماً ضمن حملة اليوروبول حتى إشعار آخر وإن كان ثمة متسع لإلغاء الحظر بعد التحقق من هوية الحساب وأنه ليس من أنصار داعش.
المهم. تمكنت بعد حظر ٣ حسابات لي في يوم واحد من أن أطلع على حساب ناشر نيوز. أعتقد أنني توصلت إلى طريقة لتجنب الحظر. لستُ متأكدة بعد من نجاح هذه الاستراتيجية لكن الحساب شغال على الأقل حتى ساعة إعداد هذه المادة صباح يوم الجمعة ٢٩ نوفمبر ٢٠١٩، المشكلة مرة أخرى هي أن حسابات داعش الرئيسية موجودة ومتاحة، بعد منتصف ليل الخميس على الجمعة نشرت وكالة ناشر نيوز العدد ٢١٠ من صحيفة التنظيم النبأ، الافتتاحية على الصفحة رقم ٣ جاءت بعنوان “منتصرون في الحرب الإعلامية بإذن الله”

وفيها يقول داعش مخاطباً القائمين على هذا التطهير: “وهم يعلمون علم اليقين أن قضية عودة المجاهدين إلى نشاطهم السابق وبطرق أخرى هي مسألة وقت لا أكثر، وأن تكاليف ذلك على المجاهدين لا تكاد تذكر مقارنة بالتكاليف الكبيرة المادية والبشرية التي يبذلونها هم لتقييد إعلام الدولة الإسلامية.”وفي زاوية حصاد الأجناد الأسبوعية، بلغت حصيلة هجمات داعش ٤٨ عملاً إرهابياً، وهو أقل عدد منذ أكثر من شهر: الأبرز في هذه الهجمات كان قتل ٨ جنود في الجزائر، وقتل ١٣ جندي فرنسي في حادثة تصادم مروحيتين في مالي .

 

هذا الحدث كان على الصفحة الأولى.

النبأ نشرت صور الجنود المقتولين. وقالت إن تحطم المروحيتين كان نتيجة كمين لعملية إنزال جنود من المروحية الأولى التي اصطدمت بالمروحية الثانية أثناء إخلائها المكان. بعد تعرضها لإطلاق النار.
وفي الصفحة الأخيرة أوردت النبأ حصاد غرب إفريقية خلال الربع الأول من هذا العام. ٥٧ هجوم. كان من أبرزها هجوم الجزائر ومالي.

عبدالله عزام: تفاصيل ساعاته الأخيرة

هذا الأسبوع وتحديداً في ٢١ نوفمبر صادفت الذكرى الثلاثين لاغتيال الدكتور عبدالله عزام، عرّاب الجهاد الأفغاني الذي منه انطلق الإرهاب إلى العالم. أسامة بن لادن كان أحد تلاميذه.
عبدالله عزام أردني من أصل فلسطيني حاصل على الدكتوراة من الأزهر، كان من منتسبي الإخوان المسلمين في الأردن، ومن مؤسسي حماس في غزة. درّس في جامعات بالأردن والسعودية وفي الباكستان. هناك استقال من التدريس الجامعي وأسس مكتباً لاستقطاب المجاهدين العرب إلى أفغانستان إبان الغزو السوفييتي.

اغتيل في تفجير عام ١٩٨٩.
شاهداً على هذا الحدث كان الدكتور حمدي مراد. أستاذ الشريعة والفقه، الباحث والمفكر الإسلامي الأردني.
في عام ١٩٨٩، تعاقد الدكتور مراد مع الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام أباد عاصمة باكستان وتولى رئاسة فرع الجامعة في بيشاور على الحدود مع أفغانستان. ومن هنا جاءت معرفته بالدكتور عبدالله عزام.
يقول الدكتور مراد: “من هنا بدأت العلاقة مع عبدالله عزام وكان لي باستمرار معه حوارات وهو كذلك كلما زارنا كان يرغب بسماع رأيي. فكنا مختلفين باعتبار أنني لستُ من الإخوان ولا أنتمي إلى أي من التنظيمات السياسية الاسلامية. وأنا طبعاً أؤمن قطعاً بالإسلام وأهميته وأهمية العلاقة مع الآخرين التي الإسلام يجعلها تحت عنوان رحمة للعالمين. ولا تتحقق الرحمة إلا بعلاقة أخوية راقية بصداقة ومواطنة صالحة مشتركة وبعدل وإنصاف دون تمييز بين مسلم وغير مسلم. هذه الرؤية ربما لا تروق للبعض وربما كان لاشيخ أو الدكتور عبدالله عزام من هذا الصنف من العلماء الذي يرى أن المجتمع إن قام يجب ان تقوم له دولته وكيانه بمفاهيمه الإسلامية التفصيلية . أنا كنت أراه بمفاهيمه الإسلايمة الأخلاقية وليس الحكمية أو القانونية الإسلامية. أرى أن لكل مسلم الحق في أن يقدم نموذجه كمسلم والمسيحي يقدم نموذجه كمسيحي واليهودي .. وحتى الملحد يقدم نموذجه كملحد في الوطن الواحد. ويكون التوافق على دستور يعيشون بموجبه بسلام وبمظلة أخلاقية إسلامية، لا بأس، دون إكراه ولا الدخول في التفاصيل الدينية. لكم دينكم ولي دين. ولكن علاقة المواطنة مقدسة. هذا رأيي وردي على ما كان يتردد أن أفغانستان غداً ستكون دولة إسلامية يعود لها الحكم الإسلامي الكامل. فكنا نتناقش ماذا يعني الكامل؟ وكان مدار الخلاف في التفصيل. وموضوع الجهاد أفهمه كحركة تحرر من خلال القانون الدولي رداً على احتلال وعدوان. وكان الغرب يؤيد ذلك في أفغانستان وخاصة أمريكا التي لها مصالح هناك.”
بالرغم من الاختلاف في الرأي والمنهج بين الرجلين خاصة أن الدكتور حمدي مراد كان يحاضر بالمجاهدين العرب وغير العرب حول مستقبل أفغانستان، وهذا لم يكن يعجب الدكتور عبدالله عزام، إلا أن العلاقة بينهما استمرت حتى أيام عزام الأخيرة.

يروي الدكتور مراد كيف أن عزام تعرض في الأشهر الأخيرة من حياته لمحاولتي اغتيال كانت إحداها بوضع عبوة ناسفة كبيرة تحت منبر الجامع الذي يخطب فيه الجمعة في بيشاور.
وجاءته تحذيرات عن طريق جماعة الإخوان المسلمين في الأردن الذين أرسلوا إليه ولديه ينقلان إليه أن ثمة معلومات مؤكدة عن استهدافه. عزام رفض اقتراحاً من الدكتور مراد وغيره بأن يرجع إلى الأردن أو ينتقل إلى أفغانستان ولا يغادرها حيث أن بيشاور لم تكن آمنة. لكنه رفض.

يقول الدكتور مراد: “قبلها بأشهر كان وصل وفد من الإخوان المسلمين في الأردن إلى بيشاور الباكستانية على الحدود مع أفغانستان وصارحوه بنفس الاتجاه: أنه تلقينا من أكثر من جهة رسمية وأمنية أن لديهم معلومات عن أن جهات خارجية (تستهدفك) سواء ربما ألـ (ك ج ب) الروس أو ألـ (سي آي آيه) الأمريكية وربما الموساد الإسرائيلي وربما جميعهم … وربما الأمن الباكستاني الذي صار على باب إحراج في ظل تأخير دخول كابول مراراً. وكان الدكتور عبدالله عزام هو الذي يقنع القادة الأفغان بألا يدخلوا كابول لأنهم كانوا على خلاف وألا يدخلوها إلا باتفاق وتحت قيادة واحدة.”
القادة الذين كانوا على خلاف هم حكمتيار، رباني، يونس خالص وسيّاف.
في ليلة الخميس على الجمعة يوم اغتيل عزام، يروي الدكتور مراد أن عبدالله عزام التقى بحكمتيار ورباني كلاً على حدة وأخبره أنه بات قريباً من التوصل إلى اتفاق. في اليوم التالي، كان عزام ينوي أن يلتقي بيونس خالص وسياف ليتمم الاتفاق بين الفرقاء الاربعة استعدادا لدخول كابول

المرصد 12 | قنوات داعش تتكاثر كالجراد متحدية حملة التطهير التي شنها اليوروبول والتيلغرام

“في صبيحة اليوم الثاني، الجمعة، كنا على موعد باتجاه المسجد. فكان أوصى زوجته لتحضير الغداء لأولاده ودعانا. قال لها أن تحضّر الدجاج والمقلوبة. لم تكن وليمة موسعة، بل محدودة. مررنا به حتى نذهب إلى المسجد كل في سيارته. عنده سيارة باجيرو يركبها مع حرسه الشخصي المسلحين وكانوا أولاد أخته. وأذكر أننا كنا في سيارته ومع الحرس في الخلف وولداه استقلا سيارة عادةي. وقبل التحرك، طلب منه أحد أبنائه أن يأتي معه فقال لهم اذهبوا أنتم ونحن نلحق بكم إلى المسجد. قال ابنه إنه يريد التحدث معه في نفس الموضوع (تهديدات الاغتيال) . فرد عليه إن الموضوع انتهى من الأمس. قلتُ له اذهب ارضاء لأبنائك؛ فهم راغبون في أن تكون معهم. واقترحت أن أذهب أنا معه ونركب في سارة ولديه. فقال لا وذهب هو وحده فجلس بجانب ابنه في السيارة الثانية. ونحن كنا في سيارة الباجيرو خلفهم مع أبنء أخته: حرسه الخاص. وأذكر أننا وصلنا منطقة المسجد. كنا في شارع رئيسي ثم نمر على جس على عبارة ماء عرضها أقل من الغرفة .. هو سيل ماء ينزل من البيوت كمجرى مكشوف لكن مسقوف عند كل حي بعرض ٥ متر، تصعد السيارة وتدخل الحي: وكل نصف كيلو يوجد جسر وهكذا. أذكر أنه فصل بيننا باص ركاب. كانت هو في سيارة ولده في الكرسي الأمامي والولد الثاني في الكرسي الخلفي ونحن وراءهم. لكن سياقة السيارات في باكستان سريعة، يقطعون الطريق وتكون بين السيارة والأخرى ٥سم .. المهم دخل الباص فتأخرنا وأكمل الدكتور بالسيارة. كنا قريبين منه على بعد ٢٠٠ متر والمسجد كان على بعد نصف كيلومتر … حاولنا تجاوز الباص لكنه توقف لتحميل الركاب والسيارات المارة لم تعطنا فرصة … كل هذا حدث في نصف دقيقة ….. ثم وقع الانفجار … تكسرت نوافذ الحافلة وحتى الباجيرو اهتزت بشدة … لم نعرف ماذا حدث. نزلنا فوراً وكان الدخان والنار .. وإذا بالسيارة مشطورة شطرين. شطر فيه السائق ولده وهو وكان رأسه منحني باتجاه الشارع … ولده كان سليما من لاأعلى لكن لا رجلين ولا بطن .. كانت أرجله وأشلاؤه على أسلاك الهرباء والتلفونات … وكذلك الولد الثاني كان من فوق يبدو كأنه نائم ولكنه ممزق من الأسفل .. عبدالله عزام لم يكن فيه أي شيئ. كان مغمى عليه ويقول (الله الله الله) حملناه إلى مستشفى قريب على بعد كيلومتر فقط كان اسمه المستشفى الكويتي، تبرعوا به الكويتيون. نقلناه في الباجيرو وظل طول الطريق يقول (الله الله) ولا يتكلم .. نتكلم معه ولا يرد. كان يوجد فقط نقاط دم من الأنف خفيفة. ولم نعلم ما جرى له؛ هل هناك شظايا في جسده .. لكن لم نر دماً .. كان كامل الجسد حتى عقاله وكوفيته. نقلناه إلى الطوارئ وتوفي عند الفحص الأولي. أتوقع أنه فارق الحياة بين نقله من السيارة إلى الطوارئ يعني مسافة ٥٠-٧٠ متر فقط وعند مجيئ الأطباء قالوا إنه فارق الحياة.

عندما تركناه لم يكن يتحرك ولا يتكلم إلا (الله الله) وعيناه مغمضتان وحملناه كميت لكن يتكلم وخف الكلام على الطريق … لكن كنا شاعرين أن فيه حياة وظننا أنه مغمى عليه. حاول الأطباء عمل التنفس الاصطناعي. رأيتهم يحاولون ولكن من الفحص الأولي لم يكن لديه نبض وتوقف القلب. ”
غياب عبدالله عزام أتاح المجال لأسامة بن لادن للبروز متخذاً من جماعة الجهاد المصرية ركيزة له مخالفاً بذلك منهج عزام.

ولاية الجزائر!
قتل ثمانية جنود جزائريين في تمنراست قرب الحدود مع نيجيريا ومالي كان تطوراً لافتاً في وجود داعش على الخريطة الإفريقية، أتبع ذلك في أقل من أسبوع قتل ١٣ جندي فرنسي في تحطم مروحيتين في مالي.
لماذا إفريقيا مهمة لداعش؟ الدكتور إدريس القنبوري الكاتب والباحث المغربي يرى أن تركيز داعش على إفريقيا ليس وليد اللحظة. ويشرح:

“يجب الأخذ بالاعتبار أنه بعد القضاء على تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية قبل عامين من قبل التحالف الدولي ومقتل زعيمهم البغدادي، أصبح التنظيم يبحث عن آفاق جديدة لإحياء نفسه. ونعرف أنه في العراق وسوريا تم اجتثاثه تقريباً، لكنه يبحث عن مجالات حيوية جديدة من دون التعرض لرد من التحالف الدولي ومن هنا جاء اختيار منطقة شمال إفريقيا: الساحل والصحراء أولا لانها مناطق شاسعة وثانياً لان الدول المحاذية لها بينها مشاكل حدودية فلا مجال للتعاون والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب وثالثاً أن الفساد منتشر في هذه الدول وتستطيع التنظيمات دفع الرشى وهذا حصل حسب تقارير صدرت قبل سنوات في دول مثل مالي حيث تأكد أن بعض أفراد المؤسسة العسكرية كان لهم علاقات بأفراد متهمين بعلاقات مع داعش أو تنظيمات إرهابية أخرى مثل جبهة الدفاع عن الإسلام والمسلمين. جاء اختيار هذه المنطقة قبل سنوات للبحث عن تعويض أو بديل في حال ما تم القضاء على داعش وهذا ما يحصل الآن ونراه.”

ويخشى الدكتور القنبوري أن داعش تعوّل على استغلال الأحداث الداخلية في الجزائر من أجل استعادة موطئ قدم هناك تكراراً لسيرة سوداء ماضية مع الحركات السلفية الجهادية هناك التي أقحمت الجزائر في عشرية دموية. ويعتبر أن الإرهابيين كانوا يتطلعون إلى عودة تلك الحال لكن الجيش الجزائري كان لهم بالمرصاد؛ ولكن ربما اختلف الحال هذه الأيام، وقد يعيدون تجربة الظواهري عندما اعتقد أنه يستطيع توظيف الحراك في مصر في ٢٠١٠ و ٢٠١١ لوضع موطئ قدم له. يتوقع الدكتور القنبوري أن تتشكل تحالفات بين الجماعات الإرهابية في إفريقيا بهدف استعادة “ولاية الجزائر.”

 

اقرأ المزيد: مرصد الجهادية الحلقة رقم (7): يوم قُتل البغدادي