منذ سنوات دخلت روسيا الحرب في سوريا، وصدرت للعالم أنها أكثر حلفائها إخلاصًا، لكنها كانت تستغلها من أجل تجهيز جنودها لمسرح العمليات في أوكرانيا.

وبعد انطلاق الحرب في أوكرانيا، كانت سوريا من البلدان التي أصابها الضرر الشديد، ولم تقدم روسيا التي ادعت أنها أصدق أصدقائها دعمًا كافيًا لإنقاذها من نتائج الحرب الكارثية.

استغلال سوريا

كانت روسيا تحاول كسب دعم سوريا قبل انطلاق الحرب. وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو زار دمشق قبل الحرب في أسبوع، وقبل ثلاثة أيام من الغزو استضاف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نظيره السوري في موسكو.

لقد استغلت روسيا الأوضاع في سوريا لتجهيز عمليتها في أوكرانيا من خلال اعتبار الصراع السوري ساحة تدريب للروس لتجربة أنواع مختلفة من الحروب تتضمن أنظمة الأسلحة، والمعلومات المضللة، والمرتزقة.

الحليف الغادر.. كيف قصم بوتين ظهر السوريين بحربه في أوكرانيا؟

تعلم الروس الكثير في سوريا، من حيث مواجهة الحرب غير النظامية، واستخدام القوة السياسية والعسكرية على حد سواء لإخضاع واستمالة السكان المدنيين المحليين والأجهزة التي تسيطر عليها الدولة.

 

غدر الحليف

رغم أن روسيا كانت تصدر للعالم وللسوريين أنها حليفهم الأقرب، إلا أن روسيا أبلغت سوريا في ديسمبر 2021 قبل الحرب بشهرين أنها لن تفي بالتزامها بتوصيل القمح إلى مناطق سيطرة النظام السوري.

ثم قامت موسكو بعد أيام من الحرب بحظر تصدير القمح خارج البلاد، رغم علمها أن سوريا تعتمد عليها في توريد القمح، بسبب العقوبات الدولية، وخصوصًا بعد أن سجلت سوريا في عام 2021 أخفض نسبة لإنتاج القمح منذ 50 عامًا، بسبب ارتفاع أسعار المواد والظروف الاقتصادية السيئة، وفق تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو).

بعد ذلك صرح مدير المؤسسة السورية للحبوب أن روسيا تواصل تسليم القمح بالأسعار المتفق عليها مسبقًا، لكن سوريا كانت تبحث أيضًا عن موردين بديلين لأن ارتفاع تكلفة تأمين الشحن جعل الواردات أكثر تكلفة، ولم يكن هذا سهلاً بسبب العقوبات ونقص احتياطيات العملات الأجنبية لتمويل مثل هذه المعاملات.

في يوليو الماضي، صرح وزير الزراعة السوري، محمد حسان قطنا، بأن إنتاج سوريا من القمح هذا العام بلغ 1.7 مليون طن، مشيرا إلى أن ذلك الكم من الإنتاج جاء أقل من المتوقع بسبب الظروف المناخية الاستثنائية، مضيفا أن البلاد تحتاج إلى 3.2 مليون طن.

وأوضح قطنا أن “احتياجات سوريا للقمح هذا العام تبلغ مليوني طن للخبز فقط، وهناك احتياجات أخرى من بذار وسميد وبرغل وفريكة وغيرها”.

الحليف الغادر.. كيف قصم بوتين ظهر السوريين بحربه في أوكرانيا؟

الفقر في سوريا

لقد أثرت الحرب الروسية في أوكرانيا بشدة على سوريا، في وقت كان 60% من السكان (12.4 مليون سوري) في حالة من انعدام الأمن الغذائي، وخصوصًا بعد أن تسبب الغزو في قطع ما يصل من 30% من صادرات القمح العالمية، بالإضافة لزيادة أسعار السلع الغذائية.

كان 90% من سكان سوريا يعيشون في فقر، وكان ثلثاهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية.

تعرض برنامج الغذاء العالمي لضغوط بسبب فقدان الإمدادات، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة عدد الأشخاص المحتاجين في جميع أنحاء العالم، لذلك بداية من مايو 2022، خفض البرنامج المساعدات الغذائية المنقذة للحياة إلى حوالي 1.35 مليون شخص في شمال غرب سوريا.

 

أزمة السلع

انخفضت قيمة الليرة، وانهارت القوة الشرائية للسوريين العاديين، كما عانت البلاد من نقص في السلع الأساسية، حيث تكافح الحكومة السوريةالتي تعاني من ضائقة مالية، لاستيراد ما يكفي من الوقود والقمح للحفاظ على حركة اقتصاد البلاد وإطعام الشعب السوري.

قبل الحرب، واجهت سوريا مشكلة كبيرة في الوصول للسلع لأن السوريين العاديين واجهوا فجأة عجزًا كبيرًا ومتزايدًا في الدخل: في حين كان متوسط دخل الأسر السورية ومتوسط الإنفاق متساويًا تقريبًا في عام 2019، بحلول عام 2021، فاق متوسط إنفاقها دخلها بنسبة 49%، وقد دفع هذا العجز السوريين إلى عدم تناول الطعام، أو اللجوء إلى استراتيجيات المواجهة السلبية، مثل عمالة الأطفال وزواج الأطفال.

تسبب الصراع في أوكرانيا في حدوث صدمة جديدة كبرى لأسواق المواد الغذائية، بعدما وصلت أسعار المواد الغذائية العالمية إلى مستويات قياسية، كما تسبب ارتفاع سعر الوقود في زيادة ارتفاع الأسعار، وفي حدوث أزمة لدى المزارعين الذين يعتمدون عليه لإدارة الآلات الزراعية.

زيادة أسعار هذه السلع كان لها آثار كبيرة على قدرة السوريين على تناول الطعام، حيث إن الضغط الإضافي للنزاع في أوكرانيا أثر على الاقتصاد السوري مما هدد بشكل أكبر قدرة السوريين على توفير الحد الأدنى من سبل العيش وإطعام أسرهم.

الحليف الغادر.. كيف قصم بوتين ظهر السوريين بحربه في أوكرانيا؟

سجلت أسعار المواد الغذائية في سوريا، شهرًا بعد شهر، أعلى مستوياتها على الإطلاق، ويهدد ارتفاعها أكثر 12 مليون سوري يعانون حاليًا من انعدام الأمن الغذائي بالخطر، ويمكن أن يدفع 1.9 مليون سوري إضافي إلى انعدام الأمن الغذائي.

تقشف النظام

تحسبًا للنقص الحتمي وارتفاع الأسعار، عقد مجلس الوزراء السوري اجتماعاً طارئاً في أواخر فبراير لتنفيذ المزيد من تدابير التقشف للتعامل مع التأثير المحلي للهجوم الروسي على أوكرانيا.

تم تقنين الاحتياطيات الغذائية ومنتجات الوقود الأحفوري، وتم تقييد عدة فئات من الصادرات لخدمة الطلب المحلي، وكان الإنفاق على احتياطي العملات الأجنبية محدودًا للاستخدام في واردات السلع الأساسية – القمح بالدرجة الأولى – لتعويض الاضطرابات التي تجتاح الأسواق العالمية، وتزايد النقص في السوق السورية، وتراجع إجمالي الواردات من المنتجين الروس والأوكرانيين.

هذه التدابير لم تستطع أن تحمي الدولة السورية من تأثيرات الحرب كاملة، حيث أدى ارتفاع أسعار الوقود إلى إجهاد المالية العامة من خلال زيادة تكلفة الدعم الحكومي، وزيادة تكلفة النقل والطعام في الأسواق على المواطن السوري العادي.

تدعم الحكومة السورية بشكل كبير مجموعة متنوعة من السلع الأساسية التي يمكن للمواطنين شراؤها من تجار الجملة وتجار التجزئة الآخرين باستخدام بطاقة ذكية صادرة عن الدولة، لكن لا يمكن شراء المواد المدعومة إلا بكميات محدودة.

حال السوريين في الشمال

يرتبط شمال غرب البلاد اقتصاديًا بتركيا المجاورة أكثر من ارتباطه بالحكومة السورية.

يسكن هذا الجيب حوالي 4.4 مليون سوري، من بينهم 3.4 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة، منهم 3.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

انتقلت السلطات المحلية إلى حد كبير إلى استخدام العملة التركية، وتقوم المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال الغربي بمشترياتها من تركيا، وقد تأثرت هذه المناطق مع تأثر الليرة والاقتصاد التركي بالحرب الروسية.

تركيا تعتمد بشكل كبير على القمح من روسيا وأوكرانيا، وهي من تمد مخابز شمال غرب سوريا بالدقيق، لكنه اضطرت بسبب الحرب إلى وقف صادراتها من المنتجات الزراعية للمنطقة.

تستورد المنطقة أيضًا الوقود من تركيا، وقد أثرت أسعار الوقود المرتفعة على النقل، وعلى أسعار المواد الغذائية، مما جعل السلطات المحلية في الشمال الغربي السوري ترفع الأسعار.

كل شيء ارتفع ثمنه

تم الشعور بالآثار الاقتصادية للحرب في أوكرانيا في جميع أنحاء سوريا، وشهدت المنتجات المختلفة المتعلقة بإنتاج القمح والدقيق بالفعل ارتفاعات سريعة في أسعار السوق.

كما ارتفعت أسعار السلع الأساسية المستوردة، وأصبح الوصول إلى الأسواق المجاورة أكثر صعوبة حيث بدأت العديد من البلدان، بما في ذلك تركيا، في فرض حظر على تصدير الحبوب وزيت الطهي والسلع الزراعية الأخرى إلى سوريا.

كما أثر ارتفاع الأسعار على المساعدات الإنسانية. في أول شهور الحرب، ارتفع متوسط التكلفة الوطنية لسلة الغذاء القياسية لبرنامج الأغذية العالمي بنسبة 24%

قال رئيس برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيسلي، إن التكاليف العالمية للوكالة زادت بمقدار 71 مليون دولار شهريًا، وأن المنظمة اضطرت بالفعل إلى خفض الحصص الغذائية للاجئين وغيرهم من الأشخاص المعرضين للخطر في دول الشرق الأوسط، في وقت صرفت الحرب أنظار المانحين عن المنطقة لصالح النازحين الأوكران.

وبالمثل، تأثر قطاع الصحة، خصوصًا أن المرافق الطبية الواقعة خارج سيطرة النظام السوري تعتمد بشكل كامل على التمويل الدولي لتوفير الخدمات الأساسية والأدوية.

بالإضافة إلى تعطل سلاسل التوريد وزيادة التكاليف، انخفضت الأموال المخصصة للقطاع بأكثر من 40% في الأشهر العشرة الماضية، مما أدى إلى إغلاق المستشفيات والخدمات الحيوية.